رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الفاشل والأفشل

كان الرئيس السادات، رحمة الله عليه، كلما حدثت في مصر أزمة غير مسبوقة سواء أكان نقصاً شديداً في الحاجات الأساسية من خبز وسكر أو في المواصلات، والمياه، يخرج علينا بخطاب يستعرض فيه الدول الأسوأ حالاً من مصر، وكنا نسمع عن دول لم يكن الإنسان المصري البسيط يعرف عنها شيئاً، فيقول السادات: «نيكاراجوا فيها أزمة في السكر والزيت، ومينامار تعاني أزمة مواصلات خانقة».. إلخ، وضع السادات رحمة الله عليه، حجر الأساس لثقافة سياسية مصرية بامتياز، ودرج من جاء بعده عليها حتى يومنا هذا، وبدون استثناء، وإن اختلف الموضوع، هذه الثقافة أو العرف السياسي يقوم على المقارنة دائماً بالأسوأ، والأقل، والأفشل، والأتعس.

ولأن الناس على دين ملوكهم، أو دين حكامهم، أو دين رؤسائهم، أصبح هذا النمط من التفكير سلوكاً غالباً في مصر، يستخدمه معظم المصريين لتبرئة الذات، والرضا عن النفس، دائماً نقارن بالأقل لنهرب من المسئولية أمام الأسرة، أو في العمل، ويتفوق علينا السياسيون بمراحل، إذ إن ذلك هو سلاحهم الوحيد لإخراس الأصوات المعارضة، أو المطالبة، أو لإرضاء المؤيدين، وخلق نوع من القناعة الزائفة لديهم بأنهم أحسن من غيرهم، وللأسف نحن أكثر شعب في الدنيا مقتنع بأنه أحسن، وأفضل، وأذكى.. إلخ من كل شعوب الأرض، وهذا الأسلوب في المقارنة بالأقل يزيد من ترسيخ هذه القناعات الزائفة.
وتحول هذا المنهج في التفكير إلى أسلوب في الإدارة، فأصبح المسئول يبحث عمن هم أقل منه ذكاء، وخبرة، وتجربة ليكونوا نوابه أو مساعديه، حتى يأمن على موقعه، ولا يكون هناك تهديد حقيقي لمصالحه، فلا يختار للعمل معه إلا من يعتقد أنه لن يهدده في يوم من الأيام، والضمان الوحيد لذلك أن تكون كل مؤهلاته أقل وأضعف، ولذلك لن يلتفت إليه أحد ممن هم أعلى منه في سلم السلطة، أو الإدارة، وبذلك تحول الجهاز الإداري للدولة إلى منهج الانتخاب الطبيعي المعكوس، الذي يقوم على فلسفة البقاء للأفشل وللأضعف، وللأغبي.. إلخ، ومن بين هؤلاء خرج من يتصدرون المشهد الآن.
ثم تطور هذا المنهج، وارتقى ووصل إلى قمة الجهاز السياسي للدولة، وصارت حتى المناصب العليا يتم اختيار من يشغلها طبقاً لاستراتيجية الأمان السياسي، أي أن لا يكون هناك تهديد لوجود صاحب المنصب الأعلى من نائبه، أو مساعده، أو وكيله، وذلك يستلزم اختيار شخصيات باهتة، تفتقد إلى الجاذبية الشخصية، والحكمة، والخبرة، لذلك لم يكن غريباً أن تكون دولة مثل مصر لا يوجد فيها من يتمتع بكاريزما حقيقية من بين الطبقة السياسية التي مارست العمل السياسي فيما قبل يناير ٢٠١١، وللأسف ينطبق هذا الواقع على السلطة، والمعارضة بكل أطيافها، وبكل أحزابها، من إسلاميين، وليبراليين، ويساريين.. إلخ،

الكل نتاج ما أطلق عليه زميلي الفاضل الدكتور حسنين توفيق مفهوم «الفرز العكسي»، أي ان تفرز الأشخاص فتختار الأسوأ.
نظرية الفاشل والأفشل سيطرت على الوعي الجمعي المصري، وأصبح كل فاشل يشعر بالرضا عن نفسه طالما أن هناك من هو أفشل منه، بل أصبح الفاشل يشعر بأنه ناجح، ومتميز إذا وجد أن هناك من هو أفشل، وأصبحنا كمجتمع نتحرك بين فاشل وأفشل، بل كدولة ندور بين هذين القطبين، ويكفي التأمل في الخطاب الإعلامي الذي يقارن مصر دائما بسوريا وليبيا واليمن والسودان، ونسي أن هناك دولة الإمارات مثلا، أو حتى المغرب، يمكن نقارن أنفسنا مع أي منهما.
الفاشل والأفشل يذكرني بقصة طريفة تحكى عن شقيقين في قرية مصرية لكل واحد منهما ولد، وكالعادة تكون هناك درجة من الغيرة بين الأشقاء في الريف خصوصاً في كل ما يتعلق بأولادهم، كل واحد منهما يحرص أن يكون أولاده أفضل من أولاد أخيه، وفي نفس الوقت يحب أن يكون أولاد أخيه أفضل من الأغراب، وكان أحد الأخين قاسياً على ابنه، يضربه ضرباً شديداً إذا تفوق عليه ابن عمه في الدراسة، وعند ظهور النتيجة سأل هذا الأخ ابنه عن النتيجة، فقال الابن بخبث لأبيه: «نجحت»، فرد الأب: «وما ترتيبك على الفصل؟».. قال الابن: «الثاني على الفصل».. وفي غضب شديد سأل الأب: «وماذا عن ابن عمك؟».. فقال الابن: «نجح وترتيبه قبل الأخير».. فرح الأب لان ابنه الثاني، وابن أخيه قبل الأخير، ولكنه لم يعلم أن الناجحين في الفصل اثنان فقط، وأن ابن أخيه الأول وابنه الخبيث هو الثاني.
نداري فشلنا بأغطية من اللغة، والبلاغة، والصوت العالي، في إعلام كل مهمته تزييف الوعي، والسيطرة على العقول، ولعبة «الثاني، وقبل الأخير» هي اللعبة التي يمارسها الإعلام المصري والسياسيون كذلك.