عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حلم التيجاني

عندما لاح في الأفق أن جنوب السودان لا محالة سينفصل، وستنغرس سكين الجزار الأممي في خارطة السودان الغضة الخضراء، وستتقلص خريطة الوطن العربي التي كانت أول شئ حفظته عن ظهر قلب قبل دخولي المدرسة، وسيصبح جنوب الوطن العربي منفصلا عن العمق الأفريقي بكيان عدائي يحمل من المرارات ما يحول دون التواصل مع ديار كانت بالأمس

من أعضاء الجسد الممتد مع الوادي بالماء والدم. عندما تأكد لكل عاقل أن المخطط الإنجليزي الذي وضع عام ١٩٢٤ قد أتي ثماره على يد دولة التمكين، وأن السودان سيصبح سودانين، وأن نظام الإنقاذ ضحى بالسودان لينقذ النخبة الحاكمة وأصهارها من رجال الأعمال، وأن مصير أمة وادي النيل، أو الامة المصرية السودانية لعب به القمار سياسيون هواه،حينها كنت أبث شجوني لواحد من أهم المتخصصين في الشأن السوداني الزميل العزيز والاستاذ الكبير الدكتور التيجاني عبدالقادر حامد، المفكر السوداني الذي يشهد بعلمه وحكمته، وعمق تجربته الفكرية والسياسية كل أهل السودان،خصوصا من المنافسين السياسيين، فما أكثر ما أشاد به المفكر السوداني الدكتور حيدر ابراهيم؛ الذي يعارض بشده تياره الفكري والسياسي؛ التيجاني عالم عميق الفهم، وسياسي نزيه متعال عن الهموم الصغار، والمصالح التي غرق فيها معظم من كان معه من قيادات، ومفكري الحركة الاسلامية في السودان، وآثر الانعزال، والاعتزال منذ منتصف التسعينيات، ولكن ظل موصولا بالشأن السوداني فكرا، ومهموما ومثقلا بكم الفشل والادعاء الذي غرقت فيه النخبة الحاكمة.
حينها كتب التيجاني مقالا نشرته صحيفة «الأحداث» السودانية، وموقع شبكة «الشروق» التلفزيونية في ١٥ نوفمبر ٢٠١٠، كان عنوانه «رأيت فيما يرى النائم كونفدرالية بين مصر والسودان»، وهو مقال بديع في صياغته الأدبية، عميق في فكرته، قدمه في صورة حلم رأى فيه التيجاني جلسة تجمع وزير الخارجية المصري آنذاك أحمد أبوالغيط واللواء عمر سليمان مع قيادات الحزب الحاكم في السودان لمناقشة خطة اتحاد كونفدرالي بين مصر السودان؛ ينقذ السودان من التفكك، ويحقق أحلام الجنوبيين في الحكم الذاتي الواسع دون انفصال؛ في إطار اتحاد واسع يجمع مصر والسودان شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، ويطفئ الحرائق المشتعلة في دارفور وجنوب كردفان، وابيي، وجبال النوبة، وغيرها، ويحقق حلم التنمية التي تجعل الثروة كافية فلا حروب لاقتسام الفتات والفقر، ويقوم على رؤية ديمقراطية واسعة تجعل اقتسام السلطة من أخبار الماضي السحيق، حلم التيجاني حلم جميل… ولكنه ظل حلما، بل قد يكون قد تحول كابوسا عند أمثالي من الحالمين بوحدة بين مصر والسودان وإن طال الأجل.
بعدها مباشرة حدث الانفصال بين شمال السودان وجنوبه، وقامت ثورة يناير ٢٠١١، وأشيع أن كل من دخل مصر من عناصر حماس، وحزب الله، والحرس الثوري

الإيراني جاء من السودان، ثم قدمت السودان أول تبرع لحزب الحرية والعدالة بمقدار عشرة ملايين من الدولارات، وتحول السودان إلى لاعب رئيسي في معادلة السياسة المصرية تحت مظلة مكتب الإرشاد وحزب الحرية والعدالة، ثم فتح حدوده لتهريب الإخوان بعد ثورة ٣٠ يونيه ٢٠١٣، ورجعت السياسة بوجهها القبيح لتعيد الحفر في أخدود الشقاق بين مصر والسودان، وهي أدوار تبادلتها النخب الحاكمة من كلا الطرفين في أوقات مختلفة منذ ١٩٥٤ وحتى اليوم.
وحينما كان السودان هو وجهة رئيس مصر في أول زيارة خارجية له بعد انتخابه، ثم تلتها بعد شهور زيارة رئيس السودان، وتم الحديث عن تفعيل الحريات الأربع بين البلدين، حينها استيقظ حلم التيجاني في عقلي وقلبي، وبدأت أشعر أنه قد يتحقق؛ خصوصا في ظل الرؤية الاستراتيجية للقيادة المصرية الجديدة التي تدرك الأبعاد العميقة للأمن القومي لمصر والسودان بغض النظر عن التطورات السلبية التي لحقت العلاقات في عهد حسني مبارك عامة، وفي فترة حكم الانقاذ في السودان خاصة.
ولتحقيق هذا الحلم لابد من تحرك النخب المثقفة في الجنوب والشمال، أي في السودان ومصر، لفتح جميع الملفات، ومناقشة جميع الهموم، والتراكمات التاريخية، بعقل مفتوح، ولابد من وضع جميع أساطير العلاقات المصرية - السودانية منذ أسرة محمد علي وحتى اليوم على طاولة النقاش، وتقديم جميع الرؤى والمنظورات، وإخضاعها للتحليل والمراجعة، والتمحيص التاريخي والاجتماعي، وتحويلها من أساطير خلقتها ورسختها نخب سياسية، وأيديولوجية ذات مصالح خاصة؛ إلى ملفات تاريخية واجتماعية لابد من فهمها في السياق الاجتماعي الأوسع، حينها سيجد أبناء الصعيد في مصر أنهم شركاء لأبناء عمومتهم السودانيين في كل الملفات، يتشاركون معهم كل مرارات التاريخ، عندئذ نستطيع أن نتحرك للمستقبل معا، وقد ننجح في إعادة جنوب السودان إلي حلم التيجاني.