يا علماء المسلمين.. ماذا بقي من دينكم؟
شاءت الأقدار أن تتعلق التحولات الكبرى في التاريخ الإسلامي بأحداث تقع في أرض العراق، حتى وإن جاءت الاستجابة لتلك الحوادث من خارج بلاد الرافدين، وكأن أرض الرافدين تزرع التحدي، وفي وادي النيل تنبت الاستجابة، ومفهوما التحدي والاستجابة هنا يُستخدمان بنفس الدلالات التي وضعها المؤرخ الانجليزي
أرنولد توينبي، وقد لا نحتاج لتعداد التحديات التي غُرست في أرض العراق، ولا لتعداد الاستجابات التي حصدها العرب من وادي النيل، ولكن للأسف ساد الفكر الاسلامي - منذ منتصف القرن العشرين- رؤية ومنهاجية لا تاريخية، تتناول كل شىء وكأنه نبت شيطاني، بلا بذور ولا جذور، ومن ثم لا موقع للتاريخ، ولا للتحليل التاريخي، ولا دور، فالإسلام جاء مع الإمام الشهيد مدرس الابتدائي حسن البنا الساعاتي، والعروبة جاءت مع ثورة يوليو، ومذهب أهل السنة برز مع إمام التوحيد محمد بن عبدالوهاب، وقبل ذلك كله، كنا نعيش في العدم، او في الضلال، أو لم نكن موجودين أصلا.
ومن أرض العراق، وبعد الاحتلال الامريكي برزت هيئة علماء المسلمين، وهي كيان ينتمي لفصيل سياسي بعينه، توسع عام ٢٠٠٥ إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو يعبر عن نفس الحزب السياسي، واستخدم فيه مفهوم «العلماء» تجاوزا، وبحسب نظامه الاساسي ينضم اليه من صاحب العلماء لفترة طويلة حتى وإن لم يكن منهم، بحيث إن بعض مذيعات قناة الجزيرة الحسناوات أصبحن اعضاءً فيه، وحينها اسميته «اتحاد حماري القرافي»، نسبة الى القصة المشهورة عن الإمام القرافي؛ الذي كان يحكي دررسه للحمارين الذين كانوا يحملونه من بيته ذهابا وإيابا الى الأزهر، حتى كتب المؤرخون «أن حماري القاهرة أصبحوا
وهيئات واتحادات العلماء المسلمين لا تتحرك إلا في قضايا وأزمات يوجه اليه حزبهم السياسي، بحيث يرتفع صوتهم، وتنطلق بياناتهم، وتمتلئ الصحف والفضائيات بها، وتراهم يصابون بالصمم والخرس فيما دون ذلك، وكأن الأمر لا يعنيهم، ولا علاقة لهم به، وهيئات كبار العلماء منذ البداية بعيدة عن الحوادث والحادثات، إلا إذا طلب منها ولي الأمر الرأي، وغالبا يكون رأيها من رأيه، وترك شأن الدين فيما وراء ذلك هملاً لا صاحب له، ولا مدافع عنه، ومن ينطق بالحق يطارد أو يهدد بالقتل مثلما حدث للشيخ الصرخي الحسني عندما احتج على فتوى الحرب الأهلية في العراق.
وإذا كنا كمسلمين لا نريد لعلماء الدين أن يكونوا أدوات مسخرة للأحزاب السياسية، أو كيانات سلبية منعزلة عن صميم الشأن الديني، فإننا كمسلمين نطلب منهم أن يدافعوا عن دينهم، وديننا، عن مصدر حياتهم، وأصل وجودنا، عن الدين في مواجهة كل من ينال من مبادئه، وقيمه، مثله وغاياته، وليس عن توظيف الدين للسياسة
حدث كل ذلك وعلماؤنا لا يتكلمون، وإذا تكلموا كانوا أكثر سماجة، ولوعاً، من الدبلوماسيين المحترفين، الذين يقولون ولا يقولون في نفس الوقت، بحيث ينطبق عليهم التعبير السوداني «يتكلم ساكت»، ثم انفجرت الامة فيما عرف بالربيع العربي؛ الذي تحول فيه الثوار إلى «ثيران» تكّسر كل شىء، وتحطم كل شىء، فلم تُبق في مجتمعاتنا شيئاً، ولا يحتاج المرء إلا أن ينظر الى ليبيا فقط ليرى الحقيقة دون شرح أو تفصيل، وأخير ولدت أمتنا طفلا سفاحا من حرام، وما أكثر ما أنجبت، سمته «داعش»، وكان بئس الخاتمة، لو انفق اعداء الاسلام كنوز الأرض لتشويه وجه الدين الحنيف، دين الانسانية والسلام، خاتمة الاديان، اللبنة الأخيرة في معمار النبوة البهي الجميل، الرحمة للعالمين، لو أنفقوا كنوز الأرض ما استطاعوا ان يشوهوا الوجه الجميل مثلما تفعل داعش مجانا وتطوعا وبدون أجر.
يا علماء المسلمين ماذا تنتظرون بعد هدم قبور الانبياء وقتل وتشريد أهل الذمة؟ أليس في أعناقكم ذمتهم؟ كما تعودتم أن ترددوا، أليس أهل نينوى أحفاد سيدنا يونس عليه السلام؟ أليست حرماتهم في أعناقكم؟ هل يرضيكم ان تباع نساؤهم سبايا؟ يا علماء المسلمين بالله عليكم، أجيبونا.. ماذا بقي من الاسلام؟
أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة