رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طول عمرها فى تالتة إبتدائى!

تساقطت دموع الصغيرة على خديها الناعمين حتى وهى فى حضن أمها فى الفراش مبكراً إستعداداً لبدء العام الدراسى..كبرت هى مثل كل عام وستلتحق بالصف الرابع الإبتدائى..كبرت معها حقيبتها وحذائها وأقلامها وكتبها..كبر كل شئ حتى دموعها..قلقةٌ هى..قلق عام.

.مبهم..فسرته الأم على أنه إنطفاء فرحة الأجازة و الخروج من لذة كسلها ثم عادت الأم وهى تمسح بأصابعها دموع الصغيرة وتقبل رأسها تفسره على انه خوف من أحوال البلد وإحساس إنعدام الأمان الذى بالقطع يتسرب الى قلوب الأطفال دون فهم فيصيبهم بالتوتر والخوف..ثم جاء صوت الصغيرة واضحاً فى محاولة شخصية منها لتحليل الأزمة وقالت " أنا خايفة من سنة رابعة! أنا بحب سنة تالتة!" وهنا ضحكت الأم وهى تقول " يعنى حتفضلى طول العمر فى سنة تالتة؟" وكان الرد على سؤال الأم بالمزيد من الدموع.." حسناً..سأحكى لك حدوتة..حدوتة البنت التى ظلت طوال العمر فى سنة تالتة" إنتبهت الطفلة لكلمة الحدوتة فهى تحمل وعداً لايمكن مقاومته.."كان يا ماكان بنت فى سنة تالتة إبتدائى..كانت تحب هذه السنة جداً ..تحب الكراسى والمكاتب ومروحة السقف فى الفصل وأستاذ أحمد مدرس العربى وحصة الموسيقى وحصة الألعاب ودادة سميرة وحتى عم سيد سائق الاتوبيس رغم أنه يضايقها يومياً حين يطلب منها ألا تتحرك أثناء القيادة..لكنها حزنت كثيراً حين إنتهت من سنة تالتة واصبح عليها أن تذهب لسنة رابعة..وفى أول يوم من أيام المدرسة ذهبت الى فصلها القديم فى سنة تالتة وجلست على نفس المقعد فى المنتصف تحت المروحة..جاء المدرس وجاء المدير وجاءت الدادة سميرة وحتى عم سيد ليقنعوها أنها كبرت وعليها أن تذهب لسنة رابعة والبنت صامتة وعلى موقفها..لن تترك سنة تالتة أبدا..ولم يكن هناك حل سوى أن يتركوها ويمضون الى أعمالهم فهناك الكثير من التلاميذ الذين يودون أن يكبروا ويتعلموا والذين لايطيقون صبر الإنتقال الى الفصول الأعلى..وفى العام التالى حدث نفس الشئ..حاولوا إقناعها أن زملائها الآن فى سنة خامسة وهى على نفس موقفها الثابت الشامخ من مقعدها القديم فى سنة تالتة ..ثم تكرر نفس الشئ عندما كان عليها أن تكون فى سنة سادسة رغم أن وزير التعليم شخصياً حضر بنفسه ليقنعها بضرورة الإنتقال للصف الأعلى .. وهكذا عام بعد عام ظلت البنت هناك فى مقعدها القديم حتى بعد أن صغر عليها وإنحشرت

فيه ساقيها الطويلتين فى الوقت الذى أصبح زملاؤها القدامى الذين تخرجوا معها من سنة تالتة فى الصف الثالث الثانوى الآن، بينما زملاؤها المتجددون الصغار دائماً فى سنة تالتة يرفعون رؤوسهم وهم يكلمونها لأنها تفوقهم كثيراً فى الطول وينظرون على طولها وعرضها ولايتعجبون لأن الجميع بات يعرف تماماً أنها لاتزال فى سنة تالتة . إنعقدت الندوات والمؤتمرات الصحفية لبحث حالة البنت المستعصية وكُتبت مقالات وأبحاث لتحليل الحالة دون جدوى.. وعندما يئسوا من إيجاد حل تقبلوا الأمر بهدوء ولم يعد أحد يتصور المدرسة دون البنت دائمة الجلوس فى سنة تالتة لأنها أصبحت عشرة طويلة مع دادة سميرة وعم سيد وأستاذ أحمد وغرفة الموسيقى وملعب الألعاب"..جلجلت ضحكة الطفلة عند إنتهاء الحدوتة خاصة عندما أعقبتها الأم ببعضٍ من الدغدغة تحت الإبطين وتحت الذقن ولم تتوقف إلا عندما تأكدت ان نبع الدموع قد جف وأن الصغيرة الآن ستنام هادئة..خرجت من الغرفة على أطراف أصابعها وعند الباب وقفت هنيهة ترقبها وترقيها بعينيها مثل كل ليلة وتساءلت من سيحكى حكاية البلد الذى ظلت طول العمرفى مقعد سنة تالتة القديم؟ تكبر البلاد من حولها و تنضج..تفهم الأمم من حولها وتتطور..تساعد نفسها..تلملم جراحها..تضمدها ولو بخرقة قديمة.. تثور على نفسها ورعبها وتدب على الأرض بقوة فى طريق الصف الأعلى ..المرتبة الأعلى..والتى تليها والتى تليها..نحو المكانة التى تستحقها..وهذه البلد بعنادها أو كسلها أو خوفها أو عقدها تحبس نفسها فى فصل قديم ، فى مقعد بالقطع سينكسر تحت ثقل جسدها المترهل فى سنة تالتة.