رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أهدى "كريمة" الى رئيس مصر القادم

أعلم يا سيدى أن على عاتقك الكثير، كان الله فى عونك، لكن عفواً خذ إستراحة قصيرة وإقرأ قصتى عن "كريمة" فهى، أعزك الله، لك.

إلتفتت أم مجدى الى الوراء لتكلم مخدومتها السيدة س، كانت تلمع الموبيليا وارادت ان تكلم السيدة قبل ان ترحل: " والنبى يا ست كنت بس عاوزة اقول حضرتك على حاجة" “خير يا ام مجدى؟ “قالت السيدة وهى ترتب شيئا ما فى حقيبتها. " انا بأسمع حضرتك يعنى بتكلمى صاحباتك فى الجمعية الخيري ويعنى كنت عاوزة احكى لك عن حالة كدة..كريمة يا ست.كريمة شابة فى العشرينات كده أهلها راحوا كلهم وبيتها وقع مع اللى وقعوا من كام سنة فى الدويقة. ومالهاش حد.بنت شارع يعنى" سكتت أم مجدى وهى تمسح جبهتها بالفوطة الصفراء لتلقط انفاسها أو ربما لتجد الكلمات المناسبة ثم عاودت." يعنى إتلموا عليها ولاد الحرام وخلوها ادمنت البورشام والمخدرات ودلوقت بيخلوها توزع لهم أصاد المخدرات وآخرالليل بيغتصبوها يا ست، خمسة ستة كل ليلة.هى قاعدة فى قوضة من غير باب قصاد حماتى ياست. جيرانها بيضربوها وبيبهدلوها لما بيجوا لها فى قوضتها بس حماتى يتسخن لها مية وتحميها يا ست ،والله هى غلبانة يا ست ، غلبانة ومش عارفة تخرج م الوحلة دى."
حملقت السيدة "س" فى أم مجدى وهى لاتعرف ماذا تقول.كانت وصاحباتها يحاولن المساعدة من وقت لآخر فى حالات المرض والتعليم والزواج لكنهن لم ينخرطن ابداً فى حالات اولاد الشوارع ولا الإدمان لخطورتها وصعوبتها.شعرت ام مجدى بتردد سيدتها فلاحقتها بالكلام حتى لا تفوت الفرصة: " والله ياست انا متفائلة بيك خير وحضرتك عارفة انى حلمت بيك قبل ما اشوفك ، حلمت انك سحبتينى من طابور العيش الطويل وكنت حرانة وضهرى واجعنى بس انت اديتيتنى 5 ارغفة و.. وبعدين يا ست حضرتك تحزنى ليه لما ما تقدريش، هو حضرتك رئيس الجمهورية يعنى..قاطعتها السيدة "س"وهى تشعر بهزيمتها فى معركة إستقطاب المشاعر." إحضرى لى عنوان كريمة وربنا يكرم يا ام مجدى" ونزلت السيدة لجاراج البناية الفاخرة لتأخذ سيارتها وتمضى.فى طريقها للسيارة حاولت ألا تقع عيناها على الكلب المحبوس فى قفصه يحرس السيارة الألمانى الفاخرة لجارها المتغطرس وأمامه الحارس شحاته بصمته الأبدى.كان منظر الكلب المحبوس دوماً فى غير مكانه وغطرسة الجار وبلطجته بحجة الأمن الغائب تؤذيها وتشعرها بالقهر.فى طريقها تذكرت كل صور اولاد الشوارع التى تعرفها وشعورها بالعجز والخوف فى الوقت ذاته من ان يسألها الله عنهم يوم القيامة، ماذا فعلت لهم.شعرت انها ربما لو ساعدت كريمة قد تكون قد احيتهم جميعاً من مستنقع الضياع، اربعة مليون ونصف طفل وطفلة شوارع فى مصر، دولة كاملة تضاعف عددها فى عهد مبارك، لم تجد أى من مرشحى الرئاسة المحتملين يضع لهم حطة عملية واضحة ولم تجد أحزاب "ربنا" توجه الكلام لهم أو تضع الخطط من اجلهم.  كانت بؤر تواجدهم هى المواقع الإباحية الحقيقية التى لابد من غلقها وليس مواقع شبكة الإنترنت التى طنطنوا بها ثم لم يفعلوا لها شيئاً.كانت إعلانات دعاية المرشحين تملأ السماء امامها وشعرت  السيدة بمغص.
بعد عدة ايام، أحضرت أم مجدى عنوان كريمة ولم تجد السيدة "س" مفرمن محاولة المساعدة حتى وإن بدت ميئوساً منها فأجرت بضعة مكالمات حتى وصلت للسيدة "ص" والتى سبق لها التعامل مع جمعيات أولاد الشوارع وإستطاعت لدهشتها فى خلال ساعات قليلة أن ترسل من ياخذ كريمة بالفعل من غرفتها التى هى فى حكم الإقامة فى الشارع وتؤيها مؤقتاً فى غرفة مع فتاة كانت فى مثل حالتها فى إنتظار عرضها غداً على طبيب الإدمان.زفت السيدة "ص" هذه الأخبار السعيدة فى التليفون للسيدة "س" ودفعت بالدموع الى عينيها وهى تصف لها ان فريق البحث الإجتماعى وصل لكريمة وهى تحاول قطع شرايينها للإنتحار وانها شابة مثل "فلقة القمر" ومطمع للبلطجية ومروجى المخدرات وان بالكشف المبدئى عليها إكتشفوا أن لها كلية ناقصة. زفت السيدة "س" الأخبار الى ام مجدى وهى تنتهى من تنظيف  حمام الضيوف، فإمتلأ البيت بالحمد والثناء على السيدة وخيرها على الغلابة وتفاؤل أم مجدى بها وإمتلأت السيدة "س" لبعض الوقت بمشاعر مختلطة ، فهى تارة تؤنب نفسها على التردد فى المساعدة وتارة تتوجس خيفة لأن الموضوع يبدو أسهل مما هو عليه لكنها فى كافة الأحوال نامت ليلتها وهى سعيدة لأنها إستطاعت ان تفعل شيئاً صحيحاً فى وقت شح فيه الصحيح.
ثم جاءت الأنباء الحزينة فى اليوم التالى. فى الليلة السابقة ومع حلول موعد جرعة المخدرات إنتابت كريمة نوبة من الهياج والعنف التى إنتهت بانها هددت صاحبة الغرفة الأصلية بالقتل إن لم تتركها تذهب الى حالها، فتركتها ولا يعرف أحد فى الجمعية أين ذهبت. وأكملت أم مجدى الحكاية الحزينة فى اليوم التالى بالجزء الخاص بالبلطجية الذين كانوا قد أقاموا ماتماً لإختفاء كريمة ، كنز التسلية المباح ، مع "الجماعة بتوع الجمعيات دول" ثم عادوا فأقاموا الأفراح حين رأوها تدخل عليهم هائجة من تأثير تأخر المخدر، وكافأوها على العودة بجرعة مضاعفة من البرشام وكافئوا أنفسهم بنوبات مضاعفة من الإغتصاب، وفى الصباح المبكر وقبل ان تفيق البنت، حملوها حملاً الى مكان مجهول خوفاً من حضور الجماعة بتوع الجمعيات مرة اخرى.وقبل أن يرحلوا هددوا سكان البناية، او الخرابة، بالقتل لو

حاولوا تتبعهم أو السؤال عن كريمة مرة أخرى.أنهت ام مجدى الحكاية وهى تنظر بقدر من العتاب المشوب بالسخرية على السيدة "س" التى لم تنطق.
جاءت أصوات الصاحبات معاتبة: " ألم نقل لك يا "س" ألا تتدخلى فى هذا الأمر؟  أولاد الشوارع حدوتة كبيرة علينا، لابد لها من تدخل الدولة بكافة اجهزتها من شرطةومؤسسات مجتمع مدنى وأطباء ومراكز إدمان، لابد لها من إرادة مجتمع وإشراف الحكومة و ملايين الأغنياء.إذا كانت أمريكا الدولة الأغنى فى العالم لم تستطع التغلب على هذه المشكلة، بأى منطق نستطيع نحن؟ درء المفاسد مقدم على جلب المنافع . حمدِ ربنا ان الأمرإنتهى عند هذا الحد وأنه لاأحد يعرف من يحاول مساعدتها وإلا أصبحت انت و"ص" فى خطر حقيقيى. ألا تتذكرىن السيدة التى آويناها منذ عامين وادخلنا اولادها أحد الدورثم إتهمتنا بعدها فى محضر بأننا خطفنا الأولاد؟ المستنقع أعمق مما تعتقدين.
عشرة أيام مضت والسيدة "س" تقاوم الإكتئاب.كانت تشعر بإختناق حقيقى وتحلم بنفسها وبكريمة  فى مستنقع أسود تملؤه التماسيح وهو بالأمر الخطير فى أحلامها.لم تكن قد رأت كريمة، ولكنها تخيلتها شابة بيضاء بعيون عسلية واسعة وشعر بنى ناعم، كانت تشعر بها احيانا تناديها فى صحوها وتراها تتألم وتبكى فى نومها، تتمنى احيانا ان تشعر بعض التواصل او الدفء اثناء إغتصابها، ثم تعود وتطرد الفكرة وهى تستغفر الله لهما. كانت كريمة سر بالنسبة لها، " العلم به ذنب والجهل به ذنب أكبر". أيام وأم مجدى تحاول ان تفهم ما الذى إعترى سيدتها منذ الحكاية "إياها" وظنت انها قد تعدت حدودها بشكل من الأشكال فظلت تحاول فى كل يوم ان تكافئ السيدة بشئ غير مسبوق تنجزه أو بكى ملابسها دون أن تطلب لكن محاولاتها كانت تبؤء بالإحباط عندما ترى وجه السيدة الجامد،  بينما السيدة كانت تحت تأثير مضاد قوى للإكتئاب.
وبعد وقت طويل وحينما لم تظهر كريمة مرة أخرى وبعد أن نست ام مجدى الحكاية كلها تحت وطأة الأمر الواقع، وبعد أن صلت السيدة "س" ركعتين حاجة بغرض زوال الهم، قامت الى شرفتها وشربت الشاى كعادتها قبل نوبة الإكتئاب الأخيرة ونظرت الى زهورها  الملونة وتذكرت محمد منير وهو يقول : "قلب الحياة مليان حاجات وبتفرح" شعرت أن لمزاجها الجيد اليوم سبب بلا شك، ربما إستطاعت كريمة أن تخرج من محبسها أخيرا؟ ربما لجأت الى مستشفى حيث يرأف بها أحد الأطباء ويبدأ علاجها؟ "يارب فرج كربها". قررت السيدة أن تتمم طقس علاجها الذاتى فلبست ملابسها وحيت أم مجدى التى حثتها على الخروج والذهاب الى النادى مع الصديقات عسى ان تتحسن وتعود "عال العال" وبعد أن دخلت المطبخ لتاخذ شيئاً لم تفهمه ام مجدى، نزلت الى الجاراج ونظرت الى شحاتة الحارس وطلبت منه أن يصعد لأم مجدى ليحضر الكيس البنى فى أبيض الذى نسته  فى الغرفة، وعندما تأكدت ان مفاتيح قفص  الكلب على الكرسى الخشبى وان شحاتة قد صعد بالفعل، أخرجت قطعة اللحم من كيس صغير فى حقيبتها وفتحت باب القفص وهى ترتجف وألقت باللحم فى الإتجاه المضاد ثم قفزت فى المصعد قبل ان ينتبه الكلب الى حريته المفاجئة. تعلم ان الكثير من المشاكل يكمن وراء ما فعلت، وأن عليها أن ترتب عملاً لشحاتة الذى سيفقد وظيفته لحراسة السيارة ولكنها كانت هى وشحاتة وهذا الكلب وكريمة فى خندق واحد ، وكان على أحدهم الخروج اليوم.
وبينما كانت السيدة "س" فى طريقها لصاحباتها فى النادى، كانت كريمة تقطع شرايينها للمرة الثانية وتنتظر الفرج.