عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ست الحبايب ..وست البنات

تمتلئ المحلات بهدايا عيد الأم من كل شكل ولون وتمتلئ الصحف والمواقع بالإعلانات والعروض المختلفة ورغم أن الهدايا متنوعة إلا ان التركيز الأعظم على الأدوات المنزلية وكأن على الأم فى يوم خصصه الناس لها ان تفكر فى رفاهية الأسرة أو فيما يريحها لخدمة الأسرة مع أن هذا واجب الأسرة من الأصل تقديراً لخدمتها وعنايتها ومشاركتها الإقتصادية فى أغلب الأحوال،

ما علينا، المهم الهدايا تأتى فى الاخر ولا يتم تجاهل اليوم أو المرور عليه مرور الكرام بتحية وقبلة عابرة لأن من لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق. وأرجو ألا ينتابكم هنا شعور أننى أُذَكر أسرتى بعيد الأم فأنا  أذكى من أن أنتظر وقوع  مثل هذا الإحباط على نفسى وأطمئنكم أننى قد قمت  بالفعل بشراء الهدية لنفسى وبنفسى وكانت أيضاً أدوات منزلية أحتاجها من فترة. إمتلأ المكان الذى قصدته بأوانى وقدور وصوانى وأكواب وقوالب فرن! وإمتلأت الأجواء بأغانى ست الحبايب. أخذتنى الأغانى والقوالب فى رحلة نفسية بعيدة وانا أقلب فى المعروضات. وجدتنى أفكر كيف يضع مجتمعنا المرأة فى قوالب ثابتة، عذراً أنا لا الوم احداً، فقط أحلل ما أعيشه. فالبنت إما دلوعة الأسرة الدرة المكنونة المطيعة أو تعمل لصالح الأسرة خارج البيت وداخل البيت وأيضاً مطيعة والزوجة إما نكدية مطحونة أو خفيفة فرفوشة أو مثقفة ذكية مكروهة والشابة إما زوجة مكرسة أو عانس عاملة وكسيبة والأم دائما مضحية وتخرج من لحظة ان تصبح اماً محتملة فى الحمل من قائمة الأنثى الى قائمة الأم وهى قائمة مطلقة تجردها من الكثير من المشاعر الإنسانية مثل الرغبة والحق فى الراحة والتقدير والمساحة الخاصة وبالطبع لذة التفوق فى المهنة.فإن أرادت أن تجمع بين الحسنيين، العمل المميز والأسرة عليها أن تحمل صليبها على ظهرها كل يوم وتواجه تحدى لاإنسانى. على المرأة أن تدخل فى قالب ما وتملأه وإن فشلت فهى لا تنتهى من اللوم أوالتصنيف والتصنيف دائماً يضع الحدود..ثم إن عليها فى كافة الأحوال ان تستقى نظرتها عن نفسها من مرايات المجتمع التى هى من الأصل ذكورية الصنع تراثية المعنى.
الرجال أيضاً فى قوالب؟ ويرون أنفسهم فى نفس المرايات القهرية؟ بالطبع! ولكن المجتمع مثل الهرم وقاعدته العريضة التى تحمله كله بقمته تشغلها النساء لذا فقوالبها أكثر إحكاماً ومراياتها أكثر تقعيراً تبدو لى احيانا مثل مرايات بيت الضحك:مشوهة.
هل نتذكر ما الذى حدث للمرأة أثناء ثورة يناير وما بعدها؟ هل تحتاجون أن أذكركم بملء المرأة للميادين من كافة الطبقات والتيارات؟ لن أغفل الأوليات الناشطات اللاتى ملأن الميادين وسلالم النقابات والجامعات منذ زمن بينما كان معظمنا فى غفلة أوجبن أو يأس عميق. ثم كل السيدات اللاتى لحقن بهن فى الميدان وبقين هنلك ليل نهار.والقابعات فى البيوت لحمايتها وحماية الأطفال مع الرجال حين فُتحت السجون وإنطلقت أسراب خفافيش الظلام.هل على أن اذكركم بتمسك النساء بالميدان رغم محاولات السلطة بكافة أشكالها ترويعها واللعب على كلمات فضفاضة مثل الشرف والعذرية ومن ثم محاولة إعادتها بقسوة للبيت بعيداً عن التظاهر ومن وراء السلطة أراء بعض الناس وتعليقاتهم المخجلة مثل " وهى نزلت الميدان ليه أصلاً؟ وهى لابسه كده ليه فى الساقعة" ؟ تأخذنى الان ست الحبايب لست البنات. لا تعرفونها؟ تلك الشريفة التى إنتهكها العسكر فى الميدان وفرجوا عليها خلق الله.
بل والأكثر قسوة والذى ندٌر الكلام عنه هو ما تحملته المرأة فى كل بيت من إنفلات الأسعار والتضخم ومحاولة العبور المستحيل بالأسرة شهرياً لبر الأمان بدون سلف او فضيحة و أيضاً التعليم المنزلى الذى تزوده الأمهات للأولاد فى ظل القلق والغياب المستمر احياناً وفى ظل اخبار الإختطاف وسرقة العربات وقطع الطرق وهى أشياء جديدة تماماً على مصر.
ولكن لأن المرأة المصرية كما يقولون حمالة أسية لم تتكلم عن كل هذا، بل وتم وضع قالب جديد لها وهو إستخدام صحتها التصويتة لصالح الرجال،فبدايةً من الإستفتاء على بنود الدستور ( والذى أرجو أن يكون جميع من صوتوا بنعم قد أدركوا الورطة التى نحن فيها الآن وأن هذا ما يعطل إستقرار المجتمع الحقيقى وعجلة الإنتاج الشهيرة) مروراً بإنتخابات مجلس الشعب والشورى فتصويت المراة هو ما أدى بالنتائج الى ما هى عليه وكان الإقناع من جانب ذويهم واهلهم والإعلام بإسم الدين وأحياناً بسبب الجهل الذى جعل الإختيار يتم عند باب لجان الإنتخاب. وإنتهى الأمر بأن المرأة لاتمثيل يُذكر لها لا فى البرلمان ولا فى لجنة وضع الدستور. وأنا أذكى من أن ألوم احداً هنا فالمرأة دخلت كالعادة

فى القالب المرسوم. والتى لم تدخل القالب يتم وصفها عامةً "بالشعنونة" و الرجل هو الرجل، لم يتغير شئ.
وعكس ما قد تظنون أنا لاأجد حل المشكلة فى تبنى نمط غربى لحرية  المرأة بعيداً عن الدين، فأنا لا اجده ناجحاً للتطبيق على مجتماعتنا ولا حتى فى مجتمعاته، والحق اننى كبداية أقل من أن أطرح حلول يتبناها الناس فوراً وكذلك كبداية أتمنى الرضا والعدالة للجميع، لذا ادعو الجميع أن يعيدوا النظر فى سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وبالتحديد فى حياته الأسرية مع نسائه ( من البنات والزوجات والقريبات وصديقات الزوجات ونساء المؤمنين) ورغم تباين ردورد أفعال البعض البعض تجاه مسألة تعدد زوجات النبى فمن  رافض ومتهم الى متشيع أو مطبق،دعونا نعيد فهم هذه المسألة أيضاً ،أدعو لدراسة حياته الكريمة نموذجاً والتمعن والتحليل العميق والعلمى لمواقفه وأقواله وما تكلم عنه وما سكت عنه ودعاباته وطرفاته وما أوصى به المؤمنين وما تعمد تعليمهم عن النساء وان نطبق هذا "بتصرف" فى عصرنا طبقاً لظروفنا التاريخية والمجتمعية لنجد أن أغلب نقاط المشاكل قد وجدت لها حلولاً فالمشكلة الحقيقية أن الرجال ينتقون ما يودون من سيرة الرسول ويتركون مايريدون ومالايخدم قضاياهم وقوالبهم. هل سنخسر شيئاً بهذه الدراسة؟ ألسنا بالفعل فى شتات إجتماعى ومآسى إنسانية؟ أليس وارداً أن يكون بها أمل؟
عندما قلت هذا لصديقة أجنبية بادرتنى بقولها " هذا ما قاله السلفيون وإستولوا به على مقاعد البرلمان" و بالطبع كان فى ردها محاوله لوضعى فى مزنق وإيحاءً بأن السلفى أو الإسلام السياسى إنتهازى على ما يبدو أنه أصبح وقع الإسم فى الخارج، وعندما خاطبتها بهدوء وبينت لها بالمواقف كيف كان الرسول فى حياته، وكيف أن على الجميع من مسلمين وغير مسلمين شرقاً وغرباً، سلفيين أوإخوان أووسطيين أو من عامة الشعب البسطاء الذين يَتَحَدون فى فطرتهم النقية أية تصنيف،على الجميع بلا إستثناء إعادة النظر فى حياة الرسول وتحليلها ودراسة كيف يمكن التأسى بها فى إيجاد أشكال إجتماعية صحية عوضاً عن الفوضى التى نعيشها ومجتمعاً متماسكاً يحصل فيه الجميع على حظ من الرضا والعدل، حينما قلت ذلك صمتت صديقتى الأوروبية طويلاً حتى ظننت انها لن تنطق ثم أرسلت لى إيميل بعد ذلك بفترة يفيد بأنها تقرأ فى سيرة الرسول الآن فيما هو متاح لها من مصادر! وأنا كذلك أفعل.
وحينما أفعل، أجدنى فى عالم جميل وحكيم وتزداد قناعتى بأن هناك طريق فقط لو خلُصت النوايا للبحث و التقصى والتحليل ويفاجئنى أننى وقتها أنفض القلق من القوالب النسائية القهرية بسهولة لأن الأمر يصبح بعيداً عن الرجل والمرأة بل يتعلق بالإنسان وحياته ونفسه وعلاقته بمن حوله ولا اخاف وقتها من شئ إلاأن يتأخر هذا الطرح أطول من هذا .
وبعد أن أخذتنى القوالب والأغانى فى قلب المحل الكبير الملئ بهدايا عيد الأم وأرسلتنى أنا وأنتم فى رحلة قديمة وحديثة، يتجدد خوفى وانا اغادر المكان من أن تمارس أسرتى الحركات "إياها" ولاتدفع ثمن الهدية التى إشتريتها لنفسى وبنفسى!