عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عالم .. ما بعد أمريكا!

منذ عدة سنوات استوقفنى كتاب «عالم ما بعد أمريكا» للكاتب فريد زكريا رئيس تحرير «نيوزويك» السابق، خاصة أنه نال قدرا لا بأس به من الدعاية فى الخارج، ليس لأهمية الكتاب والقدرة التحليلية الفائقة لكاتبه،ولكن لصورة ملتقطة للرئيس «اوباما» من أحد المدونين الجمهوريين حاملا الكتاب، ونشرت على «تويتر» وكما هو المعتاد فى شبكات التواصل الاجتماعى (العمل من الحبة قبة) أتهم أوباما والمؤلف بالعمل على التخطيط لإسقاط الولايات المتحدة، رغم أن النظرة الواقعية للصورة فى صف الرئيس كونه قارئا متابعا لما يقال عن سلبيات لأمريكا لتصبح بمثابة الخطوة الأولى لإنقاذها.

وبعيدا عن تلك الأطروحة وجدتنى أعود لهذا الكتاب مؤخرا نتيجة لحالة تشابك الاحداث السياسية والاقتصادية فى العالم فى الأونة الاخيرة،فكما رأى «فريد زكريا» فثمة نجوماً عديدة بدأت أنوارها تبدو في سموات الأفق العالمي. فالجميع يرى أن ثمة توافق روسي-صيني اقتصاديًا وعسكريًا، وإسقاط مجالات التعاون على أرضية واقعية وتحديد القوالب التنظيمية التي تواجدت فيها. ولأن (المصالح تتصالح) فبعد عداوة سنوات بين الجانبين اتفقت المصالح الصينية - الروسية على نقاط أساسية يتم تكرارها وتأكيدها كلما سنحت الفرصة لذلك، يأتى على راسها تدعيم قوّتهما مقابل الولايات المتّحدة الأمريكية، سواءٌ من القيادة الروسية التي تعرف أنها في موقف أضعف مما كان عليه الاتحاد السوڤييتي، أو من قبل القيادة الصينية التي ترى أنّها مؤهّلة لأن تكون القوّة العظمى في ما بعد.
إنّ كلا الطرفين قلقٌ جدًا من مسألة عدم الاستقرار ومستعدٌ للجوء إلى إجراءات سلطوية في الداخل والخارج من أجل تثبيت سلطتهما. فعلى الصعيد الداخلي، يواجه الطرفان مشكلة في التعامل مع الأقليات. أما على الصعيد الخارجي، فكلا الطرفين يرفض التدخّل الخارجي في آسيا الوسطى ويخشى من سقوط هذه المنطقة في النفوذ الغربي. إنّ كلا الطرفين يرفض المظلّة الدفاعية الصاروخية الأمريكية ويخشى من انتشار أسلحة الدمار الشامل ومن استخدامها ضدّهما سواءٌ عبر دول أخرى أو جماعات ..وعلى الجانب الآخر وكما يرى فريد زكريا نشاهد نمواً عالمياً حقيقياً والذى يؤدي بدوره إلى خلق نظام دولي تكف فيه أجزاء العالم عن أداء دور «المتفرج» السلبي بل وتشرع في أداء دور «اللاعب» المشارك الإيجابي،ولعل ظهور مجموعة «البريكس» خير دليل على ذلك فهى بمثابة الانطلاقة الأولى لتغيير الأنماط القديمة في ممارسة السياسة المالية العالمية. هذه المجموعة المؤلّفة من البرازيل، روسيا، الهند، الصين وأفريقيا الجنوبية هي أسرع دول العالم نموًا حاليًا وأقلّها تأثّرًا بأزمته، ويعوّل على النموّ في اقتصاديات هذه الدول لخلق الأمل في رفع مستويات النشاط الاقتصادي العالمي بعد الأزمة الاقتصادية.
و إنجازات هذه المجموعة تعود بالنفع على نصف سكان العالم، وهذ ما يدعمه بقوة قرار إنشاء بنك مشترك للتنمية يعبّئ الموارد المالية بهدف تمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية المستدامة في هذه الدول، وكذلك لتقديم التمويل المناسب لغيرها من الدول الناشئة والنامية في العالم.. وهذا ما يدعمه بالرأى «فريد زكريا» من تغيير نوع القوة التقليدية على المستوى الدولى، فعندما كانت القوة الدولية التقليدية هى القوة الإمبريالية، بعد الحرب العالمية الثانية، مهد هذا الطريق لصعود الولايات المتحدة والاتحاد السوڤييتى بمشروعين اقتصاديين هما «خطة مارشال» و«معاهدة وارسو» لتصبح القوة الاقتصادية

هى القوة الأساسية فى اللعبة السياسية. ثم استطاعت أمريكا من خلال سياسة «الاحتواء» التفرد بالقوة لتصبح هى القوة الأساسية. وبالتالى وبنظرية التوافيق والتباديل من الممكن سقوط الولايات المتحدة كقوة عظمى و صعود دولة (أو دول) أخرى، خاصة أن العالم وبعد سلسلة من الإخفاقات الأمريكية، السياسية والعسكرية، في أفغانستان والعراق، والأزمة الاقتصادية العالمية والانكماش والركود في الولايات المتحدة وأوروبا، بدأ يفتّش عن بدائل ووسائل جديدة لقيادة العالم بطريقة أكثر استقرارًا وأمنًا، وأقل تفرّدًا وهيمنة أحادية. لذلك وجد بعض الدول الكبرى أنه من الممكن الصعود إلى المسرح العالمي من بابه الواسع، ومشاركة الولايات المتحدة لإعادة إيقاف العالم على ركائز صلبة فيصبح أكثر توازنًا واستقرارًا.وتكمن الأزمة الامريكية فى حالة الشعور بالتفرد والتميز على الشعوب التى يعيشها قادتها والعديد من الأمريكيين وعلى الأخص «المحافظين الجدد، وهو نفس النهج الذى أضاع امبراطوريات وأمم من قبل وليست الامبراطوراية العثمانية وانهيار المانيا وتقسيمها ببعيد، وللأسف أن تلك القناعات تتبناها القاعدة الشعبية الامريكية نتيجة لما تراه من القيادة السياسية وما ينشر لها من مراكز الأبحاث والإعلام وغيرها من المؤثرات الاجتماعية. كما يؤكده فريد زكريا مشيرا الى ما حدث فى أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة من انتشار لفكرة أن الولايات المتحدة آخر الإمبراطوريات.
هذا الشعور سيطر على المستويين الشعبى والنخبوى بداية من عهد «ريجان» والى انتخاب «بوش» الابن. فأصبحت كلمة أمريكا تعنى العالم! خاصة بعد تعمد اليمين المحافظ عند تسلّمه الحكم في الولايات المتحدة إلى استسهال استعمال القوة العسكرية من دون استشراف النتائج والتداعيات والمقدرة على احتوائها، فكان العزف على تفعيل «الفوضى الخلاقة» من دون رقيب أو حسيب. لقد أعطت الولايات المتحدة لنفسها امتياز الاستعلاء والاستكبار في التعامل مع بقية الدول على أساس أنها القطب الأوحد المؤثّر في العالم، فدفعت ثمنها غاليا،وللاسف أن الفاتورة تورط فيها العالم بأجمع، والحل ليس فقط صعود قوة بديلة عن أمريكا وأعادة لعبة الهيمنة من جديد، ولكن مشاركة فعالة من كل شعوب الأرض فى الحقوق والواجبات، هنا يصبح العالم ما بعد أمريكا جديرا بأن يعيش به الإنسان.