رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حروب مصر الحضارية

وسط الاحتفالية المصرية بنجاح المؤتمر الاقتصادى، وذكرى عودة طابا إلينا أجد أننا نكمل رؤيتنا وقناعتنا السياسية فى أن الحروب لم تعد هي الوسيلة الفعالة لحل النزاعات وإنهاء الصراعات.. فتلك حقيقة كشفت عنها خلاصة تجارب مسيرتنا، فنحن نؤمن بأن المعارك الحربية

وحدها لا تستطيع حسم المشكلات وفض المنازعات بصورة نهائية وجذرية، خاصة ما يتعلق منها بالعلاقات الإقليمية بين الدول، وهذا يرجعنى إلى 19 مارس 1989 عندما عادت طابا إلى مصر.. بعد صدور الحكم يوم 29 سبتمبر 1988 وانسحبت إسرائيل من الأراضى المصرية، خاصة أن عظمة القيادة المصرية والإنسان المصري قد تجلت بوضوح في الإصرار على عودة الأرض المغتصبة في سيناء وحتي آخر حبة رمل باستخدام أفضل البدائل المختلفة ودون إغفال لمخاطر الحروب وآثارها وأبعادها، فهي أداة تدمير، وسفك للدماء، فلقد أدركت القيادة المصرية أن خيار المعركة غير وارد إلا إذا كان هو البديل الأوحد لتحرير الأرض.. وهذا ما جعل القيادة في مصر, بعد إحراز النصر العظيم في معارك أكتوبر عام 1973 تنحاز لطريق السلام، وتؤثر أسلوب التفاوض عند إدارة الأزمة، حتي يتم تحرير جميع أراضي سيناء، خاصة أن إسرائيل كانت تعلم أن الحكم القضائى لن يصدر فى صالحها، فهى تعلم تماماً أين يقع خط الحدود عند نقطة طابا، ولديه البيانات الدقيقة حول موقع العلامة رقم 91، لأنها أزالت الشق الجنوبى للهضبة الشرقية لوادى طابا بعد الاحتلال لطمس العلامة، حتى لا تستطيع المحكمة إصدار حكمها، فتعود مصر إلى دوامة التفاوض مرة أخري، وقد يستمر هذا عدة سنوات طويلة، والعجيب أن إسرائيل تقدمت بمكانين للعلامة 91 كليهما يؤدى إلى بقاء طابا مع إسرائيل.. فى نفس الوقت تركت مكان العلامة 90 بعد أن طمست «الصفر» وأبقت على الرقم ليعتقد الجميع أنها العلامة 91.. وللأسف أنه طوال فترة المباحثات والتفاوض ظلت إسرائيل تخفي موضوع إزالة جزء من الهضبة سراً، عند إنشاء الطريق الرابط بين طابا وميناء إيلات على الجانب الإسرائيلى من الحدود.. ومصر لم تكن تعلم هذه التغيرات التى أدخلتها إسرائيل على تضاريس المنطقة أثناء الاحتلال لأنه لم يكن لها أى وجود فى هذه المنطقة منذ عام 1956.. وفى الحقيقة أن قضية طابا كانت مواجهة قوية بين مصر وإسرائيل، وبعيداً عن الأسلحة النارية، أنها حرب تعتمد على الأدلة والأسانيد القانونية والوثائق وأهم ما في هذه القصة أنه عندما سئل شامير بعد الحكم: كيف تحضر التحكيم الدولي في قضية موقفكم فيها ضعيف وموقف مصر قوي جداً؟.. رد قائلاً: «كنت أظن أن المصريين سيخطئون قانونياً أو يهملون القضية كالعادة.. ولكن لم يحدث هذا.. وبذلك نري أن إسرائيل تكسب بعض المواقف لا عن شطارة ولكنها تستفيد من أخطاء العرب».. لذلك لم يكن غريباً أن المخابرات الحربية المصرية أجرت تحرياتها الدقيقة لتصل إلى ضباط يوغسلاف خدموا فى قوات الطوارئ الدولية UNEF، وأحضرتهم لتقديم شهاداتهم أمام هيئة التحكيم.. وهى أحد التفصيلات التى تؤكد أن مصر أدارت «قضية طابا» وهى مقدرة المسئولية الواقعة على عاتقها موقنة أن المواجهة السياسية والقانونية مع إسرائيل لتسوية النزاع سوف تكون فى غاية الصعوبة، إلى

جانب إدراكها أهمية وجود خبراء متخصصين فكونت لجنة قومية ضمت خبراء مصريين على أعلى مستوى من أساتذة القانون الدولى مع فريق رائع من وزارة الخارجية، واستفادوا من اتفاقية عام 1906 التي حدّدت الحدود بين مصر وتركيا، حيث تّم غرس 91 عمود في أكتوبر 1906 كمرحلة أولى، وفي المرحلة الثانية «من أواخر ديسمبر 1906 وأواخر فبراير 1907» تّم إحلال الأعمدة الحجرية، مع الإصرار على أن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، وحدّدت مصر موضع العلامة 91 عند رأس طابا علي الساحل الغربي لخليج العقبة، أما إسرائيل فحددت موضعين متبادلين، الأول عند الربوة الجرانيتية والثاني عند بير طابا.. وكانت أهم حجة مصرية الخريطة البريطانية لعام 1915، التي عُرفت فيما بعد باسم خريطة نيوكومب نسبة إلى الكابتن Newcombe الذى قام بإجراء عملية المسح التي رسُمت علي أساسها الخريطة.. وكانت مصر قد أرفقت مع مذكرتها الأولى مذكرات المستر باركر «حاكم سيناء» – التي اكتشفتها متأخراً – معها صوراً للعلامة 91، التي سُميت فيما بعد «عمود باركر».
الغريب والمثير للريبة أن إسرائيل تعمدت فى المباحثات الربط بين طابا والقضية الفلسطينية.. ورغم حكم هيئة التحكيم الحازم والنهائي ظلت إسرائيل تماطل في تنفيذ الحكم لمدة ستة أشهر وبدأت مرحلة أخرى من التسويف والمماطلة، واستغرقت المفاوضات اللاحقة على الحكم هذه الشهور لنقل ملكية الفندق المقام على أرض طابا لمصر، وكذلك إجراءات دخول الإسرائيليين إلى «طابا».. وطال الجدل حتى تم في السادس والعشرين من فبراير 1989 توقيع الاتفاق النهائي لخروج إسرائيل نهائياً من آخر نقطة مصرية على أن يتم هذا في الخامس عشر من مارس 1989.. وتأخر حفل توقيع هذا الاتفاق 25 دقيقة للاعتراض على مساحة 4.62 متر يمر فيها خط الحدود بسبب بناء إسرائيل لكشك حراسة خرساني تم في النهاية تقسيمه بين الطرفين.. وفى النهاية أن ذكرى عودة طابا ونجاح المؤتمر الاقتصادى يؤكد أن مصر قادرة على النجاح لو أخذت بالأسباب وتسلحت بالمعلومات والأدلة والأسانيد القانونية والعمل الجاد.