بوتين القيصر!
الدخول الى عالم فلاديمير بوتين يبدأ بالايمان بأنه رمز الإمبراطورية الروسية؛ وأنه حقا القيصر؛ مع العلم ان بوتين القادم من النظام الاطلنطي اليلتسني، يعلم أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتى العالم قد تغير فى الاتجاه 180 درجة. ولكنه يؤمن بفكرة أن روسيا بلد عظيم، ما يجعلها تنتهج سياسة مستقلة، وخالية من الضغوط وخالية من عولمة العالم واحدة القطب. هذا ما ينفذه بوتين وميدفيديف. وهو صاحب الشعبية لا يصيبها الوَهَن، بسبب المكانة الدولية التي أعادها للبلد. فالشعب الروسي يرى أنه أعاد الاعتبار والكرامة لهذا البلد الكبير الذي تعرّض للكثير من الإهانات (انهيار الإمبراطورية السوفييتية).
وفى الواقع أن بداية بوتين الحقيقية بدأت مع ظهور المتاعب الصحية للرئيس يلتسين، فكان قراره بالبحث عن وريث وجرّب الكثيرين؛ من سيرجي كيريينكو إلى سيرجي ستيباشين إلى أن توصل في التاسع من أغسطس 1999 إلى فلاديمير بوتين. وخاصة أن مسيرته وتدرجه في سلم الدولة كان عاملاً مساعداً للحصول على ثقة يلتسين. فبوتين اشتغل، في عهد الاتحاد السوفييتي، 16 سنة في قسم الاستخبارات الخارجية (وفي سنة 1998 عين على رأس جهاز الاستخبارات الروسية، في فترة حرجة من فترات الجيش الروسي، وضم إلى مجلس الأمن الروسي)؛ وهذا سر أسلوبه العسكري، وعمل إلى جانب أناتولي سوبتشاك وهو عمدة ديمقراطي وكاريزمي لمدينة سانت بيترسبورج، وكان مكلفاً بجلب الاستثمارات الخارجية، وهو ما جعله يتأقلم مع ضرورات اقتصاد السوق وجعله يشترك في تنفيذ مشروع ديمقراطي. ثم وصل إلى موسكو وانضم إلى الإدارة الرئاسية، وكان له منصب مراقبة ممتاز، حيث استطاع الرئيس بوريس يلتسين أن يكتشفه. وفي 26 من مارس2000 أعلنت نتائج الانتخابات الروسية، ورغم أن برنامجه الرئاسي كان بعنوان: روسيا على حدود الألفيات؛ إلا أنه يردد دائما: «إن اختفاء الاتحاد السوفييتي هو أكبر كارثة جيو - سياسية في القرن العشرين». ومن الفترة الرئاسية الأولى، أحس بوتين، وهو المدعوم بأغلبية جارفة من الروس، أن عليه توجيه بلده في الاتجاه الصحيح. ولكن توجد في ذهنه مشكلتان تؤرقانه: من جهة، ثمة قلقٌ مُبررٌ حول وحدة روسيا الجديدة، التي أثر عليها سلبياً خسران الإمبراطورية والانفصالات البطيئة. ومن جهة ثانية، يتساءل بوتين عن التحولات الاقتصادية الضرورية في بلد يمتلك موارد طبيعية هائلة، ولكنه لم يعرف أبدا، في الماضي، كيف يربح معركة تحديث العقول والتكنولوجيات .وهنا يستوقفنى كتاب «روسيا بين عالمين» للفرنسية هيلين كارير دينكوس عن دور بوتين في تاريخ روسيا كونه حكم هذا البلد، خلال 15 سنة بشكل مستمر، ما بين رئيس وزراء ورئيس للدولة. فترى أن بوتين عوّض جملته السابقة، بجملة يكررها طول الوقت وهي: إن علينا أن نجعل من روسيا دولة في القرن الواحد والعشرين. مع عدم إعادة التجارب الخاسرة في روسيا التقليدية. مع استلهام المصير المشترك للأمم الغربية والطرق التي اتبعتها، لكن من دون السقوط في مبالغاتها ولا في تيهاناتها. فجعل روسيا جزءاً من أوروبا، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار إرثها التاريخي والأخلاقي الخاص بها. ونجح بوتين في الحداثة