عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بوتين صاحب النفس الطويل!


لعبة القط والفار تطورت؛ إلي الحد الذي تضيع بسببها شعوب؛ فالرجل الكاوبوي أوباما يعيش في نشوة انتصاره، بينما ينزف الدب الروسي بوتين ويلات يوم «الاثنين الأسود»، حيث اشترت روسيا عملات أجنبية بقيمة 410٫6 مليار، للحد من تدهور قيمة عملتها الوطنية، التي واجهت تراجعاً كبيراً، بعد الضوء الأخضر الذي منحه البرلمان الروسي للرئيس فلاديمير بوتين لتدخل عسكري في أوكرانيا. ويبدو أن أوباما كان في انتظار تلك الأزمة ليبدأ حملة من السخرية علي عنتريات «بوتين»، محاولاً إظهاره علي أنه يقود روسيا واقتصادها إلي الهاوية، حتي إن تعليقاته علي الأزمة الروسية وصلت إلي حد «الشماتة» فعلق ساخرا: «كانت هناك قصص تصفه بأنه أستاذ بلعبة الشطرنج، وكيف انه تفوّق بذكائه علي أمريكا وعلي أوباما، الآن هو يشرف علي انهيار عملة بلاده، ومواجهة أزمة انكماش اقتصادي، وهذا لا يُظهر شخصاً تفوق عليّ وعلي أمريكا».

الأغرب أن نشوة الانتقام من بوتين أفقدت السيناتور الأمريكي جون ماكين عقله السياسي. فصرح في مقابلة معه علي شبكة «سي إن إن» قائلاً: «علينا أن نشكر السعوديين الذين سمحوا بهبوط سعر برميل النفط إلي النقطة التي أثرت علي الاقتصاد الروسي بشكل كبير ومؤثر!!.. وهو ما يؤكد ان في عالم السياسة ان كل شيء مباح حتي الضرب أسفل الحزام!. وبعيدا عن حالة الصراع الأوبامي البوتيني، نجد للأسف أن الصورة أكثر قتامة الآن، رغم ما أعلن مؤخرا من أن روسيا تعافت من تلك الأزمة وأن بوتين وقف حائلا أمام انهيار الروبل، لان الواقع يقول إن بوتين خلال الشهور الماضية أعاد الروس إلي مستوي معيشي يشابه ما كانوا عليه في العهد السوفيتي. فانهيار الروبل ليس سوي عنوان ومؤشر لانزعاج أقلية روسية انخرطت في اقتصاد السوق أو تقافزات الأسهم ولم تتأثر حياتها اليومية، ولكن الغالبية الواسعة من الشعب لحقها الضرر في معيشتها بسبب غلاء السلع الأساسية وهبوط قدرتها الشرائية. وتزامن هذا مع انطلاق دورة جديدة في الاقتصاد الأمريكي والعالمي، مع تعيين جانيت يلين علي رأس مجلس الاحتياط الفيدرالي. ومع حدوث تغيرات في مجال عرض العملة عالمياً، بسبب صدور قرار نهائي بتقليص برنامج الانعاش النقدي، مما يقلّص كمية الدولارات المطبوعة حديثاً، مما يرفع قيمة العملة الأمريكية. وتعزيز مكانة الدولار وبالتالي سحب رؤوس الأموال التي تبحث عن استقرار في أسواق الموارد، وبالتالي انخفاض أسعار العقود الآجلة للنفط والذهب وغيرهما من الأصول. وخاصة ان المحللين يرون ان التوقعات المواتية نسبياً للنفط لا تدعو للتفاؤل في ما يتعلق بالاقتصاد الروسي، بل سيكون أقرب إلي ما أشار إليه مدير معهد التحليل الاستراتيجي للمستشارين الماليين والمحاسبين إيجور نيكولايف الذي قال: «عام 2014 سيكون أسوأ من سابقه لكنه أفضل من لاحقه 2015».
وللأسف إن المشاكل العاصفة بروسيا لا يمكن حلها عن طريق سعر ثابت مرتفع للنفط، ولكن باشتعال الأوضاع العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط. فترتفع أسعار البترول بشكل جنوني!.. ومع كل ما يبذله بوتين من طموحات أيده فيها الكثيرون من الروس، فإن الآمال المتعلقة بالنمو الاقتصادي الروسي لا تدعو إلي التفاؤل أبداً. وتعقدت الأمور كثيراً وخاصة مع ما ألقته الحكومة علي عاتقها من التزامات ثقيلة، عُرفت بـ «مراسيم مايو»، التي أقرها الرئيس

فلاديمير بوتين لدي إعادة انتخابه وشملت خطط تطوير للأقاليم، تفتقر للموازنات المطلوبة لتنفيذه، فكانت بمثابة عبئ ثقيل علي الموازنة الفيدرالية والموازنات الإقليمية، وخاصة أن ارتباط الحكومة بالتزامات كبيرة في ظل شح الإمكانات سيدفعها إلي زيادة عبء الضرائب علي المواطنين والشركات. إلي جانب أن النشاطين التجاري والاستثماري سيواصلان الانكماش كأهم مصدرين قادرين علي إخراج الاقتصاد من مأزقه مع استمرار الاتكال علي نموذج الاعتماد الكلي علي تصدير المواد الخام. وفي الواقع أن الصورة يلوح بها حالة من التكتل بين أمريكا وحلفائها لتدمير روسيا وإعطاء بوتين درسا قاسيا؛ للتأكيد علي أحادية اتخاذ القرار في العالم، وأن لا عودة من جديد إلي الحرب الباردة بين القطبين، فأمريكا تترك داعش تستولي علي حقول البترول العراقية وتصدر النفط بكميات كبيرة وبثمن بخس، والسعودية لم تقلل من كميتها المطروحة رغم الخسارة؛ وكل هذا يعجل بنهاية الدب الروسي! أو الموافقة علي ما تريده أمريكا من الشرق الأوسط وإشعال المنطقة في حرب عاصفة، وما يهمنا الآن من هذا الموقف هو أن الباب الذي فتح علي مصراعيه للتصدير إلي روسيا سيقف أمامه عثرة كبيرة؛ وهو قرار بوتين بعدم خروج العملات النقدية من روسيا، وبالتالي سيتم التعامل بأسلوب المقايضة وهذا يتطلب تحركاً مصرياً سريعاً لمعرفة ما نحتاجه من روسيا، وكيفية بيعه في مصر حتي لا يحجم المصدر المصري عن دخوله إلي روسيا، أو الحصول علي سلع استهلاكية من روسيا مما يؤثر مع الوقت علي الاقتصاد المصري. فما يحدث الآن مع بوتين سيؤثر بدرجات متفاوتة علي منطقة الشرق الأوسط، ولأن المصالح تتصالح فربما تعيد أمريكا تركيا إلي حظيرتها من جديد لتزيد الخناق علي بوتين من جهة البحر الأسود، والأمر لا يتطلب الكثير فالجميع يعلم أن أردوغان الخادم المطيع للمصالح الأمريكية في المنطقة وما فعله في الأيام الماضية من تقارب مع الروس لا يخرج عن كونه محاولة لشد الانتباه، وبالتالي علينا أن ننتبه إلي رقعة الشطرنج الموضوعة علي مائدة المصالح؛ والانتباه لكل حركة فيها الأيام القادمة ستحمل العديد من المفاجآت، وخاصة أن بوتين صاحب نفس طويل.. ولا ينهزم بسهولة.