رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أزماتنا الاقتصادية..ندرة الاقتصاديين

السبيل لحل أية مشكلة يبدأ دائماً بفهمها وتقدير كافة أبعادها، والمشكلات الاقتصادية شديدة التداخل والتعقيد ومن الأحرى بكل من يتجرد للحديث عن مشكلة اقتصادية أن يقوم بفهمها وتحليلها وقياسها وتكون لديه القدرة على التنبؤ بتداعياتها ووضع كافة الحلول لإدارة المخاطر الناتجة عنها.

وعندما نتحدّث عن أزمات اقتصادية قائمة أو محتملة فنحن بصدد عجز عن التعامل مع مشكلات اقتصادية نشأت عنها تلك الأزمات فى الواقع المعيش. والناس فى مصر لا ينفكون يتحدّثون عن تردّى الأوضاع الاقتصادية وتوقّف عجلة الإنتاج وضياع ثروات البلد...إلى غير ذلك من أحكام متسرّعة تخلو من أية معرفة أو تقدير صحيحين لطبيعة ما يمر به الاقتصاد المصرى فى الوقت الراهن. أقول ذلك بثقة لأننى حتى الساعة وبعد مرور أشهر طويلة على قيام الثورة فنحن لم نواجه بصدق بطبيعة الأزمات المحدّقة بالاقتصاد المصرى، ففى أحسن الأحوال هناك من يحدّثنا عن تداعيات الأزمة ومظاهرها إن كان متخصصاً يخاطب دارسين، وهناك من يحدّثنا عن شعور المواطن العادى بتدهور أوضاعه المعيشية دون الخوض فى أية مصطلحات لمتغيرات اقتصادية متخصصة، وكلا الحديثين هام ولا غنى عنهما ولكن أياً منهما لا يخرج بنا من حال إلى حال أفضل.  فعلى سبيل المثال يخبرنا العارفون أن هناك أزمة تسمى عجز الموازنة وأنه يتعين علينا الخروج منها وبسرعة! لكن نادراً ما نتكلم عن عناصر هذه الأزمة ومسبباتها وارتباطها بمختلف المتغيرات مثل الاستهلاك والإدخار والأسعار، نادراً ما نسمع بدائل متعددة للخروج من هذه الأزمة واختيار أنسبها وفقاً لحوار مجتمعى متخصص، نادراً ما نضع حلولاً غير تقليدية للخروج من أزمات استثنائية فرضها علينا حكم الاستبداد والتفرّد بصناعة القرار لعقود عدة. ولأنه لا طاقة لنا فى مساحة هذا المقال وفقه صاحبه بتناول كافة الأزمات التى تمر بها البلاد فعسى أن يوفقنا الله بانتخاب أكثر أزماتنا الاقتصادية إلحاحاً وتناولها عبر سلسلة من المقالات سواءً بالتحليل المبسّط أو باقتراح الحلول غير التقليدية، فى مبادرة أعزى الفضل فيها بعد توفيق الله عز وجل لصديقى الكاتب المحترم الأستاذ عادل صبرى رئيس التحرير الذى لم يبخل علىّ أبداً بالنصح فيما يحسبه ونحسبه خيراً للبلاد.

والأزمة الكبرى فى مصر تنطلق فى رأيى من البشر ولا أتحدّث هنا عن اقتصاديات الموارد البشرية وتعظيم العائد على الاستثمار فى العنصر البشرى فحسب بل أعنى وبصورة مباشرة أن القائمين على التعامل مع الأزمات والمخاطر الاقتصادية فى مصر هم أخطر ما فى مصر من أزمات! كيف ذلك، وهل يعنى هذا أننا عدمنا الكفاءات الاقتصادية؟ الإجابة لا بل ربما تكون بلدنا متخمة بالاقتصاديين ولكن أى نوع من الاقتصاديين؟ لدينا اقتصادى المعمل حبيس النظرية الذى يتعامل مع المتغيرات الاقتصادية فى صورة رقمية مجرّدة، ولدينا اقتصادى الحل الواحد الذى يعيش حياته راهباً فى محراب إيديولوجية اقتصادية ربما عفى عليها الزمن وأثبت الواقع فشلها، لدينا أيضاً اقتصادى الفهلوة الذى إن سألته كم يساوى حاصل جمع واحد و واحد يقول لك ببجاحة: وكم تريدها؟ وفى جعبته عشرات النظريات التى تأتيك بالإجابة التى تروقك..وهذا النوع الأخير يوفّر علىّ عشرات السطور فى شرح ما أريده من أزمتنا تلك، فالاقتصاد بطبيعته علم إنسانى لا يعرف الحتمية وهو علم ظنّى يحتمل الكثير من الآراء، تصدق فيه أفكار ثم تأتى أفكار أخرى لتهدمها، ثم يأتى جيل جديد لإحياء وإعادة بناء الأفكار والنظريات المتهدمة..وهكذا دون انقطاع تبقى الحقيقة الوحيدة أن نفع نظرية اقتصادية ما مرهون بصحة فروضها أولاً، ومرهون إلى حد بعيد بزمان ومكان وسائر ظروف تطبيق هذه النظرية، وبالتالى لا مبرر لتقديس حل من الحلول، أو الاستماتة فى الدفاع عن وجهة نظر لعلاج أزمة من الأزمات.

   واقتصاديو مصر فى أغلبهم مأخوذون بالكم ومشغولون به عن سائر الوجوه، فهم أسرى التفكير فى معدلات النمو المرتفعة ولا يهتمون بالتوزيع، هم أسرى التفكير فى ندرة الموارد ولا يهتمون بالتخصيص الأمثل لتلك الموارد، هم أسرى التفكير فى ارتفاع مؤشرات البورصة، ولا يهتمون ببضاعة السوق وتدفقات رؤوس الأموال والإصدارات الجديدة التى تضيف قيمة للاقتصاد الحقيقى. 

  

وإذا استمعت إلى خطاب طويل لمن تحسبه عليماً بالاقتصاد فربما نفحك بالحديث عن أزمة البطالة، لكنه يلخّص تلك الأزمة فى معدلات وأرقام ولا يردّها إلى عناصرها الأساسية، فلا هو يعطيك تصوّراً لنصيب جانبى العرض والطلب من هذه الأزمة، ولا هو معنىّ بإنتاجية العامل إذا ما تم توظيفه. وربما نفحك أيضاً بالحديث عن معدلات التضخم، لكنه يربطها فقط بالمعروض النقدى ونمط الاستهلاك، ونادراً ما يربطها بالميزان التجارى للدولة وما ينشأ عنه من تغيرات فى سعر صرف الجنيه المصرى..كثيرة هى الأمثلة على ما احسبه شطحات اقتصادية، لكن الطريف أن رأيى فى هذه المسألة لا يبرأ بالتأكيد من هذه التهمة فى نظر البعض.  

وإذا كان هذا المقال قد خصصّ لأزمة الاقتصاديين فى مصر فلا نختمه دون وضع بعض المقترحات والحلول للخروج من تلك الأزمة، وكما وعدت القارئ العزيز لن يقرأ منى حلولاً نموذجية ولا جامعة، بل هى بعض اللمحات لبدائل غير تقليدية يمكن أن تخطو بنا خارج المربع الأحمر. فقبل أن نضع العلاج لما نطمع أن نتناوله من أزمات ومخاطر فى مقالات قادمة بإذن الله، نحتاج أولاً إلى تشخيص واضح لتلك الأزمات، يسبقه تشريح كامل للاقتصاد المصرى بما فيه من عناصر قوة وعناصر ضعف وفرص وتحديات، نريد من اقتصاديينا فى مواقع المسئولية واتخاذ القرار أن يفتحوا معنا قناة لنقل الصورة الواقعية لظروفنا بغير تجميل أو إفراط فى التقبيح، نريد ألا نستغرق فى اتباع كتباً إسترشادية لحلول نموذجية كالتى يأتينا بها البنك الدولى وصندوق النقد، بل عوضاً عن ذلك نريد ممن يمتلكون المعلومات أن يأتونا بخارطة لمواردنا وفرص ومعوقات تطويرها، أن يأتونا بتصوّرهم لسوقى المال والنقد وخطط النهوض بهما، أن يأتونا بفهمهم لكل أزمة وطرحها للإسهامات المجتمعية، بالطبع لن يتيسر على غير الدارسين استيعاب كل ما يقال ولكن هنا يأتى دور الاقتصاديين فى مواقع التعليم والتثقيف لتبسيط المفاهيم وتقريبها، ربما استوعبها من الناس من لديهم حس اقتصادىّ فطرى يفكّر خارج صندوق النظريات الصلبة، ويأتى بحلول مبتكرة وحالمة. وكحل عملى أقترح تدشين قناة تلفزيونية باسم "الاقتصاد المصرى" تحمل برامج متخصصة وأخرى تعليمية وأخرى تثقيفية وتبث فعاليات ورش عمل علمية وشعبية لبناء جيل كامل يمكنه التعامل مع المتغيرات الاقتصادية دون تشاؤم أو خوف أو فتوى بغير علم.

 حينما كنا طلاّباً بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أخبرنا أساتذتنا أن الاقتصادى نادراً ما يحمل فى قلبه نفساً شاعرة، وقد صدّقت هذه المقولة حينما رأيت جل اقتصاديينا لا يملكون رؤية حالمة للخروج من الأزمات، فإن القدرة على الحلم هى أهم ما نفتقر إليه هذه الأيام. وفى المقال القادم أزمة جديدة ولمحات للخروج منها بإذن الله.