رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

محاكمة فرعون مشهد من وحى الخيال

حُشِر الناس ليوم عظيم يحاكم فيه فرعون وهامان وجنودهما، وجلس على منصة القضاء رجال تكسوهم الهيبة ويغشاهم الوقار، بينما قبع فرعون مهزوماً خلف قفص حديدى محاطاً بحاشيته وجنوده متكئاً على وزيره الجبار هامان.

نادى القاضى الأعظم على أصحاب المظالم فقال كبيرهم: "إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبّح أبناءهم ويستحيى نساءهم إنه كان من المفسدين"، فصاح ممثل الادعاء مقاطعاً الرجل:  "كلا يا سيادة القاضى ما بتلك التهم نحاكم فرعون ومن معه"!! تعالت أصوات الحشود بالهمهمة وكست ملامح الدهشة قسمات الوقوف، فسأل القاضى وكيل المدّعى العمومى بصوت رخيم: "بماذا أحضرتموهم إذن؟"  قال: "لقد قاد فرعون وهامان جنودهما للزحف خلف نبى الله موسى ومن اتبعه من بنى إسرائيل، وقد أصدر فرعون أوامره بقتال موسى ومن معه بغير حق ولا ذنب" ازدادت دهشة القاضى فتساءل ساخراً: "أبهذا فقط؟" ارتبك المدّعى العمومى ونكس على رأسه وقال بصوت مرتعش: "بل ثَم اتهام آخر يا سيادة الرئيس" فسكت هنيهة وقلّب فى برديات حملها عنه تابعه ثم أردف : "لقد طلب فرعون من هامان أن يبنى له صرحاً لعله يبلغ الأسباب، أسباب السماوات لعله يلقى إله موسى.."قاطعته الحشود بالضحكات المستهزئة فتلفّت حوله وازداد ارتباكه ونظر إلى القاضى الذى أشار بيمينه فسكت الناس، وأومأ له أن أكمل فتابع: "وقد أوقد هامان على النار وكلّف هذا مصر موارد كثيرة لا حق لفرعون فى تبديدها" هنا صاحت عجوز فى الحشود هلك ولداها على يد فرعون: "يا قوم يا قوم إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين" التفت الناس إلى العجوز فتابعت باكية بصوت خفيض: "لقد استرقّ الناس واستعبدهم وقال أنا ربكم الأعلى" فصاح صوت آخر يأتى من بعيد: "استخف فرعون قومه فأطاعوه وقال أليس لى ملك مصر وهذى الأنهار تجرى من تحتى؟" فأمن الناس وتعالت الهمهمة وضرب القاضى الأرض بعصاه عدة مرات فما استطاع إسكات الناس إلا بعد حين، عندها جال القاضى بناظريه فى ساحة المحشر ثم ثبتهما على المدّعى العمومى تارة أخرى وسأله بنفاذ صبر: "هل لديك شهود؟" قال: "بلى.. إنهم نفر من جنود فرعون وهامان يشهدون اليوم عليهما" أشاح القاضى بوجهه صوب الكاتب وقال: "نادى على أصحاب المظالم" فتقدّم من الناس جموع لم تكد العين تحصيها فقال القاضى بحسم: "اختاروا من بينكم رجلاً أو اثنين للحديث" ضجت الساحة بغضب الغاضبين فهمّ القاضى على فضّها لولا أن برز رجل حكيم قال: "أنا آتيك بنبأ هؤلاء" فسكت الناس وظن القاضى فى سكوتهم قبولاً فقال: "تقدّم".
مَثُل الحكيم ذى اللحية البيضاء وهيبة الهرم بين يدى القاضى الذى أمّنه على نفسه وأعطاه الكلمة فقال:
- أريد أن أعرف أولاً بأى قانون نحاكم فرعون؟
- إنه قانون فرعون العظيم
ضجّ الناس بالساحة مرة أخرى فلما أسكتهم الحرس قال الحكيم:
- ومن الذى وضع قانون فرعون العظيم
- إنه فرعون
- الذى نحاكمه؟
- نعم
- وكم لبث فرعون بين الناس إلهاً وحاكماً؟
- ثلاثون عاماً أو يزيد
- ألم يك فرعون بقادر على أن يضع القانون وفق هواه؟
- ماذا تقصد؟
- إننا نختصم فرعون لفساده فى الأرض وقتله النفس التى حرّم الله واستباحة الدماء والأعراض والأموال وتعذيب المخالفين حتى صار الناس من أهله

يكتمون إيمانهم فكيف نحتكم إلى قانونه فى محاسبته؟
- ليس لدينا سوى هذا القانون وإلا بطلت المحاكمة
- وماذا فعل الحرس بالقوم الذين صاحوا خلف الصفوف تظلماً، وأين ذهبت المرأة العجوز التى تكلمت قبلى؟
- لقد أودعوا سجن فرعون المظلم
- دون محاكمة؟
- إنهم رعاع
- إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد
هنا نفذ صبر القاضى فصاح فى الحرس: "أخرسوا هذا الرجل لقد أهان محاكمتنا وقانون البلاد" فاختفى الرجل فى لحظات، ثم اصطنع القاضى الهدوء مجدداً وسط دهشة الناس وقال: "نادوا على الشهود"
عندها ظهر رجل غليظ الملامح والصوت فاستجوبه القاضى:
- ما اسمك وصفتك؟
- مرنبتاح بتاح هامان أخلص جنود الوزير
- ماذا تعرف عن المظلمة الأولى؟
- لقد أقسمت بعزة فرعون ألا أقول إلا صدقاً
- تكلّم
- لقد كانت أوامر فرعون العظيم أن نحمى حدود البلاد فخرجنا معه طائعين للزود عن الحدود ووأد الفتنة، وقد أوصانا ألا نتعرّض لنبى الله موسى بسوء وعزّنا فى الخطاب، لكّن قائد فرقتى السيد رمزيس هو من قال اقتلوهم أو حرّقوهم فهممنا أن نفعل وانطلقنا خلفهم فى البحر.
- الشاهد الثانى..ما اسمك وماذا تعرف عن التهمة الأخرى؟
- أنا قائد الفرقة الشمالية لجنود فرعون العظيم واسمى "ست بتاح كنزيس" وأشهد بعزة فرعون العظيم أن الصرح الذى أمر فرعون وزيره المبجّل هامان ببنائه كان بغرض عبادة إله موسى الواحد وتقديم القرابين له لكن مقاول البناء المهندس "زوسر كمشيش" قام بالعبث فى الأموال المخصصة للبناء، وادعى أن الهدف منه هو الحرب حتى يسخّر البناءين بغير أجر.
نظر القاضى مرة أخرى لممثل الادعاء وقال ساخراً:
- أهؤلاء شهودك ضد المتهمين؟
- نعم..سيدى الرئيس.. لم أجد غيرهم
رفع كتفيه وهز رأسه وهو يقول عبارته الأخيرة
هنا التفت القاضى الأعظم إلى رهط فرعون المدافعين عنه وقال:
- هل هناك شهود لديكم لنفى التهم عن فرعون ومن معه؟
فقالوا جميعاً وعلى وجوههم ابتسامة ساخرة:
- بل نكتفى بشهود الإثبات لنفى التهم!!
ساد الصمت الساحة بعد أن اختفى معظم الناس، وبعد دقائق رفع القاضى وجه عن الأوراق  ليقلب فى الوجوه الصامتة ثم قال: "الحكم يوم القيامة..رفعت الجلسة"