عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قبر الراكب المجهول..من جديد

"رغم أن العدد الصحيح لضحايا حوادث الطرق فى مصر خلال الأعوام الأخيرة لا يزال غامضاً غموض عدد المعتقلين فى سجونها!! فمما لا شك فيه أنه قد تجاوز بكثير عدد شهدائها فى حروبها المختلفة، هؤلاء الضحايا الذين انتشرت أشلاؤهم فى أنحاء المعمورة فوق مدارج الموت،

أصبحوا أرقاماً يألفها الناس، كتلك الإحصاءات التى تحدثنا عن ضحايا أعمال العنف فى العراق، وضحايا حرب الاستقلال فى أفغانستان.. وغيرهم ممن سقطوا فى سبيل قضايا الوطن العضال. ولما كانت مصر كما تحدثنا وسائل الإعلام القومية التى ينفق عليها من أموال ضرائبنا، وكما يحدثنا أقطاب الحزب الحاكم ليل نهار، تعيش أزهى عصور الاستقرار!!

فقد جال بخاطرى أن أطالب بإعلان الحرب على تلك الأيادى الخفية التى تعبث باستقرارنا، وتسقط منا الشهداء كما لم يسقطوا من قبل فى أراضى المعارك.. لا شك أن مناهضة هذا العدو أولى من حرب تحرير سيناء! طالما أن نفس المؤمن أعظم حرمة عند الله من أقدس البقاع، ولا شك أن إقامة قبر للراكب المجهول تلح علينا هذه الأيام كما لم تلح من قبل، وأقترح أن نتخذ من أيامنا السود يوماً كغرق العبارة أو احتراق القطار لنضع فيه أكاليل الزهور على قبر الراكب المجهول..

ولأننا نعيش أزهى عصور الاستقرار فلن نطالب بفتح ملفات الفساد، ولن ننادى بمحاسبة المقصرين، كهؤلاء الذين سطر التاريخ جرائمهم فى قضية الأسلحة الفاسدة على سبيل المثال، حتى ولو لم يثبت مقتل جندى واحد نتيجة فساد السلاح! ما بالنا نردد إنجازات لا تغنى تلك النفوس الذاهبة تحت عجلات المقطورات وبين براثن العبارات والقطارات، ما نفع شبكات الصرف المتهالكة وطبقات الكبارى المتشابكة لهذا الرجل أو تلك المرأة اللذين خرجا من ديارهما جهاداً فى سبيل لقمة العيش فلم يعودا؟

هذا الرجل وتلك المرأة هما هدف الإصلاح وغاية التنمية يا أيها المصلحون.. فإن لم توقفوا نزيف الطرقات فليس أقل من إقامة قبر يخلد ذكرى هؤلاء الضحايا، ويقوم شاهداً على هلاك هذا الشعب فى أزهى عصور استقراره."

 نشر لى هذا المقال منذ أكثر من عام تحت عنوان "قبر الراكب المجهول" وها نحن تمضى بنا الأيام فيسقط عن الدولة قناعها القبيح ونظامها الذى نجح فى تحويل كل شئ ذى قيمة إلى شئ ذى ثمن حتى امتد أثر تلك الآفة لما بعد نشوب ثورتنا العظيمة. كيف لا وكلما عثرت مصالحنا المادية ترحّم بعضنا على عهد الظلم وأساطين الفساد؟ كيف لا وكلما ارتفعت أصواتنا هتافاً للحرية شوّشت عليها أصوات أخرى تهتف بلقمة العيش؟ كيف لا وحتى محاكمة مبارك وأعوانه سيّطر عليها الطابع المادى وتصدّر المشهد القضائى قرارات إحالة من جهاز الكسب غير المشروع فطمست معظم الجرائم البشعة للنظام؟

ولنعد إلى موضوع المقال، فالراكب فى شوارع مصر كالماشى فوق طريق من الشوك، والراكب فى طرقها السريعة كالمهرول صوب حتفه دون تردد! ولا أعتقد أن هناك أمراً ألحّ على الحكومة الحالية من ضبط حركة المركبات على الطرقات، فتعداد الموتى والمصابين فى ازدياد مخيف والمقطورات القبيحة تسير

بحريّة عجيبة كاشفة أطنان من حمولات قاتلة لمواد تسقط فوق السيارات والمارة كأنها قاذفات اللهب دون رقيب! فإذا أضفت إلى هذه الصورة البشعة رداءة الطريق وغياب الإنارة الليلية (مع وجودها فى النهار بالطبع!) وغياب الرادار الذى يحمى الراكب حرصاً على الأرواح لا على التربّص والجباية..إذا نظرنا إلى كل هذا لأدركنا أن نجاح ثورتنا مرهون بإنجاز ملموس على الأرض تجتمع فيه كل عناصر الوطن ويختزل فيه كثير من مطالب الثورة. نعم فضبط المرور فى الشوارع والطرق فضلاً عن حقنه دماء المصريين وحفظ كرامتهم فإنه دليل دامغ على قدرة الشعب على العيش فى مظلة القانون، وعلى قدرة الشرطة أن تعمل فى مصلحة المواطن لا خدمة مواكب الكبار، وعلى قدرة المشرّع أن يأتى بحلول مبتكرة، وعلى قدرة أجهزة الإعلام ونظام التعليم بل والمؤسسة الدينية أن يعملوا جميعاً على إشاعة ثقافة الطريق واحترام الآخر والإيثار والصبر وغيرها من قيم نفقدها يومياً فى شوارعنا وطرقنا السريعة. ورغم إدراكى لطبيعة المأساة وأبعادها المجتمعية فقد ساءنى أن أستمع فى الإذاعة إلى أحد ضباط المرور وهو يرد على مذيعة ترجوه أن يتخذ موقفاً حيال سيارات الميكروباص التى تقف على على مطلع كوبرى فتعيق الحركة فى نهار رمضان، ورغم أنها سمّت له الكوبرى أكثر من مرة فقد ظل يلقى بالمسئولية على سلوك الركاب الذين يحرصون على إيقاف الميكروباص فى أى مكان!! هذا حق أريد به باطل، فإذا أخطأ الراكب فى هذا فإن جريمته تقع فى حدود المسئولية الأخلاقية أما سائق الميكروباص فقد استوجب خطؤه المتكرر الإيقاف ثم سحب الرخص، كما أن خطأ الداخلية أكبر وأعظم من مبتدأ الأمر بأن منحت تراخيص دون امتحانات قيادة وربما بدفع الرشى فامتلأت الشوارع والطرق بمشروعات قتلة من الطراز الأول. أرجو أن نتعامل مع الأمر بطريقة غير تقليدية يا رئيس الوزراء فانظر إلى أبعد من تحت قدميك ولا تنظر إلى الخلف لأن العلاج لن يأتيك من حيل وألاعيب النظام الساقط.