قبر الراكب المجهول..من جديد
"رغم أن العدد الصحيح لضحايا حوادث الطرق فى مصر خلال الأعوام الأخيرة لا يزال غامضاً غموض عدد المعتقلين فى سجونها!! فمما لا شك فيه أنه قد تجاوز بكثير عدد شهدائها فى حروبها المختلفة، هؤلاء الضحايا الذين انتشرت أشلاؤهم فى أنحاء المعمورة فوق مدارج الموت، أصبحوا أرقاماً يألفها الناس، كتلك الإحصاءات التى تحدثنا عن ضحايا أعمال العنف فى العراق، وضحايا حرب الاستقلال فى أفغانستان.. وغيرهم ممن سقطوا فى سبيل قضايا الوطن العضال. ولما كانت مصر كما تحدثنا وسائل الإعلام القومية التى ينفق عليها من أموال ضرائبنا، وكما يحدثنا أقطاب الحزب الحاكم ليل نهار، تعيش أزهى عصور الاستقرار!!
فقد جال بخاطرى أن أطالب بإعلان الحرب على تلك الأيادى الخفية التى تعبث باستقرارنا، وتسقط منا الشهداء كما لم يسقطوا من قبل فى أراضى المعارك.. لا شك أن مناهضة هذا العدو أولى من حرب تحرير سيناء! طالما أن نفس المؤمن أعظم حرمة عند الله من أقدس البقاع، ولا شك أن إقامة قبر للراكب المجهول تلح علينا هذه الأيام كما لم تلح من قبل، وأقترح أن نتخذ من أيامنا السود يوماً كغرق العبارة أو احتراق القطار لنضع فيه أكاليل الزهور على قبر الراكب المجهول..
ولأننا نعيش أزهى عصور الاستقرار فلن نطالب بفتح ملفات الفساد، ولن ننادى بمحاسبة المقصرين، كهؤلاء الذين سطر التاريخ جرائمهم فى قضية الأسلحة الفاسدة على سبيل المثال، حتى ولو لم يثبت مقتل جندى واحد نتيجة فساد السلاح! ما بالنا نردد إنجازات لا تغنى تلك النفوس الذاهبة تحت عجلات المقطورات وبين براثن العبارات والقطارات، ما نفع شبكات الصرف المتهالكة وطبقات الكبارى المتشابكة لهذا الرجل أو تلك المرأة اللذين خرجا من ديارهما جهاداً فى سبيل لقمة العيش فلم يعودا؟
هذا الرجل وتلك المرأة هما هدف الإصلاح وغاية التنمية يا أيها المصلحون.. فإن لم توقفوا نزيف الطرقات فليس أقل من إقامة قبر يخلد ذكرى هؤلاء الضحايا، ويقوم شاهداً على هلاك هذا الشعب فى أزهى عصور استقراره."
نشر لى هذا المقال منذ أكثر من عام تحت عنوان "قبر الراكب المجهول" وها نحن تمضى بنا الأيام فيسقط عن الدولة قناعها القبيح ونظامها الذى نجح فى تحويل كل شئ ذى قيمة إلى شئ ذى ثمن حتى امتد أثر تلك الآفة لما بعد نشوب ثورتنا العظيمة. كيف لا وكلما عثرت مصالحنا المادية ترحّم بعضنا على عهد الظلم وأساطين الفساد؟ كيف لا وكلما ارتفعت أصواتنا هتافاً للحرية شوّشت عليها أصوات أخرى تهتف بلقمة العيش؟ كيف لا وحتى محاكمة مبارك وأعوانه سيّطر عليها الطابع المادى وتصدّر المشهد القضائى قرارات إحالة من جهاز الكسب غير المشروع فطمست معظم الجرائم البشعة للنظام؟
ولنعد إلى موضوع المقال، فالراكب فى شوارع مصر كالماشى فوق طريق من الشوك، والراكب فى طرقها السريعة كالمهرول صوب حتفه دون تردد! ولا أعتقد أن هناك أمراً ألحّ على الحكومة الحالية من ضبط حركة المركبات على الطرقات، فتعداد الموتى والمصابين فى ازدياد مخيف والمقطورات القبيحة