رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فزّاعات مبارك لم تعد تخيف

مازلت أعتقد أن الخطأ الأكبر لنظام مبارك هو مراهنته على إرهاب الشعب فى أعقاب أحداث الثامن والعشرين من يناير الماضى. فلولا أنه أطلق السجناء وأشاع الرعب عبر آلته الإعلامية الموجّهة، لما اختبر الشعب المصرى أقصى درجات القلق والاضطراب ولما ثبت أمامها ملايين المصريين بعزة وشموخ، ولما ضربت تجربة اللجان الشعبية مثالا نادراً لقدرة المواطن العادى على التنظيم والزود عن نفسه وبيته وماله بل وعن شارعه بأكمله.

أخطأ النظام السابق حينما حرق الورقة الأهم التى ظل يلعب بها سنوات طوال، فكان يبشّر عبر أدواته البائسة بثورة جياع بلشفية توشك أن تأتى على الأخضر واليابس، يأكل فيها المواطن لحم أخيه، وكما تفعل آلات السيطرة على الرأى العام علّقوا سيناريو ثورة الجياع المخيف على سيناريو الفوضى وغياب الأمن، حتى إذا ما استخدموا فزّاعتهم الأخيرة وأفرغوا البلاد من الشرطة التى هى خادمة الشعب استحضر الناس هذا السيناريو وجلسوا فى بيوتهم فى انتظار الموت من كل مكان!! ورغم محاولات الفلول المستميتة إحياء تلك الفزّاعة فى النفوس، فإن الشعب الذى استطاع أن يثبت أمام أكبر مخاوفه، وأن يقهرها فى ساعات معدودة دون أن يُفرغ ميادين الثورة من زخمها ليهزأ بكل تلك المحاولات، ويضعها فى حجمها الطبيعى حتى صرنا نراها بوضوح قل نظيره، تماماً كما نرى محاولات السفاح الأسد بث الشائعات الكاذبة بين مواطنيه.

أما عن سبب تقديرى لهذا الخطأ فى نظام مبارك باعتباره الخطأ الأكبر دون سائر أخطائه وخطاياه البشعة فهو أن حرق ورقة فزّاعة الأمن لم يقض على مبارك وأسرته الحاكمة فحسب بل قضى على أى فرصة لاستمرار نظام حكم مبارك وفقاً لقواعد اللعبة القديمة. هب جدلاً أن المجلس العسكرى –لا قدّر الله – كان مناصراً لمبارك ونظامه، وهب أنه كان يسعى جاهداً لاستمرار هذا النظام ولو بوجوه جديدة لا يعرفها الناس، فقد وضع مبارك فى أيامه الأخيرة فخاً لأية محاولة لاستمرار النظام بدونه، كيف ذلك؟؟ استخدم مبارك ورجاله فى أيامهم الأخيرة كافة أسلحتهم بل وأحرقوها أيضاً،  فسلاح التخوين والعمالة قابله المتظاهرون هازئين متخذين من روايات النظام السخيفة نكاتاً مضحكة مثل نكتة الوجبة الشهيرة من مطاعم كنتاكى، ونكتة الأجندة الأجنبية وغيرها.. كما أن فزّاعة الإخوان سبق وأحرقها النظام عندما سمح بدخول الإخوان البرلمان، ومشاركتهم فى الحياة السياسية وفتح بعض منابر الإعلام لهم دونما أن يعضّوا أحداً أو يخيفوا حتى أكثر الأقباط شعوراً بالاضطهاد. ماذا بقى للنظام إذن؟؟ إنها فزّاعة الأمن والأمان، أليست مصر فى جل خطبهم بلد الأمن والأمان؟ وها هو مبارك يحرق هذه الورقة فى أعقاب جمعة الغضب ليتلقاها الشعب بثبات كما سبق أن أوضحنا فى أول المقال.

أما عن سبب كتابتى هذه السطور اليوم وقد مضى على جمعة الغضب ما مضى، وأوشك مبارك أن يلقى محاكمته، فالسبب هو جمعة الإرادة العسكرية..أقصد الإرادة الشعبية التى أحيت فى نفسى شيئاً مما كان يحدثه مبارك بفزّاعاته الشهيرة، وعلى الرغم من الأصداء المخيفة لتلك الجمعة فى الأقلام والبرامج الحوارية، فما استوقفنى حقاً هو أن هذه الفزّاعة تحتل

منزلة فى النفوس أقل خطراً من فزّاعة الأمن التى ظلت تبتز مشاعر الرعب فى المواطنين كى يموتوا خشية على أنفسهم وأبنائهم وأعراضهم وأموالهم أن يصيبها ضرر مباشر، فما أشبه حدوتة الإرادة الشعبية إذن بالطرفة القديمة التى استخدمها مبارك فى انتخابات البرلمان عام 2005 لترهيب "بوش" من سطوة التيار الإسلامى حال تمكين الديمقراطية من مصر، وعلى الرغم من انطلاء اللعبة على "بوش" الغبى فإنها -وكما تقدمت الإشارة- أصبحت ورقة محترقة فى ضمائر الشعب المصرى بعد أن اتضح أن الإخوان المسلمين بشر كسائر الناس ولا يخيفون إلا بالقدر الذى يخيف به نظام مبارك شعبه.

الجديد فى فزّاعة جمعة الإرادة أن الإخوان قد استُبدلوا بالسلفيين الذين شاع عنهم أنهم قاطعو آذان البشر ومكفّرو الناس على اختلاف مذاهبهم. حتى تمنّى المراقب ليوم الجمعة لو أن التيار الإسلامى فى مصر كان يتسم باعتدال الإخوان المسلمين!! لكن السؤال هل ترك مشهد الجمعة الماضية فى نفس المواطن المعتدل ما كان ليُلقيه فى أيام حكم مبارك؟ الإجابة: لا، لأن المواطن اكتسب مناعة استثنائية من مخيفات النظام القديم، تلك المناعة التى جعلته يصمد أمام أبشع هذه المخيفات وأكثرها ضرراً بشجاعة وثبات، فروح اللجان الشعبية هى التى صمدت بقوة أمام جمعة الإرادة الشعبية برسائلها المقيتة وشعاراتها المتطرفة.

المواطن البسيط يعرف  بفطرته أن النظام القديم لن يستطيع إحياء فزّاعاته من رقادها ولا استحضار أسلحته المحترقة. المواطن البسيط يعرف بفطرته أن الجيش لم ولن يهادن تياراً متشدداً، لأن التاريخ يؤكد ذلك ولأن العسكرية المصرية لها تقاليد راسخة لا تخضع لأفكار بدوية ساذجة. المواطن البسيط يعرف بفطرته أن التيار الليبرالى الذى أشعل الثورة وأيقظها فى النفوس بمعانى الحرية والعدالة لو أراد أن ينال الحظوة لدى الحكام لفعل مقابل توفيره غطاءً شرعياً للنظام، أما البلطجية والمتشددون فمصيرهم المعتقلات حيث لا يأسف عليهم أحد ولا يبكيهم مصرى ولا أجنبى كما علّمنا التاريخ وكما علمتنا أحداث ليلة الجمعة الماضية فى العريش، ولكن أحداً من هؤلاء لا يتعلّم حكمة المواطن البسيط.