عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شتراوس الجنزبيل!!

ألحّ علىّ هذا التعبير الساخر الذى ردده الفنان أحمد مكّى فى أحد أفلامه وأنا أتابع بذهول أحداث القبض على "شتراوس كان" المدير السابق لصندوق النقد الدولى. فقد مضى الرجل أمام الكاميرات مصفّداً فى الأغلال على إثر تورّطه فى جريمة منكرة مخزية، فقد اتهمته عاملة نظافة غينية بالاعتداء عليها جنسياً واحتجازها بغرفته فى الفندق الفخم الذى نزل به فى نيويورك، قبل سفره -أو ربما- هروبه إلى موطنه فرنسا. "شتراوس كان" رجل هام مرشح للرئاسة فى فرنسا، وكان يشغل منصباً دولياً غاية فى الحساسية يوم ألقى القبض عليه. قلت لصديقى الماليزى محمد رزوان –أو رضوان-: ونحن نشاهد عملية الضبط المهينة: "يبدو أننا جلبنا سوء الطالع على صندوق النقد ومديره، إذ يسقط الرجل فى الأسبوع الثانى لنا كمتدربين فى معهد الصندوق، كما صادف يوم القبض عليه فى نيويورك اليوم الوحيد الذى نزور فيه هذه الولاية على سبيل النزهة نهاية الأسبوع!" انفجر صديقى بالضحك وقال لى: "بل هى الديمقراطية يا "نافع" التى تساوى بين سيدة فقيرة تعيش فى مساكن المصابين بالإيدز، ورجل خطير مرشح للرئاسة لم يعصمه جاه أو مال أو حتى شيخوخة من هذا المصير". صدقت يا "رضوان" فالرئيس المصرى السابق الذى لن يذكر له التاريخ أثراً دولياً أو حتى محلياً بارزاً، مازال يعتصم دون سيادة القانون بتاريخه وعمره رغم قيام ثورة شعبية ضده وضد نظامه، يستشفع بالمرض وقد كان مجرد السؤال عن صحته كفيلاً بإيداع السائلين السجون والمعتقلات منذ أشهر قليلة!.

شتراوس الجنزبيل.. أقصد "شتراوس كان" تسبب فى إحاطة أبنية صندوق النقد الدولى بجيوش من الصحافيين والسيارات التابعة لمختلف المحطات الفضائية ليل نهار ولمدة أسبوعين، فما كان من إدارة المعهد إلى أن تطلب منا فى بريد إلكترونى مطوّل ألا نتحدث إلى وسائل الإعلام فى هذا الأمر، وأن نمر بها مبتسمين أو مرددين "لا تعليق"، بل طالبت الجميع بعدم التحدّث فى الموضوع على الإطلاق. ظننت لدى رؤيتى هذه الحشود الإعلامية تحيط بالبوابات الخارجية لأبنية الصندوق أن مبنى المعهد من الداخل سوف تعمّه الفوضى والإضطراب، وتمتلئ جنباته بأحاديث النميمة أو الإشفاق على مصير مدير المؤسسة الدولية الكبرى. ظننت أن فريقاً من كبار الموظفين لابد مشغولون بمستقبلهم المهنى بعد أن يمضى رئيسهم بغير رجعة، يقتلهم الفضول لمعرفة خليفته المنتظر، غير آبهين بتعليمات الإدارة المشددة بعدم

الخوض فى الموضوع، لكن شيئاً من هذا لم يحدث أبداً، فالأمور تسير كما اعتدناها فى الأيام السابقة على الحادث، وجدول المحاضرات وورش العمل كلاهما يسير فى انضباط ملحوظ!. كان المتدربون أكثر الناس انشغالاً بالحادث ومتابعة لأخباره، ربما بحكم عدم التزامهم بقواعد واخلاقيات العمل داخل الصندوق، وربما بحكم عدم انتمائهم لثقافة العمل به، إذ هم من بلاد ومؤسسات مختلفة كل الاختلاف.

فى ظرف أيام قليلة استقال "كان" وترددت أسماء للمرشحين لخلافته منهم مرشح مصرى، علم الجميع أن فرص نجاحه تكاد تكون منعدمة فى ظل  اتفاق عرفى على تقسيم منصبى رئاسة البنك الدولى وإدارة صندوق النقد بين قارتى أمريكا وأوروبا. ورغم أننى لم أكن يوماً من المعجبين بسياسات وشروط صندوق النقد الدولى التى أضرت باقتصادات كثير من الدول ومنها مصر، لكن وجب علىّ الإقرار بما فى تلك المنظومة من انضباط مبهر وحرص على الطابع المؤسسى الذى يسمو فوق الأفراد مهما كانت مكانتهم أو بلغ موقعهم فى الهيكل التنظيمى.

دروس وعبر من ذلك الحادث يمكن أن نستخلصها لصالح مصر ومستقبلها، أولها ألا يعلو فوق القانون مخلوق، وثانيها أن عجلة الإنتاج لا تتوقف انتظاراً لمحاكمة أحد أو تعيين خليفة لحاكم أو مدير، هذا فضلاً عن روعة الأداء المؤسسى إذا ما التزم كل فرد فى المؤسسة بثقافتها وعمل وفق جدول زمنى محكم ومراقب. ربما تجد فى هذه الملاحظات بديهيات لا تحتاج إلى مقال، ولكن الخبرة الحياتية تستقر فى الضمائر وترسخ فى الذاكرة إن هى استخلصت من مشاهدات حية لا من نصوص جامدة.