رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هى مصر فين؟؟!!

 

أرجو ألا تتعجل الحكم على المقال من عنوانه، لو كنت مكانك لظننته واحداً من مقالات العبوس والتشاؤم التى غصّت بها الجرائد والبرامج المصرية، والتى لا تضع علاجاً للأوجاع بقدر ما تصب ماء النار على موضع الألم. كذلك أطمع فى حلمك ألا تحسبنى مستظرفاً أتساءل عن موقع مصر التى لم تغب لحظة عن خاطرى أو خاطرك. الأمر وما فيه أننى مازلت على موعدى معك بالبحث عن مصر فى عيون الآخرين، ففى خلال الأعوام الأخيرة حضرت العديد من المؤتمرات وبرامج التدريب خارج البلاد، وبحكم طبيعة العمل وخلفية الدراسة كان موضوع المؤتمرات والبرامج ينصب عادة على تجارب نجاح وإخفاق الدول المتقدمة والناشئة على الصعيدين الاقتصادى والمالى بغية استخلاص الدروس والعبر. هكذا تصرفت دول النمور الآسيوية فى أعقاب الأزمة المالية الشهيرة التى تفجّرت منذ عام 1997 وامتدت آثارها لبداية الألفية الثانية، وهكذا خرجت دول أمريكا الجنوبية من أزمة الديون الشهيرة فى الثمانينات من القرن الماضى، هذا أداء الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا قبل وبعيد أزمة الرهن العقارى فى عام 2008، هذا شأن اليونان حيال أزمة الديون الأخيرة..عديدة هى تجارب النجاح والإخفاق المرحلى لمختلف البلاد..فأين مصر من كل هذا؟!

كان من الطبيعى أن أبحث لمصر عن موقع بين تجارب الدول الناشئة، التى اجتمع ممثلوها على مدار نحو الشهر بصندوق النقد الدولى لتدارس التجارب المالية والاقتصادية للدول النامية عبر عشرات المحاضرات وورش العمل. خلال تلك الفترة الطويلة تقلّب علينا عدد كبير من المحاضرين، فتمت تغطية موضوعات كثيرة جداً جُلّها اقتبس من تجارب الأسواق الناشئة على وجه الخصوص، وفى كل محاضرة كنت أمنّى نفسى برؤية اسم مصر ولو فى جدول واحد من مئات الشرائح المعروضة، ولو على سبيل استعراض تجارب الإخفاق المالى والتسوّل "الرضوانى"، ولكن دون جدوى، فهاهى تجارب وإحصاءات البرازيل وجنوب أفريقيا والهند وماليزيا والمكسيك وتركيا وحتى بولندا..والقائمة تطول ولكن مصر لا تظهر أبداً!.

أخيراً وبعد انتظار أسابيع ظهر اسم مصر فى جدول يتيم تناول -على غير المعتاد- إحصاءات تاريخية لعدد من الدول منذ عشرات العقود، وكانت مصر إحدى الدول التى تعرضت للإفلاس خلال العقد السابع من القرن التاسع عشر، وهى بالطبع الأزمة التى لم تخرج منها مصر مضرباً للأمثال، لأنه قد أعقبها بسنوات قليلة سقوط الدولة فريسة للاحتلال البريطانى لنحو قرن من الزمان!.

بعد هذا التاريخ الكئيب يبدو أن المؤسسات الدولية لا تلتفت إلى مصر، فدول شرق آسيا وشرق أوروبا وأمريكا اللاتينية وبعض التجمعات الكبرى مثل دول الـ"بريكس" تحظى باهتمام الباحثين وبالطبع المستثمرين من المؤسسات والأفراد. مصر التى يذكرها العالم ببلد الأهرامات، لم يعد ذكرها قريناً إلا بالأهرامات. كان الدكتور محمود محيى الدين -الأستاذ الجامعى وليس الوزير طبعاً- يحدثنا عن حلم إدراج مصر ضمن دول مجموعة OECD التى تضم الدول الصناعية الكبرى، فكانت النتيجة أن أصبحت مصر على يديه وأيادى أصحابه دولة فى العدم، لا تذكر فى نجاح أو إخفاق، هى ببساط دولة غير موجودة على الخريطة الاقتصادية والمالية العالمية. أمر مؤسف أن يخرج وزير المالية الحالى ليتوعّد من أسماهم أنصاف الاقتصاديين لمجرد أنهم انتقدوا سياساته العجيبة، لكنه مع ذلك لا يلقى بالاً إلى حقيقة أن مصر قد تلاشت من على الخريطة الاقتصادية والمالية لا بفعل الثورة كما يصوّر، وإنما بفضل سياسات رفاقه السابقين الذين عمل معهم ولهم مستشاراً وناصحاً ثم عضواً

معيّناً ببرلمان مزوّر. لكن المؤكد أن رئيس الوزراء يرى شيئاً آخر لا نستطيع إبصاره بأعيننا المجرّدة، فعلى الرغم من أن وزير ماليته هو رجل متخصص فى اقتصاديات العمل ولا شأن له بالمالية على الإطلاق، فقد وقع اختياره بعد انتظار وبحث طويلين على أستاذة فاضلة كمستشارة اقتصادية له وللمصادفة البحتة هى متخصصة أيضاً فى اقتصاديات العمل!! ومع خالص تقديرى الجاد لأستاذتى الفاضلة، يبدو أن مصر المستقبل هى دولة كثيفة العمل على نحو غير مسبوق، كما يبدو أن جوانب إخفاق الحكومة الحالية والتى هى فى الغالب نواح مالية واقتصادية، سوف يتم تعويضها بفنون استثنائية تركّز على العمالة وحسب، غير عابئة بسوق رأس المال والقطاع المالى والمصرفى وخلافه. لكن الأرجح من كل هذه التكهنات أن السيد رئيس الوزراء لا يميّز بين مختلف تخصصات الاقتصاديين. فإن أسعدك الحظ وتخصصت فى أى فرع من علم الاقتصاد، لأصبحت عند معاليه متخصصاً فى الاقتصاد خبيراً بمختلف خباياه!.

أيها الخبراء ودعاة الحوار الوطنى، ضعوا أهدافاً محددة أمام الشعب، وخاصة الشباب منهم وطالبوهم بتحقيقها على المديين القصير والمتوسط، فإنما أثمرت الثورة بوحدة الهدف ووضوح الرؤية والإصرار على تحقيق أهداف قريبة بأقل كلفة ممكنة وبأسرع وقت ممكن. أيها الخبراء ودعاة المكلمات الوطنية، تنبأت بفشل حواركم منذ أكثر من شهر، عندما أتعسنى الحظ بلقاء مجموعة من الشباب المتعلّم فى مكتب وبحضور وزير الثقافة المهذّب. اجتمعنا معاً لتقديم أفكار جديدة للتطبيق، فكانت المحصّلة أن الغالبية العظمى من الحاضرين هم فضلاً عن كونهم هواة فى مجال الخدمة العامة قد أتوا للحديث فقط لا للاستماع أو الحوار المتبادل. جاءوا لاستعراض إنجازاتهم وقليلاً ما هى، وترى الواحدة منهن تشعل سيجارة خلف أختها لا أدرى أهى علامة على التحرر من قيود المجتمع، أم هى علامة على ضيق الأفق وخفة العقل وسطحية المعتقد؟ لكن هذا النوع من المشكلات قابل للمعالجة، فنحن مازلنا حديثى عهد بالحوار القائم على احترام الرأى ونقيضه، فقد نشأ معظمنا على التلقين والتوجيه والحفظ والتسميع، وليس فى ذلك تنمية للعقلية النقدية التى وإن كانت موضوعاً لإحدى مقالاتى المنشورة منذ عامين، فهى مازالت فى بؤرة تفكيرى واهتمامى، وكما قال الشاعر: بالعلم والمال يبنى الناس ملكهم..لم يبن ملك على جهل وإقلال.