رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الصورة الفضيحة يا وزير الثقافة!!

 

أشار علىّ صديق محترم أن أواصل الكتابة عن صورة مصر فى عيون الأمم ممن شاء الله أن أجتمع بأبنائها فى العاصمة الأمريكية واشنطن. كنت قد تعرّضت فى مقال سابق لانبهار الناس شرقاً وغرباً بهذه الصورة التى رسمتها تجربة ثورية فريدة، لكننى منذ أسبوع كنت على موعد مع صورة أخرى لمصر، بيد أنها فوتوغرافية هذه المرة.

فى المتحف الوطنى للتاريخ الطبيعى بواشنطن جمع الأمريكيون خلاصة تاريخ الحياة على كوكب الأرض بتاريخ نشأة الإنسان وتطوره، ونمو الحضارات وازدهارها على اختلاف العصور. كانت سعادتى غامرة وأنا وأتأمل مومياء مصرية محفوظة بشكل ملفت، محاطة بأساور من ذهب وحلى مختلف ألوانها، وليس جديداً إذا أخبرتك مدى الشعور بالزهو والفخار عندما تحلّق العشرات من زوّار المتحف (وأغلبهم من طلبة المدارس) يتدارسون أموراً عن تاريخ هذه المومياء الصامدة، ويستمعون إلى رجل هاو يتحدث باهتمام عن بعض أسرار دفن القدماء المصريين لموتاهم. كنت أتعمد النظر فى عيون هؤلاء الزوّار كى أجمع فى سكون علامات الاستحسان والتقدير لإرث أجدادى، الذين تركوا فى ملامحى أثراً آخر يدل عليهم. هكذا كان لسان حالى يقول للأمريكيين عن أقدم ما جمعوا من آثارهم: أين كان أسلافكم عندما كان صاحب هذه المومياء حياً يعمر الأرض بهذه التحف والآثار؟ هو التاريخ إذن ينصف المصريين كالعادة أينما ثقفوا، بل إن أمارات هذا التاريخ تجسدت فى تحف معمارية حديثة تحاكى حضارة القدماء المصريين، وأى شاهد على هذا خير من محاكاة المسلة المصرية فى قلب العاصمة الأمريكية ببناء ضخم، لكنه أجوف يخلو من الفن والإبهار. نعود إلى المتحف الكبير الذى هويت منه فجأة من حجرة المومياء المصرية إلى موضع الصورة الفوتوغرافية موضوع المقال، فما قصة هذه الصورة؟

فى جناح كبير لقارة أفريقيا، أقدم القارات حياة وثراء بالتاريخ الطبيعى، تقدمت بخطى واثقة لأرى موقعنا العظيم من هذه القارة، فإذا بمصر تتصدر هذا الجناح بصورة فوتوغرافية ضخمة تمنيت لو كانت أصغر لواريتها عن الأنظار! هى صورة للأهرام الثلاثة تحمل عبارة توحى ببدء التاريخ الحضارى، لكنها تحمل أيضاً مشهداً مخزياً يشى بتعمّد ملتقطها أن يبرزه فى صدرها. الأهرام المصرية هى إرثنا الأعظم الذى نباهى به الأمم، وهى لعنتنا أيضاً التى ركنّا إليها متكاسلون لنبقى دهوراً فى ذيل الأمم. لكنها على أي حال مناط الاعتزاز والفخار ورمزاً لمصر، حتى إن تعمّد بعض صناع السينما فى هوليوود من ذوى الميول الصهوينية أن يصوّروها محاطة بالجمال والخيول، ليقولوا للعالم هكذا يعيش المصريون الآن بدون أي مظاهر للحضارة الحديثة، فأى صورة للأهرام إذن ممكن أن تخزى المصريين؟! هى صورة يا صاحبى لعشش عشوائية قبيحة تكاد رائحة العطن تفوح من أطنان القمامة المؤطرة لها، بل يكاد الذباب الذى لم تخطئه عدسة المصوّر الخبيث أن ينتقل بينها! وفى الخلفية من هذا المشهد المقزز تقف الأهرام الشامخة شاهدة من بعيد على هذا القبح. أليس فى محافظة الجيزة بأكملها زاوية للأهرام غير تلك الزاوية التى أراها لأول مرة؟! وما علاقة تلك العشوائيات "المباركية" الحديثة بالسياق التاريخى الذى وضعت فيه هذه الصورة؟ وأى رسالة أرادها المصوّر بتلك اللقطة، خاصة إذا كان التعليق عليها جاء خلواً من أي إشارة إلى مصر الحديثة؟ وهل إذا أرادوا تصوير مصر الحديثة يكون هذا المشهد خير معبّر

عنها؟ وهل تخلو الأحياء الفقيرة فى أمريكا من مشاهد قبيحة شكلاً وجوهراً لم يأت هذا المتحف أو أى متحف فى العالم على إبرازها؟..أسئلة استنكارية كثيرة تمنيّت لو وجّهتها لمدير المتحف، لكن ما صفتى أنا كى أفعل ذلك؟ .

أين المستشار الثقافى بالسفارة المصرية التى لا تبعد سوى أميالاً قليلة عن المتحف؟ أليس من الممكن أن تتبرّع مصر بصورة للأهرامات تمثّل عظمة التاريخ المصرى دون أن تكذّب؟ أليس بمقدور الدبلوماسية المصرية أن تسعى فى إزالة هذه الفضيحة عن جدران متحف من أكبر المتاحف فى الولايات المتحدة الأمريكية؟ هذا المتحف وغيره من أوقاف العالم الانجليزى "جيمس سميثون" بمثابة معاهد يرتادها الكبار والصغار مجاناً ليتعرّفوا على الناس والحضارات. هنا يتعلّم الطفل الأمريكى أى الشعوب أولى بالاحترام والوقار. هنا يتعلم رئيس أمريكا المقبل كيف يتعامل مع مختلف الشعوب. هنا عرف ملتقط الصورة -الذى أتشكك كثيراً فى نواياه - كيف يعبث بصورة مصر فى موضع الاحتفاء بها، وكأنه جاء يكحّلها فأعماها عامداً.

قد يقول قائل: فلنذهب لإزالة العشوائيات أولاً قبل أن نزيل الصورة، ولنبتلع هذه الإهانة صاغرين مادمنا أجرمنا بترك هذا السرطان ينمو فى شرق البلاد وغربها، وأنا لا أختلف مع هذا الرأى فى ضرورة التعامل مع الأصل قبل الصورة، لكن لعنة العشوائيات قد يتتطلب رفعها أعواماً عديدة، وهى لعنة توجد فى كثير من دول العالم دون أن يصنع منها معرضاً للعالم فى قلب متحف موضوعه التاريخ!! ولست هنا كمن يقول بإخفاء الحقيقة ودفن الرءوس فى الرمال، ولم أكن يوماً من أنصار إخفاء الفضائح عن العالم وتفضيل المذلة من الحاكم عن انكشاف السوءات أمام البشرية، لتسويغ بقاء الجائرين فى سدة الحكم، لكن الصورة التى أتحدث عنها أقحمت فى سياق غير سياقها كما تقدمت الإشارة، ولا أجد سبباً واحداً لوجودها فى هذا المتحف.

هذه أمور قد تبدو صغيرة تافهة فى ظل الظروف التى تمر بها البلاد، لكن مصر مابعد الثورة لن تستصغر إهانة أبداً، ولن يتراكم عليها مجدداً إساءات من الداخل أو الخارج. هذا بلاغ عاجل لوزير الثقافة الذى أرجوه أن يهتم بصورة مصر فى متحف شهير بأكبر دولة فى العالم.