رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الفول والطابور وصناديق النذور!

 

أسعد كثيراً شأن كل المصريين حينما أجد رئيس الوزراء يجلس فى تباسط بأحد مطاعم الفول والفلافل لتناول وجبة بسيطة بين المواطنين دون تكلّف أو حراسة، وأسعد كذلك حينما أراه بشراً يذرف الدموع، ويحمل عن امرأة عجوز حذاءها، أسعد أيضاً حينما أجد وزيرى المالية والتعاون الدولى يقفان فى طابور الجوازات لدى عودتهما من الخارج، شأنهما فى ذلك شأن سائر العائدين..لكن سعادتى بتلك النفحات لا تنسينى الدور الخطير الذى أنيط بهذه الحكومة على وجه التحديد لتقود البلاد خلال المرحلة الانتقالية الدقيقة التى تمر بها.

من الظلم ألا نحصى لحكومة الدكتور عصام شرف سوى هذه اللفتات الإنسانية، ولكن من المغالى فيه أن نعتقد أن هذه الحكومة قد أنجزت مهامها وملأت الأرض عدلاً ورخاءً كما ملأها مبارك وآله ظلماً وجوراً. مازال الوقت مبكراً لتقديم كشف حساب عن اعمال الحكومة، لكن نذر الأداء تشى بأمور تدعو إلى القلق. مثلاً اقتصر أداء السيد وزير المالية فى ديوان وزارته على عمليات الهدم والتطهير، ولكنه لم يعلن عن سياسات إصلاحية متفاوتة الآجال لبناء المستقبل المالى لمصر، فعزل المستشارين أمر يسير، ولكن اختيار كفاءات جديدة تسير وفق نظم وآليات مختلفة وبإنتاجية أعلى هو الأمر العسير الذى لم نسمع أن الوزير قد شرع فى عمله. إلغاء أنواع معينة من الضرائب أيضاً أمر يسير، ولكن عدم تعويض خزانة الدولة عن هذا الفاقد فى الإيرادات السيادية بمصادر دخل متنوعة ومتجددة هو كارثة تؤدى إلى مزيد من العجز فى الموازنة العامة.

وزير المالية متخصص فى اقتصاديات العمل لكنه متخصص أيضاً فى دغدغة مشاعر الجماهير بقرارات رنّانة. لا ننسى انه أول من أشعل فتيل الاحتجاجات الفئوية يوم أن كان وزيرا فى حكومة شفيق وأعلن عن عطايا سخية لبعض الفئات، فخرج الناس من مختلف أركان المعمورة طالبين هذه المنح غير المدروسة. نعم هى غير مدروسة ولم يرد بها سوى إخماد ووأد الثورة بما يشبه الرشاوى الانتخابية التى تربّى عليها النظام القديم. دليلى على عشوائية القرارات أن الرجل كان قد تولّى حقيبة المالية منذ ساعات قبل إعلانه عن تلك العطايا دون أن يؤتى الفرصة لدراسة إمكانات الخزانة العامة، كما أنه يخرج علينا بعد ذلك طالباً التبرع للاقتصاد من الداخل والخارج وكأنه أبصر فجأة حجم الأزمة المالية التى تعيشها مصر حالياً!.

وزير مالية مصر أصبح يحمل عدداً من صناديق النذور، هذا لوجه الله وهذا لدعم الاقتصاد

وهذا لدعم البورصة وهذا لتلقى مساعدات من البنك الدولى...صحيح أن حالة الدروشة التى يعيشها بعض وزراء الحكومة الحالية لنيل تأييد الشعب تلاءم هذا الدور الذى يتقمّصه الوزير، لكنها أبداً لا ترقى لرسم صورة مصر التى ثُرنا من أجلها، وذرفنا الدم والدموع لرفعتها وشموخها.

نموذج وزارة المالية هو مثال واحد فقط لإدارة البلاد بذات الأساليب العقيمة التى ابتليت بها مصر خلال العقود الثلاثة الماضية. يضاف إلى هذا النموذج سمة غالبة على من قَلّت حيلته وقسرت إمكاناته دون الجوانب الفنية، فيعمد إلى مغازلة الجماهير ولو بقرارات خاطئة ومخرّبة، والتفنن فى الظهور الإعلامى لتعويض التفوّق المهنى والفنى لوزراء حكومات الفساد السابقين.

رئيس الوزراء أيضاً هو رجل شريف، لكنه كثيراً ما يميل بقراراته تجاه آراء معيّنة، لا عن دراسة وعلم بل عن توافق شعبى لم يتم قياسه بصورة نموذجية. نزاهة الحكومة شرط ضرورى لازم لكنه ليس كافياً لإعادة البناء ومحو آثار الفساد وإرساء نهضة حقيقية وفق قواعد جديدة. فطريقة اختيار المحافظين الجدد مثلاً – وإن لم تكن مهمة أصيلة لمجلس الوزراء- تعد مثالاً واضحاً لعدم وجود شروط معلنة ومتقَنة لعملية التعيين. كذلك التعامل مع الملف الأمنى على خطورته وأولويته بطرق أقرب إلى الترضية والمحايلة، لم ينتج عنه تحسناً ملحوظاً فى الحالة الأمنية ولا فى الفوضى المرورية، أضف إلى ذلك التعامل مع الملف الاقتصادى بتفويض كافة قراراته لرجال ينتمى معظمهم لأسوأ عناصر الحرس القديم.

الشورى واتساع دائرة اتخاذ القرارات وتجنّب المركزية هى طريقنا لعبور المرحلة الانتقالية بسلام، لكن الحسم والقوة والسرعة هى أيضاً عناصر مهمة للحد من سلبيات هذه المرحلة