رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صراع السلطات وسياق المعارك

مهم أن نفهم سياق المعارك التى تنشب فى مصر الآن، خاصة تلك التى تدور رحاها بين مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث. هذا السياق يمكن أن نوجزه فى عناصر ثلاث أولها المعركة الانتخابية على رئاسة السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية،

ثانيها طبيعة وخلفيات الأشخاص الذين تصدروا المشهد الإعلامى فى تلك المعارك، ثالثاً اقتراب موعد تسليم السلطة وفقاً للجدول الزمنى الذى ألزم المجلس العسكرى نفسه به، وما يترتب على هذا من خروج مرتقب للقوات المسلحة من المشهد السياسى بعد توغّل دام قرابة الستين عاماً. العناصر الثلاثة المذكورة متشابكة ومترابطة، بل هى فى حقيقة الأمر حدث واحد "هيولى" اتسع ليشمل تفاصيل كثيرة هذه أهمها.
بالنسبة للعنصر الأول، فالانتخابات الرئاسية فى مصر قد دخلت مرحلتها الأخيرة، وتعلّق تمامها على أشراط كثيرة كلها رهن بساحة القضاء، فتعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية التى أقرها مجلس الشعب عشية المرحلة الأولى للانتخابات، وجرى على أثرها استبعاد المرشح أحمد شفيق ثم تظلمه من القرار ثم إعادته للسباق بعد قبول التظلم، تم إحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للبت فى دستوريتها، وذلك فى تطور سريع للأحداث يتفوق على أية حبكة درامية لمسلسلات شهر رمضان! وقد تحدد يوم الحكم فى دستورية تعديلات القانون فى 14 يونيو الحالى، أى قبيل موعد انتخابات الإعادة لمنصب رئيس الجمهورية بيومين، وبعد بدء عملية التصويت وانتهائها بالفعل بالنسبة للمصريين فى الخارج!. كذلك يتوقف مصير دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب (الذى صاغه وأقره بالتعاون مع المجلس العسكرى رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس هيئة مفوضى المحكمة) على حكم من المحكمة الدستورية، تقرر أن يكون فى نفس جلسة البت فى دستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية يوم 14 يونيو القادم، وهذا الحكم أيضاً يرتبط بشكل غير مباشر بإتمام الانتخابات الرئاسية، نظراً لأن حل مجلس الشعب (إذا كان أحد تداعيات الحكم فى هذه القضية) قد ينتقل بالصراع الحالى بين السلطات من ساحات الإعلام إلى ساحات أكثر شراسة وعنفاً.
العنصر الثانى لسياق المعارك الدائرة بين السلطات هو طبيعة وخلفيات الأشخاص الذين مثّلوا سلطاتهم إعلامياً وساهموا بشكل كبير فى تأجيج هذا الصراع. المستشار "الزند" الذى عرف بأنه أشد المناهضين لتيار استقلال القضاء، والذى أسقطهم فى آخر انتخابات لنادى قضاة مصر فى عهد مبارك -هى أشبه بانتخابات نادى الضباط التى أسقط فيها الملك فاروق مجموعة مرشح الضباط الأحرار فكان انقلاب يوليو عقبها مباشرة- والذى ينتصر دائماً لقيم توظيف أبناء القضاة فى المناصب القضائية كمشروعه الأساس فى انتخابات النادى، هو الذى تصدّر مشهد خصومة السلطة القضائية لمجلس الشعب، حتى إنه صرح بأشياء جديدة على قضاء مصر وقضاتها، فهو يهدد بعدم تطبيق قوانين تصدر عن البرلمان المنتخب، ويهدد بأن القضاة سوف يمتنعون عن رقابة الانتخابات، ويهدد بتدويل الصراع بينه وبين السلطة التشريعية! وهو يتأسف على سهر القضاة على صناديق الانتخابات التى أفرزت أعضاء البرلمان الحاليين!!. هذه الهجمة الشرسة من المستشار "الزند" كانت رداً على جلسة أدار خلالها مجلس الشعب هجمة شرسة على السلطة القضائية أشبه بالدعاية الانتخابية لمرشح الإخوان، تعقيباً على أحكام البراءة التى حصل عليها أبناء مبارك ومساعدو العادلى فيما عرف بمحاكمة القرن! تلك الهجمة التى استثارت المستشار "حسام الغريانى" رئيس مجلس القضاء الأعلى، فهب لردّها بدماثة خلقه المعهودة قبل أن يخرج المستشار الزند بطلقاته النارية وكأنما لم يرق له دفاع شيخ القضاة عن استقلال السلطة القضائية وتطهرها ذاتياً!.
كل ذلك يأتى فى أعقاب صراع بين السلطة التنفيذية متمثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء من جانب، وبين البرلمان المصرى من جانب آخر، كان من بين نتائجها رفض البرلمان لبيان الحكومة وتعطيل جلساته لحين إقالتها، وهو ما لم يقدم عليه المجلس العسكرى مكتفياً بتغيير بعض الوزراء الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى هذا الصراع، وكأنما البرلمان قد اكتفى بما قرره المجلس العسكرى لحفظ ماء الوجه وتمرير المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر. فى الصورة أيضاً من كل تلك الصراعات يقف متعهدو الشو الإعلامى الذين لعبوا دوراً بارزاً إبان حكم مبارك مثل النائب "مصطفى بكرى" الذى يتحدث دائماً باسم المجلس العسكرى وبما يتحرج المجلس نفسه أن يفصح عنه، أضف إلى الأستاذ "بكرى" مجموعة الفقهاء والخبراء الذين لا يعملون إلا أمام عدسات الفضائيات، وبعض مقدمى البرامج ممن يرتزقون بآرائهم ويأكلون السحت بتزييفهم للحقائق.
العنصر الثالث والأخير الذى يجب أن ترصده عيون

المراقبين لسياق الصراع الدائر بين سلطات الدولة، هو اقتراب موعد تسليم العسكر قياد البلاد للمدنيين المنتخبين لأول مرة منذ ستين عاماً. هذا التسليم رغم أنه منطقى فى أعقاب ثورة شعبية عظيمة كالتى قام بها الشعب المصرى فى يناير 2011، إلا إن بعض عبّاد السلطة والمصالح المتراكمة فى عهد مبارك لا يتصورونه، ولا يتقبلون شكل الدولة فى غيبة الحكم العسكرى، هذا الحكم الذى قد يسوّغ استخدام الاستثناءات والقوانين العرفية التى تخدم مصالح وأموال الخاصة، والذى قد يمرر الصفقات للصفوة كما يمرر الوظائف للعسكريين، هو منظومة كبيرة تستطيع أن تقبل الثورات التى تطيح برؤوس النظام، لكنها لا تتصوّر انتهاء النظام وتفككه، حتى إن إحدى مقدّمات البرامج الحوارية ممن اتصلوا بشكل كبير برموز نظام مبارك، لم تملك نفسها حينما استصرخت المجلس العسكرى كيلا ينفذ وعده بتسليم السلطة والرضوخ إلى قرار الصناديق الانتخابية إن هى أتت بالإخوان المسلمين، لأنهم الفصيل الوحيد القادر على تفكيك النظام القديم فى الوقت الحاضر!.
إن قراءة السياق الذى يدور فيه الصراع بين سلطات الدولة ضرورى للعامة والخاصة، فالانحياز لجانب ضد آخر فى هذا الصراع يخدم أهدافاً أعقد من تلك التى تبدو على السطح. فأنت حينما تستمع إلى أحد القضاة وقد احمرّ وجهه حنقاً على البرلمان قد تنحاز إلى غضبته لأنك تغار على سلطة القضاء التى يبدو الرجل مدافعاً عنها، لكنك إذا أنعمت النظر فى السياق الذى أشرت إليه آنفاً، قد تجد الرجل لم يثر أبداً لاستقلال سلطة القضاء حينما زوّرت انتخابات البرلمان عام 2010 على أعين القضاة المراقبين، وتجده محسوباً على رجال مبارك وخاصة عهده، وتجد الانتخابات الرئاسية قد أوشكت على الانتهاء ولا يعلم عقباها إلا الله، على عكس ما اعتاد عليه المصريون تحت حكم مبارك وسابقيه من العسكر، فإن أنت قرأت كل هذا فليس أقل من أن تتمهّل قبل أن تنحاز إلى هذا الجانب ضد ذاك، لأن كثيراً من الكلام هذه الأيام هو حق أريد به باطل، وهو باب باطنه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.
إن من حسنات ثورة يناير أنها غذّت ومازالت تغذّى العقل النقدى لدى المصريين فيما يحسبه الجاهل انهياراً أخلاقياً وحرباً أهلية! هذه العقلية النقدية التى مازال نظام مبارك يصارعها حتى أنتج فلوله إعلانات تلفزيونية مضحكة مبكية، تؤلّب الناس وتخيفهم من الكلام والتفكير، تخيفهم حتى من التحدّث إلى الأجانب بدعوى أنهم جميعاً جواسيس إلى أن يثبت العكس!! ثم يصرخ هؤلاء خوفاً على السياحة التى (قد) يتسبب حكم الإخوان فى كسادها، وها هم يطعنون السياحة بتلك الإعلانات الخرقاء التى لا نعرف صاحبها وإن كنا نعرف المستفيد منها. هذه العقلية النقدية هى التى نراهن عليها فى عدم إنتاج نظام شمولى جديد يستخدم الدعاية الفاسدة فى تقسيم الناس وزرع الفتن، وهى التى تدفعنا إلى قراءة السياق قبل الانحياز فى الصراعات، وهى كما سبق أن ذكرت خير ثمار الثورة المصرية.