رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فساد الإدارة وإدارة الفساد

من أسوأ ما ترزأ به المؤسسات والمصالح فى بلادنا رجل يحمل مسئولية دونها طاقته، وأسوأ منه آخر يمشى فى مرؤسيه بالوقيعة وإثارة الفتن بغية إحكام السيطرة عليهم، ضارباً بذلك مثل السوء فى فعاله. ومن أمارات السفه وغرائب الخصال أن يقوم الرجل بإثابة المخطئ وعقاب المصيب،

ومنها أن يضل فى شئونه فيرفع هذا ويخفض ذاك، لا لشئ إلا لهوى فى نفسه، أو أمر لا شأن للمصلحة العامة فيه، ولا عزاء للنفع العام ومصالح الناس. وقد عرفت مصر حديثاً صنوفاً من الفساد والفاسدين تغص بهم دواوينها، فصدقت علينا تهمة المتنبى ولعنته فى الأزل حين قال: نامت نواطير مصر عن ثعالبها...فقد بشمن وما تفنى العناقيد. وقد يحسب المهتمون بالشأن العام -وقليل ما هم- أن الفساد مرادفاً للسرقة والاختلاس وغيرها من جرائم ظاهرة الفحش، على أن للفساد جذوراً تضرب فى أرض الإهمال وأخرى تضرب فى أرض السفه وثالثة تضرب فى أرض الغباء، فكان نصيبنا من الأخيرة نصيب الأسد، وعرفت مصر من الأغبياء من أتت تصاريفهم على الاخضر واليابس، وعرفت من السفهاء من تقلّدوا زمام الأمور وساقوا الشعب نحو هلاكه وفقره.
وقد قامت الثورة المصرية لتزيل رأس الفساد وبعض أعوانه من المتأخرين، لكن عقوداً من العطب المتراكم فى جنبات الوطن لا يمكن أن تزيلها هتافات الجماهير، ولا حتى دماء الشهداء الزكية، إنما تزال فقط بتطهير تربة مصر من أردان النفعية والطمع والاستغلال، مع استمرار رعايتها ومراقبتها على مر الزمن. فتطهير البلاد من الفساد عملية مستمرة وليس مجرد قرار أو قانون أو حتى دستور.
آفتنا فى مصر أننا لا نرى بعين الحيطة والحذر إلا الخطر الواضح القريب وإن هان شأنه، بينما لا نرى الكارثة المطبقة إن هى توارت خلف ستار رقيق يشف ويصف كل ما تحته من عورات الواقع المرير!. فمثلاً يمكننا

أن نرى أن مشاهد العرى فى الأفلام القديمة بحاجة إلى مقص عنيف من رقيب عتيد، بينما تفيض الشوارع والعشوائيات والمقابر بسكان يلتمسون غذاءهم فى الفضلات، وتشيع الفاحشة وزنى المحارم فيهم لا بفعل قنوات التلفزيون التى لا يملكون رفاهية مشاهدتها ولكن بفقدانهم الشعور الأساسى بآدميتهم، وبحقدهم وانقلابهم على كل أعراف البشر وأديانهم، لأن أحداً من أولى الأمر لم يعد ينظر إليهم، إلا كما ينظر إلى الداء العضال والورم الذى لا يرجى منه شفاء إلا بالاستئصال.
نعم من السهل أن تقنع الملايين بتقواك وحسن أخلاقك إن أنت تركت لحيتك واستظهرت زبيبة الصلاة فى جبهتك، ثم انصرفت لنقد سلوك الناس وملابسهم، لكن من الصعب أن ترفع عن جيرانك وأهلك الحزن والغم وضيق العيش، لأنك فى الأولى ترهف بما تقرأ بعلم وبغير علم، وفى الثانية تعمل جاداً لا تطلب غير مرضاة الله تعالى. كذلك فقد غفل الكثيرون عن بضاعة الجهل التى يبيعها كثير من المديرين والرؤساء فى بلادنا، طالما أن بائعها يقسم أنه لا يبتغى غير شرع الله ووجهه! بينما يعمل هؤلاء بقصد وبغير قصد على هدم البلاد وضياع الأقوات وهلاك الأمة، بأسرع مما يعمل السارق ظاهر الخبث، والفاسد بيّن الفساد.