أنف وثلاث "ذقون"!!
إن ما حدث مع نائب البرلمان عن حزب النور السلفى الذى أجرى عملية تجميل لتصغير أنفه وما صاحب ذلك من تداعيات يتجاوز كونه حدثاً كوميدياً أسوداً، وسقطة سياسية مروّعة إلى أن يصبح تجسيداً فعلياً للمفهوم القشرى الذى اتخذه البعض بديلاً عن الإسلام الصحيح.
فالنائب الذى ترك لحيته لتنمو حتى بلغت مبلغاً عظيماً تشبهاً بالسلف الصالح وتمسّحاً بالسنة النبوية الشريفة، منحه الناخبون أصواتهم ظناً منهم أنه يؤمن فى قرارة نفسه بأن اللحية مظهر يخبر عن جوهر عامر بالإيمان، استوفى جوانب الدين الباطنة الصعبة، وأحسن صلته بالله ولم يبق له إلا أن ينعكس هذا القدر من التدين على مظهره، فتشف لحيته عن رغبة صادقة فى التمسّك بالفطرة التى فطر الله الناس عليها. لكن الله خلق الإنسان أمرداً تنبت لحيته مع تقدّم العمر إذا لم يعمل فيها آلات الحلاقة، أما الأنف فهو عضو خلقه الله مع الإنسان بينما يتكوّن جنيناً فى بطن أمه، وبالتالى فإن صيانة هذا العضو وحفظه من العبث والتبديل وقبوله كما خلقه الله عز وجل أوجب على من يدّعى الالتزام بالفطرة من إطلاق اللحية والتشدد فى نهى النساء عن التبرّج!، خاصة إذا ما كان إطلاق اللحية يحدث دونما تهذيب، فيشوه وجه الإنسان الذى كرّمه الله وميّزه به عن سائر خلقه.
لكن ما حدث أن نائب الأمة السلفى قد غادر المشفى لتوه بعد أن أجرى جراحة تجميلية لتصغير الأنف كتلك التى تجريها فنانات السينما والمسرح (والعياذ بالله!)، فلا تسلمن من النقد والغمز واللمز وربما التكفير من بعض جماعات التشدد والتعصب التى نبت منها أحزاب الإسلام السياسى المتصدرة للمشهد اليوم!. ليس ذلك فحسب، فقد كذب النائب علناً وادّعى أنه أجرى جراحة علاجية وليست تجميلية، متحدياً بذلك تقرير الطبيب الجرّاح وشهادته هو وطاقم العمل بالمستشفى، ومكذّباً لإقرار بالموافقة على إجراء عملية التجميل وقّعه هو بنفسه قبل دخول غرفة العمليات!!.
تفجّرت هذه الأزمة بعد أن خرج النائب على الناس عبر قنوات الإعلام مستنكراً حادث اعتداء وقع عليه (كما يدّعى)، وأحدث به ما أحدث من الإصابات، فما كان من طبيبه إلا أن صحح ما جاء على لسان النائب كاشفاً عن جانب هام ستره من روايته بينما استقر فى ضمير طبيبه أن إفشاء سر المريض لم يعد منه بد، إعلاءً لمصلحة أكبر تمس أمن الوطن ومصداقية نوّابه الذين يشرعون فى وضع دستوره!.
كل هذه الأحداث ما كنت لأوردها على سبيل الجزم بكذب النائب وسقطاته التى لا تغتفر لأنها مازالت قيد تحقيق، لولا أن الأنباء توالت وقرأت لتوّى خبراً على بوابة الوفد مفاده استقالة النائب من البرلمان، وإسقاط عضويته من حزب النور، واعتذاره الذى يحمل ضمناً اعترافاً بكل ما أقره الطبيب وطاقمه!.
أما عن تعامل الحزب أو الجماعة التى ينتمى إليها العضو مع الحدث فلا تختلف عن النهج الذى التزمه حزب النور منذ خروجه إلى الساحة السياسية. فهو يسارع دائماً على لسان متحدثه الرسمى بتنزيه الحزب عن أية سقطة لأعضائه، كما يبادر بتقديم أى عضو
ربما لو استقرت التجربة الديمقراطية الحزبية لهذا الكيان الناشئ المسمى بحزب النور، وأصبح لديه رصيد من العمل العام كذلك الذى يمتلكه حزب العمال البريطانى مثلاً، أقول ربما أصبح القرار المؤسسى للحزب أقوى وأعظم من قرار العضو، لكن بالتأكيد هذا القدر من النضج السياسى لم تولد به الأحزاب، كما أن هذا التجريح والإقصاء لا يستجيب له أى إنسان عاقل لمجرد الالتزام الحزبى! خاصة إذا اشتمل القرار على عزل من الحزب وخلع من كل شئ! فهل يمكن تفسير ذلك بأن النائب قد شعر بذنبه، وأنه عاد فجأة إلى رشده فتاب توبة سينمائية كتلك التى كادت تشل أيدى فريد شوقى فى فيلم "جعلونى مجرماً"؟! أعتقد أن تفسير هذا الحدث والأحداث المتشابهة فى حاجة إلى مزيد من العمق والتحليل من ذلك الذى يطويه خيال مؤلفى الدراما. لكن المؤكد أن اللحى أو "الذقون" كما اصطلح الشارع على تسميتها قد أصبحت فى مصر على ثلاث صور، لحية العالم، ولحية الجاهل المقلّد ولحية الجاهل المدّعى. وقديماً قال أبو الطيب المتنبّى:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟