إخوان "الصفا" وخلاّن "الانتباه"!!
كنت صغيراً ألهو وأصحابى حينما كان أحدهم يشتبك مع أقربهم إلىّ صداقة وألفة، فما يكون منى إلا مقاطعة هذا المتنمّر نصرة لصديقى الأثير، رغم ما كان يحدثه هذا الشقاق من ألم نفسى يصيبنى على أثر حرمانى من أشكال مختلفة من اللهو. لكن صديقى المقرّب الذى طالما ورّطنى فى شجاره سرعان ما يعقد صلحاً منفرداً مع جارنا المتنمّر! فيلهوان سوياً، وأبقى أنا محروماً من لهو الصبيان، متمسكاً بموقف اتخذته انتصاراً لقيم رسخت فى ضميرى منذ النشأة الأولى.
هذا المشهد استعرته من ذكريات الطفولة البريئة بعد أن بات يلحّ علىّ مؤخراً لما فيه من أوجه تشابه مع موقف الإخوان المسلمين من الثورة المصرية وعموم الشعب. كأنى بهؤلاء الإخوان أرى صديقى الذى ذكرته صاحب الصلح المنفرد، وكأن أركان النظام القديم وبقاياه هم الجار المتنمّر الشرس الذى يشتبك مع الصديق، بينما رأيت نفسى صغيراً أشبه بعموم الشعب الذين خرجوا من ديارهم منتصرين لقيم الحق والعدل والمساواة، رافضين تأبّد نظام باطش قمعى فاسد، اجتمعت له صنوف الرداءة كما لم تجتمع لمخلوق!. كم كان "الإخوان" عرضة لبطش هذا القامع، كم لبثوا فى مكره وفتكه وسجونه ما لا يحتمله بشر، وكم هّبت جموع الشعب الأبىّ لنصرة رفيق الكفاح أو من كانوا يحسبونه كذلك! محدثين شقاقاً لا ينتظر العودة، وصدعاً لا يقبل الرأب. فإذا بالإخوان يلقون وراءهم بهذه التضحية، وإذا بهم يهرولون إلى جلاّدهم بإشارة من إصبعه، وإذا بهم يتخذون من معاداة ناصرهم الوحيد قرباناً لهذا الجلاّد الباطش! فيا قوم لا يجرمنّكم حب السلطة أن يصيبكم مثل ما أصاب آباءكم فى عهد عبد الناصر، أو عهد السادات، وما عهد مبارك منكم ببعيد.
أما عنوان المقال فهو خاطرة أردت بها إبراز التضاد لا التشابه كما قدّمت فى رواية الطفولة، فمن يقرأ رسائل من عرفوا تاريخياً بـ"إخوان الصفا وخلاّن الوفا" يجد تاريخاً مشرفاً
لكن نسيت أن أخبرك أيها القارئ العزيز أننى حينما مللت حيلة صديق الطفولة وهرولته إلى الجار المتنمّر صرت لا آبه لما يصنعه به هذا الأخير، بل صرت أحتال عليهما معاً، فأقيم صلحاً مميزاً مع الجار المتنمّر الذى عادة ما كان يميل إلى صحبتى ويؤثرها، ويزهد كلانا فى هذا الثالث الضعيف ذى الوجهين.