رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المعونة "الحسّانية"!!

إذا استطعنا التحوّل بمصر من اقتصاد قائم على الصدقات والمعونات إلى اقتصاد إنتاجى ذى عوائد مستمرة ومتنامية، نكون قد أحدثنا ثورة اقتصادية تواكب ثورة الضمير التى انطلقت فى يناير 2011 ومازالت مستمرة. فالاقتصاد المصرى تعرّض إلى تجريف وتخريب

عبر عقود من الإهمال والجهل والإخفاق، ومازلنا نتحدث عن المعونة الأمريكية التى نريد استبدالها بحملة لجمع التبرعات والمنح المحلية!! وبغض النظر عن طبيعة الدعوة وصاحبها ومصادر تمويلها التى قد تبدو محلية فى ظاهرها، فإن الجدل الثائر حولها فى المجتمع يدور فى موضوع غير الموضوع، وحول سلبيات وإيجابيات غير تلك التى انتظرت عبثاً أن يلتفت إليها المتجادلون المتنابذون.
فإذا كان الشيخ محمد حسّان قد ولى أمر المصريين رغماً عنهم، وبتفويض من وكلاء رئيس مخلوع، فإن ممارسته مهام الشرطة والنيابة والقضاء شأن، وتصديه لأمور حساسة تتعلّق بالسيادة المصرية كمستقبل العلاقات الدولية ومصادر تمويل الاقتصاد القومى شأن آخر، خاصة وأن هذه الدعوة لاستبدال المعونة الأمريكية بمصادر أخرى لا تخلو من شبهة مغازلة المجلس العسكرى الذى اصطدم بالولايات المتحدة فى معركة ملتبسة نصيبنا نحن الشعب من تفاصيلها قليل للغاية، وإذا تباينت نظرتنا جميعاً إلى مسألة التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى، فلا ينبغى أن تختلف نظرتنا إلى الحقوق المدنية والإنسانية التى ظهر المجلس الحاكم مخترقاً إياها أكثر من مرة خلال عام من حكمه البئيس، دون وجود كوابح حقيقية تحول دون تغوّله ضد المواطنين سوى مظاهرات الميدان وتنديد الشعوب الغربية وما يحدثه من ضغوط على حكوماتها.
أخشى أن ننزلق إلى الحشد الذى يصنعه العسكر ضد القوى الغربية، فينجح مخططه الماكر فى عزل مصر كما أراد الطغاة جميعاً عزل مجتمعاتهم. وأكره أن أقول أن هذه العزلة لولا قطعها حلف الناتو فى حربه ضد وحشية القذافى لما تحررت ليبيا من بطشه بهذه السرعة، ولما حقنت دماء مئات الآلاف إن ظل الطاغية المجنون يريقها بحرية طوال أشهر الثورة الليبية. لا ننسى أيضاً دعاية بشار الأسد لحشد السوريين ضد مواطنيهم العزّل بحجة أنهم يستصرخون العالم أو ما بقى فيه من إنسانية تتخطى حدود القوميات لنجدتهم من بطش وتنكيل هذا القاتل اللذين يمارسهما يومياً ضد السوريين العزّل. وما حكم مبارك منكم ببعيد، فقد كان يعيش شهر عسل دائم مع الإدارات الأمريكية بل والإسرائيلية المتعاقبة، ثم سرعان ما يضعهم فى خانة الأعداء إذا ما أراد حشد الشعب الطيب خلفه ضد عدو مشترك، وللأسف عادة ما ينشط هذا الاستعداء والتعبئة ضد أمريكا فى المناسبات النادرة التى تنحاز خلالها الإدارة الأمريكية -بضغط من مجتمعها المدنى- للشعب المصرى ضد نظامه المستبد. أما حينما يعقد نظام مبارك صفقات مع الغرب وإسرائيل لترسيخ حكمه أو لإثرائه هو ونخبته الحاكمة على حساب الشعب المصرى الفقير وثرواته ونفطه وغازه الطبيعى فإن كلباً من حرّاس النظام الساقط لا ينبح فى وجه أمريكا، ولا يطلق صيحات الحرب ضدها!!.  العجيب أن هذه الحيلة المكشوفة المبتذلة لطغاة العرب المختلفين مازالت تنتج أثرها المرجو، ومازالت تنطلى على الشعوب، أو قل على معظمهم، فإذا بالعدو الألد الأقرب يستكثر من الأعوان فى صفوف ضحاياه ضد عدو لهم هو أقل خطراً وأبعد شراً فى أكثر أوقاته انحيازاً إلى الضحايا المساكين!!.
أما من الناحية الاقتصادية فقد كنا بالأمس نسخر من دعوات التبرع لسداد ديون مصر، والتى كانت تشمل القطر كله بما فيه من أغلبية ساحقة تقع تحت خط الفقر وحوله، ومع ذلك فهى دعوات مقبولة

من الناحية الاقتصادية، لأن الديون هى عبارة عن رصيد يمكن نظرياً التخلّص منه ومن تدفقات فوائده إذا ما تم سداده دفعة واحدة بمبلغ من التبرعات، لكن المعونة الأمريكية التى يدفعها الشعب الأمريكى إلى نظيره المصرى الذى يدعمه بدوره ويردها مضاعفة إليه كأحد أكبر الأسواق استهلاكاً لمنتجاته وخدماته، هى عبارة عن تدفقات سنوية، إذا أردنا إحلالها بمصدر محلى، فسوف يتطلب ذلك إنشاء صندوق بأصول وموجودات تدر عوائد (مقبولة شرعاً طبعاً) يمكنها أن تغطى مبلغ المعونة الأمريكية لمصر، أى يتطلب ذلك تجميع أموال يتجاوز مجموعها حجم المعونة الأمريكية بنحو عشرة أمثال على الأقل! فلو كان ذلك ميسوراً للشعب المصرى الفقير لكان الأسهل والأجدى أن تُضَخ تلك الأموال المصرية الخالصة مباشرة فى مشروعات إنتاجية توفر الملايين من فرص العمل، وتعطى إيرادات استثمارية تفوق أية إيرادات لصناديق استثمار، ولكان من المضمون أن تستثمر غالبية هذه الأموال داخل السوق المصرية خلافاً لصناديق الاستثمار التى قد تنشأ بغرض إحلال المعونة، فمن المتوقع أن تذهب أموالها لشراء أصول أجنبية –ربما أمريكية!- خاصة فى غيبة هيكل إنتاجى مصرى يمكنه استيعاب هذه الأموال فى الوقت الراهن، وإلا سرعان ما تتحول الأموال التى لا يقابلها إنتاج إلى تضخم يزيد من أعباء المواطنين ومعاناتهم.
إذن لو أمكن أن تتوافر الأموال المطلوبة لسد باب المعونة الأمريكية، لكان من الأفضل أن تتجه إلى مجالات الاستثمار المباشر، عوضاً عن استثمارات الحافظة، وعن صناديق النذور التى يطوف بها مشايخ الدعوة السلفية، معتقدين أن شعبيتهم التى اكتسبوها فى عصور الظلام "المباركية" أعطتهم الحق فى التصرف فى مختلف شئون البلاد والعباد.
لا نسوّغ بهذا الحديث معونة الأمريكان أو العرب أو أى بلد كائناً ما كان لمصر العظيمة، التى طالما أطعمت العالم وكسته. لكننا نصحح دعوة ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب والكيد بالشعب المصرى، وندعو إلى سرعة انتقال مصر من دولة تابعة، إلى دولة رائدة قائدة بكل ما تحمله الكلمة من معانى سياسية واقتصادية واجتماعية، حتى يتحقق لها استقلالها ونهضتها واستغناؤها عن العالمين. ولن يتأتى ذلك تحت حكم عسكرى قمعى، أو فى ظل دولة متعصّبة، تتظاهر وتتاجر بالدين وتبطن الجهالة والخديعة، ولكن فى ظل دولة مدنية ديمقراطية عصرية، ترفع مقام العلم والعمل، وتعلى من شأن الحقوق والحريات.