رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عام على ثورة الضمير

عام 2011 هو عام يحفل بالكثير من المخاطر ويكشف عن الكثير من الأزمات، فقد عشنا فى عهد مبارك بوهم الأمن ووهم الاستقرار ولم ننعم بأى منهما. كان الأمن فى عهد ما قبل ثورة 25 يناير أمناً للنظام، حسبك أن تذهب إلى قسم الشرطة بدون واسطة كى تدرك ذلك، أما الاستقرار المزعوم فقد كان حالة من الموات، هو استقرار دون الصفر الاستعمارى

(الذى تحدث عنه أحد الكتاب السوريين فى السابق) ومعدلات مرتفعة نسبياً للنمو الاقتصادى يجنى ثمارها حفنة من المحاسيب ولا تصل إلى المواطن العادى. ما الذى حدث إذن حتى تتفجر هذه الأزمات بصورة نحسبها مخيفة ومفزعة، يبدو أن قطاعاً أوسع من المتضررين قد انضم إلى صفوف البؤساء، وكان من هؤلاء المنضّمين الجدد أصحاب رأى وصناعة جعلهم الله أكثر نفيراً ممن سواهم، علماً بأن درجة البؤس التى لحقت بهؤلاء لا يمكن مقارنتها بمن يعيشون تحت خط الفقر –بل تحت المستوى الآدمى للمعيشة- ويقدّرون بالملايين التى تغص بها العشوائيات والقرى المعدمة والتى أصبحت جميعاً مصانع للبلطجية تعمل بطاقاتها القصوى.
فهل فعلت الثورة بهؤلاء كل هذا؟!! بالطبع لا، فقد تراكمت خطايا العهد المبارك –غير المبارك- حتى صنعت وحشاً تواريه تلال من المعلومات الفاسدة والمتضاربة التى صنعت جميعاً تلك الأوهام التى نتحدث عنها. فلم تصنع الثورة سوى أنها كشفت سوءات هذا العهد، وأزاحت أستار الكذب والتضليل والتجميل عن المعلومات فأشارت بأيدى قوية إلى موضع الألم. هل كان هناك أزمات سيولة وتضخم وعجز مزمن فى الميزان التجارى وغياب مؤسف لفلسفة التوزيع العادل للثروات فى عهد مبارك؟ الإجابة نعم. هل كانت الاستثمارات الأجنبية تأتى بشروط أقرب إلى الامتياز الأجنبى فى عهود الاستعمار ثم تمضى مسرعة مع أى هزة فى الثقة، سواءً أكان مصدرها محلياً أو إقليمياً أو عالمياً؟ الإجابة نعم أيضاً، وصافى استثمارات الحافظة الأجنبية يخبرنا بذلك فى عام 2008/2009 حيث كانت أسوأ بكثير من وضعها فى العام الحالى. ثم هل كان نظام مبارك محصناً ضد المخاطر؟ على العكس، فقد استحدثت بعض وكالات التصنيف الائتمانى العالمية نوعاً من المخاطر خاص بمصر فى عهد مبارك أطلقت عليه "مخاطر النائب" أو deputy risk، ذلك لأن هذا النظام الديكتاتورى الذى غاب عنه نائب الرئيس، تقل فيه فرص انتقال السلطة بصورة هادئة، وقد صدقت توقّعاتهم، لذا يمكننى أن أقول أن هروب الاستثمارات الأجنبية بهذه السرعة يكشف عن طبيعة هذه الأموال التى كان مبارك ورجاله يعيّروننا باستقطابها، والتى أتت ساخنة لأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمصر لم تكن خافية على هؤلاء المستثمرين وإن اجتهد عناصر النظام السابق فى إخفائها عن المواطن المصرى.
هل أسقطت الثورة شرعية النظام؟ سؤال يكثر فيه الجدل، لكن الواقع يخبرنا بأن شرعية النظام السابق فى البقاء قد سقطت، وأن رأس النظام قد لحق بها فلا يضيرنا الأذناب ترقص رقصة الموت طالما اجتمعت إرادة الشعب على إسقاط النظام. الخلاف والصدام بين عناصر القوى السياسية لا يدور موضوعها إذن حول إسقاط النظام السابق، فقد خرجت الملايين تعلنها صريحة "الشعب يريد إسقاط النظام"، الخلاف مناطه بناء النظام الجديد، فهناك من يريدون نظاماً خلا نظيره منذ أكثر من ألف عام! وهناك من يريده نظاماً ينقلنا إلى مصاف دول أوروبا وأمريكا حيث نستحق وحيث أرادنا الخديوى اسماعيل يوماً ما، وهناك من يريد نظاماً جديداً يحمل الكثير من قسمات

النظام الساقط لكنهم أبداً لا يريدون عودة النظام القديم، والذى تباروا جميعاً فى الهجوم عليه رافضين صفة حماة الثورة مؤثرين عليها صفة شركاء الثورة، والمرء لا يميل إلى المشاركة فى مشروع خاسر. لكن إذا أردت إقصاء أى فصيل عن المشهد السياسى بزعم أنك تملك وحدك مفتاح الأزمات، فسوف يميل هذا الفصيل إلى محاربتك والانقضاض على إنجازاتك وإن كانت فى مصلحة الثورة.
بخلاف وسائل الإعلام، لا أرى ميدان العباسية فى مقابل ميادين التحرير إلا صورة عبثية، فالثورة لم تزل صفاً واحداً حول هدفها الذى لا خلاف عليه ألا وهو "إسقاط النظام"، أما بناء النظام الجديد فقد وقانا الله تعالى شر الجدل حوله فى أيام الثورة الأولى كى يتم نوره ويتم نصره الذى ارتضى. أرى أن طبيعة النظام الاقتصادى لمصر الجديدة هى الأفضل حظاً والأقل خلافاً بين الفرقاء السياسيين، فكلهم تقريباً يقر مبادئ الاقتصاد الحر، التى لا تضيع فيها كرامة البشر وأبجديات العدالة الاجتماعية. لكن الاقتصاد لا يعمل منفصلاً عن السياق السياسى والاجتماعى، فكيف نطلب عائدات من سياحة أجنبية فى بلد يعلن إعلامه أن هناك مخططات لتشكيل ميليشيات لفرض الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟!! الإعلام يلعب الدور الأخطر فى هذه المرحلة، ففى ظل الضبابية التى نعيشها اليوم وغيبة القدرة على التكهّن حتى بالنظام السياسى لمصر المقرر تحديده خلال أشهر من الآن (نحن لا نعلم إن كان الدستور سيرسّخ نظاماً برلمانياً أم رئاسياً أم مختلطاً) فى ظل هذه الضبابية تكون المعلومة سواءً صحّت أو كانت محض شائعة هى العنصر الأهم فى تحديد كافة المتغيرات، بل إن كافة الأسعار -والتى تلعب دور المحرّك للاقتصاد- تكون دالة فى المعلومات وحسب، لأن كل شئ لا يمكن التثبّت من صحته بشكل قاطع لا الإنتاج ولا عودة الأمن ولا عودة النشاط الاقتصادى إلا بالقدر الذى تخبرنا به وسائل نشر المعلومات، على أن تكون هذه الوسائل ذات مصداقية.
خلاصة الأمر، لا يمكن مقارنة الثورة بما قبلها كما لا يمكن مقارنة الحلم باليقظة،  ناهيك عن كون الحلم قد تحوّل إلى سلسلة من الكوابيس يعانيها البسطاء، أما وقد أيقظنا الله لنرى ما صرنا إليه فعلينا تغيير الواقع بكل ما أوتينا من قدرة على التغيير.
-----
خبير اقتصادى