رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الانتخابات البرلمانية..نجاح التجربة وغموض الهدف

لم تكد ساعات تمر على بدء تصويت المصريين فى أولى جولات انتخابات مجلس الشعب، حتى لاحت بشائر نجاح التجربة الديمقراطية، ورسخ فى ضمائر جموع الناخبين أن النصر الحقيقى حازه الشعب كله لمجرد النزول من البيوت ومحال العمل للإدلاء بالأصوات ،قاهرين ظروف الطقس السئ،وامتداد الطوابير التى لم يعتدها المصريون إلا للحصول على المواد التموينية.

كأنى بالبسمة فى عيون الناس فرحين بحق أصيل أعاده الله إليهم بعد طول انتظار ألمح فرحة طفل صغير استرد كرة أضاعها منذ زمن فى شرفة بيت مهجور. وإنك لتجد الرجل المسن والمرأة المقعدة يخفّان إلى المقار الانتخابية، كأنما قد استردا شيئاً غالياً من سنى الصبى والفتوة، شيئاً من الفخر والعزةسُلِب منذ ستة عقود وعاد اليوم كأن لم يغب طرفة عين. هى واقع نحياه إذن تلك الحرية المنتزعة، ليس حلماً لطيفاً عشناه فى مارس الماضى يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية!. ذلك بعض مما دار بخلد المصريين خلال ساعات طوال أمام صناديق الانتخاب. لكن التجربة وإن لم تكتمل لنحكم على نجاحها من عدمه قد استغرقتنا بتفاصيلها كما فعل بنا الاستفتاء المذكور، فإذا الانتخابات مِران ممتع ورياضة تهفو إليها نفوس عطشى لهذا المران ولتلك الرياضة، حتى إذا ما اكتملت وقضى الإنسان منها حاجته راح يبحث عن أثرها فى بنائه وأخذ يتحسس بيده مواضع العضلات والفقرات. فالرياضة الانتخابية التى نمارسها ممتعة تورث الفخر وتعلّم الصبر والإيثار فى الطابور، لكنها أبداً لا تأتى على الناخب بعائدها المبتغى! ففى استفتاء مارس العجيب تمخّض الاستفتاء عن انشقاق صف الشعب الثائر لغير هدف واضح، وراح المجلس العسكرى يرسم طريقاً ثالثاً حاد به عن نتيجة الاستفتاء، بل واقترب بحياده إلى رأى الأقلية الرافضة لتعديل الدستور! وأضاعت مصر الثورة على أثر هذا المران زهاء تسعة أشهر كانت الأرض فيها حبلى بالأحداث الجسام، وبتراجع ملحوظ عن أهداف إسقاط نظام مبارك الخبيث، بل وباضطهاد للثورة والثوار، واتخذ الاستفتاء الكئيب ملاذاً للعسكر وحمّلوه من معانى الشرعية المكتسبة مالا يحتمل!. تلك إذن رياضة ضارة تنهك العضلات وتمزّق الأنسجة وإن كانت ممتعة لممارسيها وقت التريّض.
كذلك هرع المصريون وأنا منهم إلى صناديق الاقتراع على البرلمان الجديد الذى نعت ببرلمان الثورة، فأخذتنا التجربة وأحببنا الرياضة والممارسة الانتخابية لكننا لم نقف مجدداً على عائد تلك الرياضة على بنائنا!. فمجلس الشعب الذى ننتخب وبدون الدخول فى تفاصيل تركيبته المتوقعة، لأن كافة التوقعات تضعف أمام الكتلة الانتخابية الجديدة وظهور لاعبين جدد على المسرح السياسى، هو مجلس تشريعى يمارس دوراً رقابياً يحكمه دستور 1971 وتعديلاته التى لم تضف إلى المجلس شيئاً فى هذا الدور، ودستور 71 هو تأصيل لنظام جمهورى فرعونى، ولا أقول رئاسى أو شبه رئاسى كما كان يدّعى سدنة فرعون. ولمّا كان رأى الأغلبية قد انحاز فى الاستفتاء المشئوم إلى وجوب التعديل، بقى الدستور قائماً بكل سوءاته فى الإعلان الدستورى الجديد. إذن والحال هكذا فإن رئيس الجمهورية فى مصر يظل حكَمَاً بين السلطات، يعلو بسلطته السلطتين التشريعية والقضائية، ولمّا كانت سلطة الرئيس فى يد المجلس العسكرى يجمعها مع سلطة البرلمان، فإن تسليم المجلس العسكرى للمجلس النيابى المنتخب دورى التشريع والرقابة تحت مظلة السلطة التشريعية يصبح فى حكم العبث، ذلك لأن الأزمات التى تشهدها البلاد ويحتمل وزرها ميادين التحرير-صاحبة الثورة والحقوق المنتزعة على أثرها- هى أزمات تتعلّق بالأمن وبالاستقرار الاقتصادى، وهما من صلب اختصاص السلطة التنفيذية، والتى لن يتم تسليمها للبرلمان، ولن يتأتى للبرلمان تشكيل حكومة من أغلبيته المنتخبة أسوة بالنظام البرلمانى الذى حكم مصر من قبل بموجب دستور 1923. بل إن التعويل على هذا البرلمان للقيام بدور تشريعى، فى هذه الفترة الانتقالية الحرجة من عمر البلاد، هو أمر عبثى أيضاً، فليس التشريع على رأس أولوياتهذه المرحلة.
أما عن الدور الرقابى لمجلس الشعب المنتظر، فعلى من يراقب هذا

البرلمان؟ إن رئيس الحكومة الذى يملك البرلمان سؤاله واستجوابه لا يعدو أن يكون سكرتيراً تنفيذياً للرئيس وفقاً للنظام الرئاسى –ناهيك عن كونه فرعونياً- ولا يُسمح للبرلمان بالرقابة على أعمال الرئيس، الذى يمثله المجلس العسكرى حتى إشعار آخر!. بل إن تصريحات بعض أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى تفسيرها للإعلان الدستورى الذى يحكم البلاد حالياً ينزع عن البرلمان الجديد صلاحيات موجودة نظرياً وإن لم تستخدم فى دستور 1971، تلك التى تسمح بطرح الثقة عن الحكومة، هذا إذا تغاضينا عن كون الحكومة تباشر عملاً مساعداً للرئيس وتحصل على صلاحيات مفوّضة منه ويملك حق إقالتها فى أى وقت وتشكيلها من أى فصيل!!.
ما الحل إذن؟ الحل الأمثل كان تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، كما كان الحل الأسبق على طرح التعديلات الدستورية للاستفتاء هو وضع دستور جديد للبلاد قبل أية انتخابات، لكننا نضل الطريق بعد أن ندفع دفعاً نحو اتجاه عجيب ثم يغيب عن رؤية معظمنا الفرق بين السبب والنتيجة، فمازلنا بعد ثورتنا الأسطورية التى تغنى بها القاصى والدانى نلقى باللائمة على الطرف الضعيف وإن كان الحق فى جانبه.نسلخه بألسنة حداد لأننا نملك معاتبته ومساءلته، ولا نملك مخاصمة القوى المتجبر!، فميدان التحرير هو المسئول عن مقتل شهداء معارك شارع محمد محمود،لأن روّاده يصرّون على تسليم العسكر للحكم المسلوب!، وشهداء ماسبيرو، الذين وطئتهم عربات الجيش، هم المخطئون لأنهم وقفوا أمامها فى تظاهرة سلمية!،وشباب الثورة هو المدانون لأنهم يتمسكون بحق الشهداء ويسقط منهم العشرات فى سبيل تحقيق أهداف الثورة المنتزعة جميعاً بالمليونيات لا بمبادرة من المجلس العسكرى!..إلى غير ذلك من مغالطات، فإذا عثرت البلاد اقتصادياً أو أمنياً فإن المجلس العسكرى الذى يملك فى يده سلطات شبه إلهية (استغفر الله) هو آخر من تشير إليه أصابع الاتهام فى عُرف الكثيرين.
لكن يبقى الحل فى ممكناً إذا ما عدنا إلى روح الثورة ومثاليتها، وإذا أدركنا أن الشك دائماً من حسن الفطن، وأن نظام مبارك مازال يقاتل بشراسة كل قوى الثورة بينما بدأت قوى الثورة تأكل فى نفسها. علينا أن نضع خارطة الطريق وأن نمليها على المجلس العسكرى غير منتقصين من قدر المؤسسة العسكرية شيئاً، مدركين أن هذا القدر الكريم هو هبة الشعب للجيش وأن الأمة هى مصدر السلطات.
إن ميدان التحرير يزخر اليوم بشباب أنقياء أتقياء، هم فى الحقيقة ليسوا كشباب 25 يناير، فقد صاروا أكثر حدة وغلظة اكتسبوها من قسوة الشارع ومواجهات الرصاص والغازات الحارقة، فاتقوا الله يا من تختصمون الشهداء بجناية قاتليهم فلستم أمام الله سواء.