عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطشان يا صبايا.. دلونى على نهر النيل

نهر النيل عبده المصريون القدماء واتخذوا منه إلهاً.. إنه الخير والنماء والحياة.. وبهذه الصفة المقدسة كان لابد للمصريين أن يقدموا له «قرباناً» اعترافاً بألوهيته.. فكان الاختيار الذي يليق بعبادة الإله أن تختار أجمل فتيات المدينة لتقدم.. مهراً.. للإله العظيم، وهكذا كان العطاء وكانت الحياة وكان النيل يجري وفوقه السفن.

. الحسان.. مختالة علي صفحاته، من أقصي الجنوب إلي أقصي الشمال، وإذ نقف عند هذا المعني المقدس فقد كان للنيل ومجراه وما يحوطه من نخل باسقات.. لها طلع نضيد رزقاً للعباد.. وإن كان النيل مصدر جاذبية لكل شيء في دنيانا.. جميل.. ومن هنا كان.. ملهماً.. لأصحاب المشاعر الدفاقة بعشق الحياة وهم.. طبقة الشعراء.. وكانوا يغنون أغانيهم غزلاً عفيفاً في خطب ود النيل.. وكل منهم يتجدد بعشقه مع النيل.. ومصدر الإلهام.. وقال قائل منهم:
يا نيل هيئ لي خميلة صيدح
أسمعك ألحاني بها وغنائي
وعلي النيل يا ابن النيل ألقي شراعنا
وقل للياليه الهنيئة عودي
ومواكب الشعراء في جانب ومصدر الرزق والنماء في جانب آخر، إنه.. الفلاح المصري.. زارع الخير بمياه النيل وأيضاً.. «المبتسمون تبسم الشهداء».. يزرع البذور في الأرض، وتخرج الأرض ما في بطنها فيكون الزرع الأخضر، الأشجار والثمار، وخيرات الوجود كله كان منك يا نهر النيل.
ولم يقف الأمر بعنصر الإلهام هذا وإنما للنيل الجميل المنساب منذ العصر القديم.
ما أثار دهشة المؤرخين الذين وفدوا إلي مصر وكانت حسب إجماع المؤرخين «ضيعة الحقل الخصيب»، وهي للدنيا قاطبة «البقرة الحلوب» ومن هنا كانت ذات جاذبية لكافة الشعوب الذين جاءوا زحفاً مقدساً للحج إلي «مصدر الخير والحب والنماء.
وبهذا وبفضل النيل كانت السعادة تملأ كل دروب الوادي الخصيب في شمال البلاد وجنوبها وشرقها وغربها.. فهي عطاء أبدي لقطرات النيل من.. المهد إلي اللحد.. هي كما عبر عنها المؤرخ اليوناني الذي جاء إلي مصر وعاش علي واديها وعرف الخير في جنباتها يجري إلي.. مستقر لها.. فهي - أي مصر - كما عبر عن ذلك في القرن الأول الميلادي المؤرخ هيرودوت «مصر هبة النيل» بل هي النيل ذاته.. علي جنباته كتبت آيات بينات لأعظم حضارة سجلها كتاب الخالدين.
بفضل النيل عرفت مصر أعظم نظام إداري واجتماعي واقتصادي كما عبر عن ذلك المؤرخ الإيطالي «أرانجو رويز» في مؤلفه عن النظم الاجتماعية والقانونية والإدارية في مصر الفرعونية.
وقد جاء العالم الأثري «باتوريه» مع أستاذه أول مدير لدار الآثار المصرية الفرنسي «ديفييون» حين قدم باتوريه في رسالة الدكتوراه عن دور نهر النيل في الاقتصاد المصري

والنمو الاجتماعي وفي مقدمته تكلم عن الشخصية القانونية للمرأة المصرية ودورها الإيجابي في مساعدة زوجها في الأراضي الزراعية.. حيث كانت الأولي في العالمين التي عرفت فن الزراعة.. كانت وهي تجرف ماء النهر.. نهر النيل.. وتسقي الأرض وتنتظر الثمار من الرب.
كل هذه المعاني عالية المقام طافت بخلدي وأنا أشاهد في ألم وغضب ما يحاوله الجيران في محاولة لطمس ما صنعه الإله، لشعب مصر الودود أو كما عبر عنهم «هيرودوت» بأن «الشعب المصري الذي يرتوي من مياه النيل أكبر شعوب العالم حرية وسلاماً وكرماً مضيافاً».
ونختتم هذه الدوحة عشقاً وحباً وفداء لنهرنا الخالد مع شعرائنا في الزمن الجميل.. أعظم ما قيل حباً وشوقاً واعترافاً بعظمة النيل ما كان من أمر أمير شعرائنا أحمد شوقي في منفاه إلي شاعر النيل حافظ إبراهيم:
خاطب شوقي شاعر النيل بالآتي:
يا ساكني مصر إن لا تزال علي
عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا
هلا بعثتم لنا من ماء نهركم
شيئاً نبل به أحشاء صادينا؟
كل المناهل بعد النيل آسفة
ما أبعد النيل إلا عن أمانينا
وجاء رد حافظ إبراهيم شاعر النيل حينما شعر بأن شوقي في منفاه مشتاق إلي نهر النيل ومائه العذب:
عجبت للنيل يدري أن بلبله
صاد ويسقي ربا مصر ويسقينا
والله ما طاب للأصحاب مورده
ولا ارتضوا بعدكم من عيشهم لينا
لم تنأ عنه وإن فارقت شاطئه
وقد نأينا وإن كنا مقيمينا
ومن جانبنا نقسم وما أعظمه من قسم: والله.. والله ما استطاع أحد - أي أحد - أن يمس قدسية وادينا، وسيظل نيلنا فخر حضارتنا أبد الآبدين ودهر الداهرين إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
ودائماً وأبداً إلي لقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان.