رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قليل من العك..كثير من العقل

 

تعيش مصر اليوم في أجواء مرحلة انتقالية، خرجت إليها للتو من عهود طويلة من الفساد والاستبداد، وأي مجتمع تطول تلك العهود به عقودا كما هو الحال في مصر، تفسد فيه أشياء كثيرة، لكن أخطر ما يفسد فيه هم أفراد المجتمع وتشكيلاته الاجتماعية، يصيب كل منهم قدرا من هذا الفساد، ويتعافى منه بقدر ما توافرت لديه من عوامل الصحة، لكن الأمر المتيقن أن هذا الوطن وذلك المجتمع إذا وجد نفسه فجأة في أجواء مفتوحة تهب عليه النسمات أحيانا والرياح العاتية أحيانا أخرى، لابد وأن يكتنف مسيرته قدر لا بأس به من العك إذا جاز التعبير، لكنه مطالب في نفس الوقت بأن يتحلى بقدر أكبر من العقل، وتتبدى مظاهر العك في مصر الآن في:

 

-  غياب الأولويات: إذ أن مصر كانت أشبه بمريض شارف على الهلاك، فنهض فريق طبي على أعلى مستوى لإنقاذ حياته، فإذا بأهل المريض يقبلون فرادى وجماعات يطلب كل منهم علاج عضو أو جهاز من جسده الآن.. الآن وليس غدا، وهذا لون من ألوان العك، فلو أن الفريق الطبي رضخ لمطالبهم لتدهورت حالة المريض وهلك لا محالة، لكنهم لو تحلوا بالعقل واتفقوا جميعا، أطباء وأهل مريض على أن يضعوا برنامجا علاجيا يمكنهم به علاج الأهم فالمهم لتجاوز المريض أزمته وعوفي.

-  ارتباك الخطوات: فبعد أن زال كل سبب قاهر يمنع الناس من التفكير والحديث والفعل الحر، وجد الناس أنفسهم بلا أي ضابط ولا أي رابط طلقاء أحرار فذهبوا يتخبطون يمينا ويسارا، تذهب أفكارهم كل مذهب، وتنطق ألسنتهم بكل ما يجول بخواطرهم، ويأخذون من الخطوات ذات اليمين وذات الشمال، وتنطلق آمالهم لتبلغ عنان السماء، فيتجمعون ويتفرقون في الشارع السياسي على أهون الأسباب، ويظن كل واحد منهم أنه قادر على أن ينشئ حزبا، وأن يترشح رئيسا، وهذا كله عك لا بأس به لمجتمع لا زال يحبو على الطريق السريع للحرية، لكن ينتظر منه مع الأيام أن يعقل ما يفكر وينطق ويفعل ويحلم ويختار.

-  خنادق الأيديولوجيات: أجبرنا جميعا في ظل طول عهود الفساد والاستبداد على أن نتخندق في مخابئ الأيديولوجيا والتنظيم، وهو وضع كانت ربما له

مبرراته، لكن في ظل مجتمع حر، يتحاور ويتفاعل فيه الناس بحرية، لا يصح أن يظل هذا التخندق الذي يحجب على التفكير والسلوك الحر، الذي يعلي الوطن على الفصيل والتيار والمذهب والطائفة وإلا أصبح الوطن ممزقا في لعبة شد الحبل، يغلب فيها اليوم من هو أشد قوة وأكثر تنظيما، بينما يقع الباقون على وجوههم، ويقف هم ليسوا مع هؤلاء ولا أولئك حيرى لا يدرون أي فريق ينصارون.

-  حمى الشائعات: عشنا طويلا في ظل إعلام موجه وأجهزة أمنية متغولة، ولم يشأ النظام السابق أن يغادر حياتنا إلا وذيوله تلعب كما تلعب ذيول الأبراص المقتولة.. إشاعة للفوضى والارتباك وإثارة للفتن، ووقيعة بين الناس، وبلبلة، وهي جميعا أمور ساهمنا فيها بغياب أولوياتنا، وارتباك خطواتنا، وتخندقنا خلف أيديوجياتنا، فصار الكلام المرسل والأخبار المنقولة عن مصدر عليم، أو مطلع لم يشأ أن يذكر اسمه، أو حتى المفبرك من هذا وذاك إضافة إلى عصير الكلام المغرض، كل هذا صنعنا منه شرابا مرا أوشكنا على إدمانه، ونصر على أن يشرب أصدقاؤنا ومعارفنا منه "في صحة الوطن".

يبقى أن كل ما سبق، قليل منه لا بأس به على صحة الوطن، إذ أن أجهزة المناعة الطبيعية فيه قادرة على التعامل معه، لكن العقل الذي هو ملاك جسد الإنسان والوطن، لابد وأن يكون له دور في شحذ وتنبيه جميع خلايا اليقظة فيه حتى لا تتجاوز جرعات ذلك كله حدود الأمان.