رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«صندوق الدنيا» وفساد الأحزاب؟!

لاشك أن أبناء جيلي مازالوا يذكرون كيف كنا نحن صغارا نقطع المسافات الطويلة سيرا علي الأقدام خلف رجل يحمل علي ظهره صندوقا خشبيا ودكة صغيرة لندفع له جزءا من مصروفنا اليومي فنجلس منفردين أو مجتمعين

علي الدكة التي يحملها وننظر من خلال فتحة في الصندوق بعد أن يغطي رؤوسنا بملاءة متصلة نحدق بانبهار في الصور المتتالية داخل الصندوق التي يحركها الرجل يدويا بينما يحكي لنا قصص البطولات الخارقة لأبوزيد الهلالي وعنترة بن شداد والزناتي خليفة وكيف أن كل واحد من هؤلاء كان يطيح بألف رجل في كل ضربة سيف، ويحارب قبيلة بأكملها لكي ينقذ حبيبته التي اختطفها الأعداء ويعلو زئيره جلجلا فيفرون هاربين من أمامه كالفئران.. قصة رامبو العربي التي طورتها السينما الأمريكية في سلسلة من الأفلام تمجد الإنسان الغربي وتذكر العرب دوماببؤسهم وضعفهم وهوانهم علي أنفسهم أولا ثم علي باقي الناس في كل بقاع الأرض، وكانت تلك هي البداية لممارسة بعضنا للرياضات العنيفة مثل الملاكمة والمصارعة حتي نرتقي في سلم الرجال ونزداد طولا ولو بشبر واحد.. وحين شببنا عن الطوق وبدأنا نقرأ الصحف المحترمة التي كانت تصدر في هذا الزمان الجميل اكتشفنا عالما آخر يضم أبطالا من نوع آخر لا يقلون أهمية عن أبطال صندوق الدنيا في السياسة والقانون والاقتصاد والتنمية الاجتماعية والتنظيمات النقابية يزلزلون العروش ويحاسبون الحكام ويدافعون عن الدستور بل ويسقطون النظم المستبدة.

لذلك أعتقد أن الأحزاب السياسية في أي بلد - وبالذات في مصر - كانت ولاتزال «دنيا» لا تحتاج الي صندوق أو الي «غجري» يتولي عملية السرد المشوق لما يجري بعد أن صار ما يدور بداخلها مشاعا يعرفه القاصي والداني وينتشر الكترونيا في ثوان من خلال جماعات التواصل الاجتماعي، وإن كان بعضها لايزال يعتقد أن إخفاء رأسه في الرمال تجعله غير مرئي علي غرار «طاقية الاخفاء» التي كان يرتديها البطل في فيلم يحمل نفس الاسم كنا نتابعه ونتمني أن نجد تلك الطاقية بأي ثمن لكل نفعل ما نريد بعيدا عن أعين الأهل والناس بعيدا عن الحرج أو التأنيب الذي كان ينالنا منه الشيء الكثير، وأحيانا «عمال علي بطال» فقد كان سوء الظن بنا مقدما في كثير من الأحيان علي حسن الظن.. مسرح كبير توزع فيه أدوار البطولة الإنسانية والسياسية التي تدور أمامه في تتابع ينافس الأساطير الاغريقية في عمقها ومآسيها.. أحيانا يكون هناك مخرج واحد يحتكر المسرح السياسي ويجيز ويمنع أي عرض يعرف أنه لن يرضي سيده فيتدخل لتعديل السيناريو ويعيد توزيع الأدوار لكي تخرج المسرحية بالشكل المطلوب الذي يخدم الشعارات المطروحة التي تمجد النظام وتتغني وتتفاخر بإنجازاته مثلما كان يفعل صفوت الشريف، وأحيانا تفرض ضخامة الإنتاج امكانات مخرج واحد فيتصدي لاتمام العمل أكثر من مخرج يحاولون العمل معا كفريق متجانس علي الرغم من أنهم جاءوا من مدارس فنية مختلفة ولذلك يخرج العمل تجريديا يذكرنا بمسرحيات العبث التي لا تشترط وجود قصة ولا حبكة

ولا تسلسل في الأحداث، وإنما مجرد حركة توهم المشاهد أن شيئا ما يحدث وهذا ما نشاهده علي الساحة السياسية الآن.

الفساد السياسي في رأيي بدأ بإفساد الأحزاب في مصر وتحويلها لساحات للصراع - الذي انقلب داميا في بعض الأحيان - بين أعضاء الحزب الواحد، وبين الأحزاب بعضها البعض.. صفقات ووعود وتقسيم للكراسي علي قدر الدور والحجم والوزن وقوة التأثير في الشارع وصنع لزعامات توزع عليها «ماسكات» يضعونها علي وجوههم فيبدون أضخم بكثير من حجمهم، ثم يأتي بعد ذلك سلاح المال فيحدث التزاوج بينه وبين السلطة.. عملية تجميل و«تكبير» لتضاريس الجسم الحزبي في مصر حتي يبدو مؤسسيا ديمقراطيا ليبراليا ذا آليات في عملية اتخاذ القرار علي غير الواقع فيكتمل بذلك ديكور الديمقراطية التي كان نظام حكم مبارك يتغني بها ويروج لاسم مضحك أطلقه علي نفسه وتبنته صحف النظام ظنا منها أن تكرار استخدامه سوف يقنع الناس في مصر المحروسة أنهم يعيشون بحق «أزهي عصور الديمقراطية».

اشتركت بعض الأحزاب ولا شك في جريمة إفساد الحياة السياسية في مصر وبعضها لا يزال يلعب نفس الدور الذي لا يجيد غيره حتي أصبح لا يحتاج الي «ملقن» يسعفه إن نسي الكلام أو شكل الحركة علي المسرح، وكثرت الائتلافات والتكتلات والحركات والفصائل بأسماء مختلفة تخفف بنزقها ورعونتها تركيز العمل السياسي في مصر، وانتشر فلول الحزب الوطني يحملون اللافتات الجديدة بأسماء تلك الأحزاب أو يتسللون الي أحزاب قائمة يشترونها بأموالهم ويحتلون أماكن القيادة فيها لو استطاعوا.. لكل ذلك أقول إن تطهير الحياة السياسية في مصر يبدأ بتطهير الأحزاب لنفسها أولا، وتصفية الفلول الذين نجحوا أو يسعون لتوجيه دفتها الي موانئ الوصول التي يريدون وينقلون ولاءهم بين الأحزاب والائتلافات التي أصبحت تفوق الحصر بالبساطة التي ينتقلون بها بعض «الفكة» التي يحملونها من جيب لآخر.. وحتي يحدث ذلك التطهير الذاتي للأحزاب لابد أن نتوقف عن الكلام عن ديمقراطية حقيقية وحكم مدني وانتخابات نزيهة ودستور يليق بمصر الحديثة.