عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دليل المدير الذكي في الحفاظ علي الوقت

أنظر حولي فأري الحياة والناس تتصرف كما لو كان العمر مشواراً نحدد طوله ونقرر متي وكيف نقطعه.. ألغي الناس عنصر الوقت من حساباتهم وأصبحوا يرتدون الساعات استكمالاً للمظهر العام وليس لحساب الوقت والالتزام به.. أليست نكتة سخيفة أن تحاصرنا أدوات ضبط الوقت في كل مكان نذهب إليه ولكننا نتجاهلها ولا نلتفت إليها؟.. ساعات الحائط في كل مكان.. أجهزة المحمول تظهر الوقت علي الشاشة، والساعات أشكال وألوان نرتديها حول معاصمنا، ولكننا نصر في كل ما نفعل أن نؤكد علي عدم فائدتها وضآلة قيمتها.. حجم الفرص الضائعة عندنا يساوي حجم عدم تنظيم الوقت واحترامه، والخسارة الناتجة عن ذلك جسيمة وهائلة علي المستوي الشخصي والمستوي القومي والإقليمي.. حسن إدارة الوقت ثقافة نفتقدها.. أما »قتل الوقت« فصناعة مصرية تحتل مكاناً مرموقاً في موروثاتنا الثقافية علي كل مستويات وشرائح المجتمع، وتعالوا نأخذ بعض الأمثلة علي تفننا في إهدار الوقت:

أصبنا بما يمكن أن نسميه »شهوة الكلام« حتي لأدهش من الذي يستمع في مصر، خمسة وخمسون مليوناً من المصريين يحملون تليفوناً يصاحبهم في أي وقت وفي أي مكان بصورة مرضية توحي باختراع يسمح بأن يصبح المحمول جزءاً من الأذن حتي لا يضطر أحد إلي تحمل عبء فتح وإغلاق التليفون أو إعادته إلي جيبه أو جرابه حين الرد علي مكالمة أو الانتهاء منها.. شعب يصرف 36 ملياراً علي الكلام كل سنة، ولو حسبنا العائد علي الدخل القومي من وراء ذلك فلن يتجاوز 10٪ والباقي يدخل في جيوب شركات المحمول الثلاث، بالإضافة إلي ما يصرف علي التليفونات الأرضية.. لا يمكن أن نسمي ما يحدث »صناعة الاتصالات« بل نسميها وبحق »صناعة الكلام« ويحق لنا أن نسجل الاسم وحق الاختراع إذا لزم الأمر.

زادت مشكلة المرور تعقيداً لأسباب لا نعلمها بعد ثورة يناير وأصبحت وجعاً قومياً مزمناً يسيطر علي المراكز العصبية لمصر ويصيبها بالشلل في معظم الأحيان بعد أن حظينا بسلوك متحضر في الشارع من قائدي السيارات لأسابيع قليلة عادت بعدها »ريمة لعادتها القديمة« وبحسبة بسيطة للوقت الضائع في الذهاب إلي العمل والعودة أو في حضور اجتماع أو قضاء الحاجات اليومية سوف نكتشف أننا نضيع ربع حياتنا علي الأقل داخل وسائل المواصلات المختلفة أو داخل سياراتنا علي حساب الإنتاج وزيادة الناتج القومي.. بل إن الأخطر من ذلك أننا نحتاج إلي مزيد من الوقت لكي نعالج توابع التلوث الذي يحدثه عادم تلك السيارات بأنواعها المختلفة وموديلاتها القديمة وحالتها المتردية، وسواء أقعدنا المرض في المنزل أو في المستشفي فإن النتيجة المؤكدة أننا نضيع مزيداً من الوقت حين نؤجل الحلول الجذرية للمشاكل فتصبح مزمنة أو مستعصية تحتاج لمزيد من الوقت للتصدي لها.. أكثر من 50٪ من الفاقد في الناتج القومي الإجمالي يرتبط بتصلب شرايين الشارع المصري بصورة تجعل العاصمة تعيش علي جهاز التنفس الصناعي.

عشق الاجتماعات في مؤسساتنا أكبر مضيعة للوقت حيت تتحول تلك الاجتماعات إلي »مكلمات« وفرصة للفضفضة أو لتبادل الاتهامات أحياناً.. وكثير من اجتماعات العمل لا يحدد لها جدول أعمال ولا إطار زمني تبدأ وتنتهي عنده، وحتي لو كان هناك

جدول أعمال فلا مانع من الخروج عليه للأعلي صوتاً الذي يريد أن يفرض إرادته علي الآخرين.. الاجتماعات ما لم تنته بالاتفاق علي شيء وتوزع التكليفات ويتم متابعة تنفيذها تتحول إلي لقاءات نميمة أو مناسبة اجتماعية للدردشة.. أكثر من نصف الوقت المخصص للعمل يضيع في اجتماعات لا لزوم لها لمناقشة موضوعات روتينية بسيطة يمكن التعامل معها واتخاذ قرارات سريعة بشأنها دون إضاعة وقت فريق العمل الذي حضر الاجتماع.. الناس في مصر يحسبون وقت الاجتماع بحساب الفرق بين وقت بدء الاجتماع وانتهائه، ولكن الصحيح هو أن وقت أي اجتماع ينبغي أن يكون حاصل ضرب عدد الحاضرين في الوقت الذي استغرقه الاجتماع.

السرد والتكرار والاستطراد ملامح تحدد نمط التواصل بيننا.. نحن حكائون بطبعنا والقصة التي نحكيها نعيدها أكثر من مرة بسيناريوهات وطرق مختلفة زيادة في التأكد من أن الرسالة التي نريد أن تصل للطرف الآخر.. نفعل ذلك حتي في أبسط الأمور التي لا تحتاج إلي شرح كثير والمقدمات في كثير من الأحيان تكون أطول من الموضوع نفسه ودائماً ما يسرقنا الوقت فلا نجد وقتاً كافياً لقول المفيد بعد أن استهلكنا الوقت في المقدمة للموضوع والتمهيد له.. ويكفي مشاهدة أي برنامج حواري لكي نتأكد من أن ما يدور ليس »حواراً« بين طرفين وإنما عزف منفرد للمتكلم دون أن يلقي بالاً للوقت ولا لحق الآخرين في التعبير عن آرائهم.. ومهما جاهد مقدم البرنامج أو مقدمته لكي تذكر الضيف بأن الوقت يداهمهم، كلما أصر الضيف علي الاستفاضة وتكرار ما قال بطرق أخري، دون مراعاة لحق باقي الضيوف في طرح آرائهم في القضية المثارة، وينتهي الوقت ولا تزال الأسئلة التي بدأ بها النقاش عالقة في الهواء وبذلك يضيع وقت الهواء ووقت المشاهدين علي السواء.. نحن إذن بحاجة إلي إعادة تربية لأسلوب التواصل واحترام الوقت في البيت والعمل والجامعة والشارع في المرحلة القادمة التي نعيد فيها تشكيل مستقبل مصر، وليتنا ندرك أن الوقت هو المورد الوحيد المتاح لنا في الحياة الذي حين نضيعه ونهدره فلا يمكن تعويضه.