عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أصحاب الرسالات.. وأصحاب المعالي(1)

ولكم كل الفضل في أن تأذنوا بمقال أسبوعي باسم "ملفات" أفتح فيه ملفات رائدة لتجارب ودراسات عملية بالأرقام طبقت ونجحت في بلاد أخري لكي نستفيد منها هنا في مصر. وأكرر تهنأتي لكم ولفريق العمل بقيادتكم علي النجاح الباهر في إخراج الوفد الأسبوعي متمنيا لكم دوام التوفيق والنجاح بإذن الله.

لدينا في مصر أكثر من كيان أنشئ في عهد مبارك بأسماء براقة الغرض منها كما أعلن التنمية المجتمعية مثل وزارة السكان والصندون الاجتماعي والمجلس القومي للأمومة والطفولة ووزارة التضامن الاجتماعي.. وزارات ومؤسسات يتبعها هيئات يعمل بها عشرات الألوف من الموظفين ويصرف عليها مئات الملايين كل عام من ميزانية الدولة لكي تحقق أهدافا نبيلة ليتها تحققت ولم تظل أحلاما تراود الخيال ويتم استغلالها في جلب المعونات الخارجية التي تنتفخ بها جيوب رأس النظام وأسرته وأعوانه، والقروض التي تثقل كاهل مصر ويسددها الشعب من قوته دون عائد يسهم ولو بقدر ضئيل في تحسين أحوال الغالبية العظمي من شعبنا العظيم.. انتظرنا من تلك المؤسسات أن تعمل معا في تكامل لو حدث لكنا قضينا علي البطالة والفقر والمرض وغيرها من الأمراض الاجتماعية المزمنة التي ابتلينا بها في عهد مبارك، ولكن المشكلة أن كل تلك الكيانات لم تنشأ أصلا لكي تؤدي أدوارا فاعلة لنهضة الأمة وإنما واجهات تبرر أنشطة زوجة الرئيس المخلوع، أو "الهانم" كما كانوا يسمونها، وديكورات تبرر صرف الميزانيات المليونية علي الاجتماعات والسفر والمؤتمرات وجيوش الموظفين من أصحاب الحظوة أبناء وأقارب ومعارف كبار المسئولين في الدولة من الموجودين خلف القضبان الآن وأتباعهم وذيولهم ممن سيلحقون بهم في القريب العاجل.

أقول ذلك وفي ذهني نموذج لفرد واحد استطاع دون مؤسسات ولا هيئات ولا مجالس قومية ولا حتي مقار مريحة ولا سيارات فارهة أو طائرات يتنقل بها أن يغير أمة بأكملها، ويمسح عن وجهها عار الفقر والأمية والتخلف بمشروع بدأ بسبعة وعشرين دولارا أخرجها الرجل من جيبه وأقرضها دون ضمانات لعدد من فقراء بلده واشترط عليهم أن يسددوها له حين ميسرة.. وثق بهم فلم يخيبوا ظنه وبدأ بهم تجربة رائدة تدرس في كليات الاقتصاد في العالم والمؤسسات المالية العالمية والبنك الدولي إلا في مصر حيث كانت مثل تلك المشروعات تمثل تهديدا لمصالح النخبة وتفوت الفرصة علي اللصوص والنهابين لثروات الشعوب وتقضي علي الفساد والمتاجرة بأحلام الفقراء البسطاء في حياة كريمة.. ظل نظام مبارك يلوم الشعب علي حالة الفقر التي وصلنا إليها (40٪ تحت خط الفقر ومثلهم علي خط الفقر) نظرا لتكاثرنا كما لو كان أي شعب في الدنيا يظل ثابتا علي حاله دون زيادة سكانية، ويعايرنا بافتقاد الحس الوطني لأننا نزيد بمقدار مليون نسمة سنويا كما لو كان ذلك سببا وحجة لتدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وانتشار الأمية وتفشي الأمراض، في الوقت الذي صدعوا به رؤوسنا بخطط التنمية الوهمية.. أقنعونا بأننا دولة فقيرة معدمة جفت مواردها بسبب استهتارنا كشعب يعطل كل خطط التنمية بينما كانت كروشهم تكبر وتتورم من الثروات التي ابتلعوها ولم يكن يتصور أكثر الخيالات جموحا أنها بهذا الحجم وعروشهم تعلو بعيدا عن مستوي الشارع لتبلغ عنان السماء في أبراج عاجية عازلة للصوت تمنع عنهم آهات المظلومين المنهوبين باعتبارهم عورة ينبغي إخفاؤها.

اخترت تجربة بنجلاديش - وترتيبها الثامن من حيث الكثافة السكانية في العالم - لأنها أكثر

فقرا من مصر وتعاني من نفس الأمراض الاجتماعية المزمنة التي خلفها لنا نظام مبارك، لكي نبطل بالعلم كل الأكاذيب التي ابتلعناها خلال ثلاثة عقود مضت.. بنجلاديش التي نتحدث عنها يبلغ تعدادها 140 مليون نسمة (طبقا لتعداد 2000) يعيشون علي مساحة 144 ألف كيلومتر مربع أي أن الكثافة السكانية تبلغ 1000 مواطن في الكيلو متر المربع تقريبا بواقع متر مربع لكل مواطن ويتوقع أن يبلغ عدد السكان 158 مليونا في عام 2011 ويمثل الذكور 53.23٪ من عدد السكان ، والإناث 48.13٪.. أنفصلت مع باكستان عن الهند عام 47 وحصلت علي استقلالها عن باكستان عام 71 وقاست العديد من المجاعات والكوارث الطبيعية ولكنها الآن دولة ديموقراطية برلمانية.

أما الرجل الذي آمن بفكرة وشرع في تنفيذها وأصر علي نجاحها بفكر علمي بسيط ولكنه مخلص ووطني فلم يكن في موقع مسئولية، ولا صاحب منصب رسمي في حكومة بلده، ولا جاه يزيل العوائق من أمامه ويجعله يتخطي عقبات تنوء بها الجبال في سبيل تحقيق الأهداف التي وضعها لنفسه وبدأها منفردا بمغامرة محسوبة.. هذا الرجل هو محمد يونس أستاذ اقتصاد حصل علي الدكتوراه من أمريكا بمنحة دراسية مجانية ولكنه عاد إلي بلده وقريته التي ولد بها لكي ينفذ مشروعه الذي بدأه بسبعة وعشرين دولارا كما قلت، وانتهي بتأسيس بنك للفقراء أسماه "بنك جرامين" أي بنك القرية باللغة البنغالية والذي له الآن أكثر من  1178 فرعا في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ويعمل به ما يزيد علي  11777 موظفا ويبلغ إجمالي القروض الصغيرة التي منحها البنك لعملائه من الفقراء منذ إنشائه في عام 83 حتي الآن 3.9 بليون دولار والذي أصبح شعاره "عالم بلا فقر".. حصل اسم البنك علي جائزة نوبل في العمل الاجتماعي علي اعتبار أن ما تحقق يعد تنمية مجتمعية متكاملة تضافرت في تحقيقها جهود جيش من المؤمنين بالفكرة المصرين علي إنجاحها مهما قابلوا من صعاب وعراقيل وتحديات وأرسوا قواعد ثقافة بنكية جديدة تسمي "القروض متناهية الصغر".. قصة لابد أن تحكي لكي يتضح لنا الفارق بين ما يمكن أن يحققه أصحاب الرسالات من خدام الشعوب، وأصحاب المعالي ممن تخدمهم الشعوب.. وللحديث بقية.

[email protected]