رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأم تحتضر.. والأبناء يقسمون التركة

قديما قال الشاعر: نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا، المشهد قاتم حالك السواد وكئيب ومحبط: مصر مثل الأم التي أفنت حياتها في تربية أبنائها أنهكتها الأمراض وأفقدتها النطق وسقطت طريحة الفراش تنتظر في صبر قضاء الله، تنظر في حسرة

إلي أبنائها الذين تشاغلوا عنها يتجادلون حول التركة ويتصارعون يريد كل منهم أن يضمن نصيبه منها وينتظرون بملل أن يتحقق ذلك في أسرع وقت .. وبين الحين والآخر يخرج صوت عاقل لأخ أو أخت أو عم أو خال يدعو للتعقل والتدبر والالتفات للأم والعناية بها أولا وقبل أي شيء آخر، ولكن ضجيج النقاش والجدال يتصاعد ويغطي علي كل محاولة لإعمال العقل والمنطق.. التعبير علي وجه الأم وفي عينيها مؤلم وقاس ويقطع نياط القلوب ولكن الأبناء تحولوا إلي حواسب آلية يجمعون ويطروحون كشوف الحساب والعائد المنتظر بعد موت الأم.
في إسرائيل لا يمكن أن تري مشهدا مثلما تري.. في مصر عند الاختلاف علي قضية تمس أمن الوطن وسلامته ومصالحه العليا.. تتحد كل القوي أمام الخطر حتي يزول ثم تعود لتختلف في رؤاها وتوجهاتها واستراتيجيتها للوصول إلي الحكم، وفي مصر نجدها فرصة للانتحار الجماعي وتصفية الحسابات والتخوين والإقصاء والاستقطاب والتخريب واغتيال الذات والتجريس ونظن أننا في معركة بين جيوش متحاربة لابد وأن ينتصر أحدها وينهزم الآخرون، وتعمي بصائرنا وأبصارنا فلا نعود نري أن الضحية الوحيدة في كل حرب هي مصر التي يوجه أبناؤها سيوفهم وخناجرهم وطلقاتهم إلي صدرها الذي احتواهم واحتضنهم وقبل في صبر انفلاتهم وجموحهم وعقوقهم.
نتآمر علي مصر ونقع فريسة للدس والوقيعة والتآمر، ويخون البعض حتي قبل أن يقبض مثل الآخرين وتتحول جلساتنا واجتماعاتنا إلي مؤامرات تحاك فيها الخطط للإجهاز علي مصر وكتم أنفاسها وإنهاك قواها وتقييد حركتها، غير مدركين أننا ننقلب علي أنفسنا وننهي بأيدينا أي بادرة استقرار ونضيع في إصرار أحمق أي بارقة أمل في النهوض بمصر وإصلاح ما لحق بها علي يد عصابات تخصصت في تجريف مواردها ومعها مقدراتها ومستقبلها.
حين يتملكنا الغضب نصدق الشائعات ونجري وراء السراب ونحارب طواحين الهواء بسيوف خشبية وتتملكنا عواطف جامحة لتدمير الآخر وإحساسات بالتفوق والبطولات الزائفة نريد أن نزيله من الوجود ما دام الوطن لا يسع سوانا وأننا الأحق بقيادته والتصرف فيه حسب هوانا.. تتملكنا حالة من «فوبيا» الخوف من كل من حولنا والتربص لكل ما يفعلون ويقولون وتفسيره علي أنه موجه ضدنا وأن و اجبنا أن نستبق ونجهض محاولاتهم لإيذائنا والنيل منا، وتستغرقنا دوامات الصراع واحدة وراء الأخري فنظل نقاومها وسط بحر الظلمات الذي ألقينا بأنفسنا فيه دون أن نحسب كم بعدنا عن الشاطئ ولا إذا كنا نستطيع العودة للشاطئ لو أردنا.. الطرق التي نسلكها في إدارة أي صراع أو أزمة في مصر طرق ذات اتجاه واحد لا تسع سوانا ولا تؤدي إلا إلي حوائط مسدودة تجعل وجوهنا للحائط بعد أن تضيق بنا السبل، والحلول الوسط لدينا منعدمة فإما مكسب وإما خسارة علي مقاسنا وبالطريقة والتوقيت الذي نحدده.
شعب قام بأعظم ثورة في تاريخ مصر، وجعل من ميدان التحرير اسما علي مسمي،

واستطاع في ثمانية عشر يوما أن يزيل كابوس حكم طاغية جثم علي أنفاس مصر ثلاثين عاما يخرب وينهب ويروع ويعد العدة لتوريثها لابنه وأحفاده من بعده غنيمة أبدية يظل أهلها عبيدا يعملون لدي السلطان بلقمة العيش ولا يحق لهم أن يطالبوا بأكثر من ذلك، وإذا بنفس الميدان يتحول إلي ساحة قتال ورمز للفوضي والتآمر وتجييش الناس لكي يأكل بعضهم بعضا وتحول الرمز النقي الطاهر إلي بيت للتآمر يستغل فيه كبار الساسة براءة البعض ويلعبون علي إشباع حاجات البعض لمال أو حب زعامة لكي يحققوا أهدافهم ويصفوا حساباتهم.. تراهم يختلفون في كل شيء سوي الإطاحة بمن يقف أمام طموحاتهم وأحلامهم في مجد شخصي أو الوصول إلي السلطة أو فضح فصيل بعينه، وسوف يكشف التاريخ حين تتضح الرؤية وينقشع الظلام أبعاد ما كان يحاك من مؤامرات والضالعين فيها والأموال التي دفعت والجهات التي خططت ونفذت وراقبت ومازالت تضخ أموالها وعملاءها يندسون بيننا ليزيدوا النار اشتعالا.
سوف تنقشع الغمة وسوف تسقط كل الأقنعة لتظهر الوجوه الحقيقية، وسوف تقوم «مفرزة» الوطن بعملية تصنيف لأبنائها، وسوف يفاجأ الأبناء بأن الأم قد تعافت ونهضت لتمشي واثقة الخطي وقد عرفت من منهم إبناءها، ومن منهم البلطجي الذي إندس لينال نصيبا من التركة بادعاء أنه من الأبناء البارين بها، وسوف يعلم الجميع قبل كل ذلك أن المقامرة بمصير وطن ليست مأمونة العواقب دائما، وأن سلوك البلطجة والتآمر لمصلحة نظام أو أنظمة قامت ثورات الربيع العربي لتسقطها لم يعد ممكنا «تدويره» وإعادة إنتاجه، وأن بسطاء الوطن الذين لم تفعل النخبة شيئا دفاعا عنهم وعن حقهم في الحياة غير الكلام قد انحازوا للشرعية وللاستقرار والأمان، بينما يراقبون بالفطرة ويحاسبون بحسهم من قال ومن فعل من المتعلمين والمثقفين وقادة الرأي ومحترفي السياسة، وسوف تقوي سلطة الصندوق ويزيد الوعي بالاحتكام إليه، وسوف يلغي من قاموس مصر مهنة البلطجة بكل أنواعها، وسوف توجه الطاقات إلي العمل والإنتاج بدلا من استنفاد الطاقات في حروب الشوارع والمكاتب والتحالفات واللهاث وراء الفضائيات والخطابة.. كلهم زائلون وتبقي مصر.