رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

اغتيال اللغة العربية.. وأشياء أخرى

مخطط اغتيال اللغة العربية تعجز كل أجهزة مخابرات العالم فى رصد العناصر التى عملت تحت الأرض لعقود طويلة تعد لخطف المثقفين والكتاب وقادة الرأى وإرهابهم وقصف أقلامهم وفساد التعليم بحيث لا ينتج أجيالاً يمتلكون ناصيتها ويتخاطبون بها باعتبارها تمثل ثقافة أمة تلتقى عندها وبها كل الشعوب العربية..

انسلخت أجيال متعاقبة عن لغتهم الأم وراحوا يبحثون عن بديل جاهز سهل يستخدمونه فى حياتهم اليومية أو ينحتون ألفاظاً وعبارات لا تحتاج لجهد فى تركيبها وصياغتها، وبذلك اكتملت الدائرة الجهنمية لمن خططوا ونجحوا ولن يتوقفوا عن ابتداع طرق جديدة لطمس الهوية العربية.. تواطأنا - سواء عن غفلة أو قصد - لإنجاح المخطط الذى ساعد على انتشاره التطور الهائل فى تكنولوجيا المعلومات وأساليب التواصل الاجتماعى وانتشار المدارس والجامعات الأجنبية التى ليس من برامجها ولا ضمن اهتماماتها توفير ولو الحد الأدنى من الحفاظ على اللغة القومية ومعها شخصية وهوية الطلاب.
الذى يراقب الحوارات اليومية الدائرة على شبكات التواصل الاجتماعى مثل فيسبوك وتويتر وما ينبثق عنها من مجموعات تعنى بموضوعات تهم الأعضاء سوف يلاحظ أن الكلمات الإنجليزية الفنية المستخدمة تم ترجمتها إلى العربية لتصلح لغة شائعة بين من يرسلون بمساهمتهم لتلك المواقع، فالرسالة أصبحت «بوست» ونشر الرسائل أصبح «شير».. فى المقابل يفضل بعض رواد تلك الصفحات أو المشتركين بها كتابة المعانى العربية بحروف أجنبية ورموز أو أرقام بدلاً من الحروف الناقصة فى الإنجليزية كالضاد والقاف، بينما يلجأ البعض لكتابة كلمات هى خليط من العربية والإنجليزية ينحتون بها لغة جديدة أو «سيم» يفهمونه مثلما يفهم أصحاب الحرف لغتهم المهنية الخاصة فى التفاهم والتواصل والتعبير فنجدهم يقولون «فرورتلة» أو «أنتيوده» أو «سيف اللينك» أو «دلت الصورة».
الظاهرة الأخطر أن لغة الحوار المستخدمة فى نقد الأوضاع أو الأشخاص أو الاعتراض على رأى لنشر أو قيل أو التعليق على صورة أو خبر قد تدنت بصورة مسفة فى كثير من الأحيان حتى أصبحت نمطاً يميز الجيل ويقترب كثيراً فى سوقيته من انحطاط الشارع المصرى وسوقيته، وانقلبت روح الفكاهة التى تميزنا بها إلى التجريح والتجريس والفضائح.. جربت مرة أن أنبه بعض من لا أعرفهم ولكنهم اشتركوا فى صفحتى على الفيس بوك أن يحافظوا على لغة الحوار دون تجريح بنشر صور مركبة بتعليقات مسفة فلاحظت عنف ردود أفعالهم وأنهم يمتلكهم الدهشة والعجب من ذلك وبعضهم يرد بهجوم شديد على ويتركون الصفحة غاضبين أو أضطر أنا إلى شطبهم من قائمة أصدقاء الصفحة.. ولاحظت أن كثيرين يعيدون نشر ما يتلقونه من أصدقائهم أحياناً دون التعليق عليها على الرغم من أنها قد تحتوى على عبارات يرصعها ألفاظ منتقاة من قاموس الشتائم أو صور لا يمكن تداولها وبعضها يثير الاشمئزاز والقرف وإذا صاحبها تعليق فلكى يؤكد عدم مسئولية من قام بإعادة النشر بحجة «أن ناقل الكفر ليس بكافر».
أقرأ ما تيسر لى أن أقرأ يومياً على المواقع المختلفة وأتألم للأخطاء اللغوية التى تقع فيها النخبة من المتعلمين والمثقفين فى أحاديثهم أو آرائهم، والتى تعج بها مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة وبعضها فيديوهات مسجلة من برامج ظهروا فيها..

ولا بأس طبعاً أن يقولوا ما يشاءون بالطريقة التى يريدون لو استخدموا اللغة العامية، ولكن إذا قرروا أن يتحدثوا العربية الفصحى فلابد لهم على الأقل الإلمام بقواعدها الأساسية والتى كان الراحل أنيس منصور معنياً بها لفداحتها وفظاعتها وخروجها عن المألوف حتى فى الكلمات الأكثر تداولاً.. وحين يشترك فى الحوار أكثر من شخصية تتسع دائرة الإساءة للغة خاصة عندما يأخذهم الحماس ويتبارون فى إثبات وجهات نظرهم وتسفيه آراء المعارضين تعييهم الحجة فيستعيضون عنها برفع الصوت والكلمات شديدة التأثير ولكنها تستخدم خارج السياق، وحين يكون مقدم البرنامج والمفروض فيه أن يدير الحوار على نفس القدر من امتلاك اللغة فلك أن تتخيل ما يكون عليه الحال داخل الاستديو وربما خارجه بعد ذلك.. المشكلة هنا أن جيلاً قادماً بأكمله سوف يرث هذا التراث اللغوى الذى يتأصل يوماً بعد يوم حتى يصبح بديلاً عن لغتنا الجميلة التى عبر بها الشعراء عن أنبل وأرق المشاعر وأكثرها رهافة.
أذكر حينما تقدمت بعد تخرجى للعمل مذيعاً أن الاختبار كان على ثلاث مراحل: ترجمة من الإنجليزية إلى العربية وبالعكس، قراءة من نص مكتوب باللغتين، ثم أخيراً اختبار شخصى أمام لجنة من أربعة أو خمسة من الأعلام والمتخصصين قبل إعلان النتيجة والتى لم تكن تزيد على 20٪ فى أحسن الأحوال، ويوم أعلن نجاحى ضمن آخرين اعتبرت ذلك شهادة أخرى حصلت عليها بأنى مؤهل لخوض الحياة العامة متسلحاً بالعلم والمعرفة.. القراءة كانت جزءاً أصيلاً من تكوين شخصية جيلى والأجيال التى سبقتنا، لذلك فإنى دائماً ما أشدد على أهمية أن يفتح الطفل عينيه على كتاب وجهاز كمبيوتر حيث لا يغنى أحدهما عن الآخر كما يتخيل أبناؤنا من الجيل الجديد.. صحيح أنهم يستطيعون تحميل ما يشاءون على أجهزتهم ويحملونها معهم أينما ذهبوا إذا أرادوا ولكن نمط العصر وإيقاعه وطبيعة التكنولوجيا تفرض عليهم القراءة السريعة غير المتأنية وعدم تدبر المعانى أو استيعابها أو الميل إلى المقارنة والتحليل والغوص فيما وراء السطور بعكس الكتاب التقليدى المطبوع والذى أشك كثيراً فى أنه بسبيله إلى الانقراض.