رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إدارة الكوارث علي الهواء

مثلما شاهد العالم كله ولأول مرة في التاريخ عملية غزو العراق وتحرير الكويت علي الهواء، تعلقت عيون مئات الملايين بشاشات التليفزيون والأجهزة المحمولة بأنواعها تتابع أشرس وأعنف إعصار مدمر اجتاح الساحل الشرقي والشمالي الشرقي من الولايات المتحدة الأمريكية

وما ألحقه من دمار وارتفعت فيه أمواج المحيط إلي علو خمسة أدوار. ما أدي إلي غرق مدن بكاملها تحت الماء وانقطاع الكهرباء وغرق محطات القطارات ومترو الأنفاق وتوقف المواصلات العامة وتحطيم السيارات واقتلاع البيوت من أساسها.. أصبحت اليابسة امتدادا للمحيط وأصبح سمك القرش يسبح في الشوارع وانجرفت ناقلات البضائع التي تزن عشرات الآلاف من الاطنان إلي الشواطئ لكي يبدو المشهد كله كما لو كان فيلما من افلام الكوارث تتابع أحداثه المثيرة بصورة لا تسمح لنا بالتقاط الانفاس أو لوحة تجريدية عبثية أبدعتها يد مصور صاحب خيال علمي جامح.. وفي وسط كل هذا مراسلون يرتدون ملابس وسترات خاصة تميزهم وتوفر لهم بعض الحماية وفرق عمل تساعدهم لكي ينقلوا بالصوت والصورة ما يحدث في أماكن متفرقة لحظة حدوثه بأدق تفاصيله.
نموذج علمي واقعي لحسن التخطيط وإدارة الكوارث تجعل كلامنا عن ادارة الازمات - وشتان ما بين المعنيين - تهريجا ونكات سخيفة لا تستحق حتي الابتسام.. فرق الاطفاء والدفاع المدني والبوليس في الشوارع ينفذون خطط اخلاء السكان لمساكنهم في المنطق المنكوبة ويواجهون الحرائق التي اندلعت في كل مكان، ويبعدون الناس عن مناطق الخطر التي انقطعت بها الكهرباء وسقطت الكابلات في المياه أو ينقلونهم في سيارات أعدت لهذا الغرض، وعربات الاسعاف تسرع بالمصابين والمرضي إلي المستشفيات، حيث ينتظرهم اطقم مدربة من الاطباء والممرضين لمواجهة مثل تلك الحالات. وفوق كل هذا وذاك المحافظون انفسهم وسط الناس ويعقدون المؤتمرات الصحفية لكي يذيعوا بأنفسهم المعلومات التي تردهم من كل مكان علي الناس بشفافية كاملة دون تجميل أو وعود زائفة، ومرشحان للرئاسة يوقفان حملتهما الداعائية لكي يشتركا مع الناس في جهود الإنقاذ والتخفيف عن ضحايا الاعصار في الولايات المنكوبة ورئيس دولة يزور بعض المواقع ليس فقط للمواساة أو العزاء ولكن لكي يطمئن الناس ان الدولة موجودة وقادرة علي المواجهة وتوفير الامكانات اللازمة لمواجهة الخطر والتغلب عليه.
لا يمكن أن يكون ما شاهدناه من حركة ونشاطات منظمة إلا أن يكون وليد خطط وبدائل موضوعة سلفا علي أسس علمية سليمة تنبئ مقدما بما يمكن أن يحدث وتستعد له وتوزع الأدوار، بحيث يستوعب كل جهاز في الدولة أو منظمات المجتمع المدني والعمل التطوعي دوره ويتفهمه ويتدرب عليه لكي ينفذه بكفاءة عند الحاجة، ولا يمكن ان يتم كل هذا دون تكامل بين كل الاجهزة وتواصل كفء يجعل طلب المساعدة وتلبيتها أمراً مخططاً له سلفاً حتي لو كان ما حدث قد فاق كل التوقعات وخالف كل التنبؤات والتوقعات في عنف الهجوم وقوة التدمير.
تذكرت يوما زادت فيه الامطار بضعة ملليمترات - الأمطار بالمناسبة تقاسم بالملليمترات وليست بالسنتيمتر - في القاهرة وكنت في طريقي من المعادي إلي مصر الجديدة، وقارنت بين المشاهد المتحضرة التي شاهدتها في مواجهة إعصار مدمر وكفاءة الاجهزة في مواجهته وبين الأنانية المفرطة من الناس في الشارع وغرق عاصمة مصر

في «شبر مية» وامتلاء نفق العروبة القريب من قصر الرئاسة بالمياه وفوضي المرور حتي توقف تماما، وكيف تعطل المسافرون عن الوصول إلي مطار القاهرة وعدت مع من عادوا لمنازلهم بعد أن قضيت ست ساعات مخيفة محبوسا داخل سياراتي لا أجرؤ علي فتح الباب حتي لمساعدة غيري.. شبر المياه الذي أغرقنا في عاصمة مصر كشف المستور عن فساد المحليات وأوقف الحياة تماما أمام قصر الرئاسة وفرض تعتيما كاملا علي ما يجري أو متي يتم إصلاح الكهرباء التي انقطعت ومعها الانترنت ولا متي سيتم شفط المياه أو التغيير الذي طرأ علي مواعيد إقلاع وهبوط الطائرات أو المدارس التي أصبح الوصول إليها مغامرة غير مأمونة العواقب.
أما بالنسبة لي ولأمثالي ممن يتعذبون بعلمهم فلم أكن أملك سوي أن أرصد المشاهد الإنسانية بالغة الدلالة علي الرغبة في الحياة عند الناس وردود فعلهم أمام الخطر الداهم الذي يهدد حياتهم: استجاب الناس لتعليمات الاستعداد للإعصار وتخزين ما يكفيهم من طعام حتي يزول الخطر، واستجاب الذين تقع منازلهم في خط المواجهة مع الاعصار لنداءات الاجهزة المعنية فأخلوا منازلهم يحملون فقط بعض الاطعمة والماء بما يكفيهم لعدة أيام موقنين أن السلطات سوف توفر لهم ما يحتاجون في حالة الضرورة.. أولوية الإخلاء لكبار السن والمرضي، والقطط والكلاب التي يتعلق بها أفراد الاسرة محمولة في الايدي أو في شنط خاصة علي الظهور.. حتي من غامروا بالخروج بسياراتهم في الشوارع التي تخلو من المارة والتي لم تغمرها المياه توقفوا عند اشارات المرور الحمراء التي ظل بعضها يعمل لآخر لحظة.. القادرون من المواطنين خرجوا وبيدهم المعدات ينظفون أمام مساكنهم أو يشتركون في جهود الإغاثة لجيرانهم واستخدم بعضهم القوارب الخشبية والمطاطية، وبعضهم ممن لم تنقطع عنهم الكهرباء وضعوا لافتات علي مداخل منازلهم أعلي مخارج كهربية يشجعون من نفدت بطاريات هواتفهم المحمولة علي شحنها، حتي لا ينقطع تواصلهم مع ذويهم أو أجهزة الإنقاذ والاغاثة.. والحياة تعود لطبيعتها بالتدريج فيقف الناس في صفوف ليحصلوا علي حصة من الوقود دون تذمر بل ويمارسون حقهم في الإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة.