رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكايات الكبار.. ومشروع «زويل»!

نشأت أحب جلسات الكبار والاستمتاع بحديثهم وحكاياتهم وحكمهم وفلسفتهم الخاصة في تفسير كل ما يدور حولهم وسخريتهم العبقرية وتعليقاتهم اللاذعة علي ما لا يعجبهم.. وكبرت تلك الهواية معي فصرت أحسب العمر بالإنجاز وليس بعدد السنين، وصرت أهوي التعرف علي العلماء ومجالسة من أستطيع منهم وأقرأ عن الآخرين،

وصاحب ذلك شبه إدمان علي اقتناء سير العظماء والناجحين وتتبع مسيرات نجاحهم والوقوف علي سر تلك النجاحات وكيف تعلموا من الفشل وحولوه الي قصص نجاح باهر بالعمل والمثابرة وتشخيص المشاكل بدقة والتغلب عليها.. المشكلة أني حين صرت شيخا أصبحت أتوقع من الأجيال الأصغر أن يكونوا أكثر نهما للمعرفة وحب الاستطلاع واقتناعا بأن مصادر الخبرة العملية المتوفرة حولهم يمكن أن تكون منجما مجانيا يحوي حصاد السنين ويجود بها بلا مقابل سوي متعة المشاركة وقليل من الاعتزاز بالماضي.. أيقنت بعد حين أن ثورة تكنولوجيا المعلومات طبعت الجيل الجديد بالاندفاع وعدم الصبر والتسرع في الحصول علي معلومات كثيرة في لحظات قليلة لا تسمح بالتعمق ولا بالتدبر ولا التفكير المتأني، ولكنني توقفت كثيرا عند بدايات ثورة 25 يناير التي بدأت علي مواقع التواصل الاجتماعي وانتهت بالتحريض علي أعظم ثورة في تاريخ المنطقة وتجمع للطاقات في قوة هائلة أطاحت بعروض أباطرة الفساد في مصر، وقلت لعل أبناءنا الثوار لو تدبروا وفكروا وحللوا لما كان للثورة أن تحدث ولا للنظام الذي اقتلعته كالإعصار أن يرحل.. تغير الزمن إذن وأصبحت وغيري من الشيوخ «أصول» في مؤسسة الوطن يمتلك من يريد الاستفادة بها واستغلالها واستثمارها لو توافرت له الإرادة والرغبة في التعلم.
صرت أستثمر أي فرصة أتحدث فيها الي الناس لكي أعلن تطوعا عن خبرة متراكمة اكتسبتها عبر رحلة الزمن وعن استعداد مخلص للمشاركة به في وطن كنت ومازلت مواطنا فاعلا مهموما بمشاكله وأسعد كثيرا حين يزيد عدد من يهتمون بما أقول أو أفعل والذين اشترط لكي تستمر علاقة العلم والبحث والتجريب بيننا الي وجود «رغبة وإرادة» حقيقية لديهم لكي أنقل إليهم ما تعلمته في مشوار الحياة علما وتطبيقا، وتكتمل سعادتي حين يتواصل هؤلاء معي ليشركوني في تجربة قاموا بها أو نشاط ساهموا فيه ونتائجه.. ليس مهما علي الإطلاق أن ينجحوا في كل مرة ولكن الأهم أن «يتعلموا» من النجاح والفشل مثلما تعلمنا وأن يوقنوا أنهم كلما حاولوا زادوا علما، وأن من لا يعمل لا يخطئ وأن ألم الفشل هو الثمن الذي لابد لهم أن يدفعوه لكي تستمر مسيرة الحياة بخيرها وشرها.. وأحزن كثيرا كلما استسلم البعض وتغلب عليهم اليأس والإحباط فتوقفوا عن شحن بطارياتهم و«ركنواعلي جنب» متخلفين عن ركب الحياة تاركين للآخرين أن يهمشوهم ويسيروا حياتهم ويقرروا مستقبلهم دون أن يكون لرأيهم أهمية أو لأصواتهم واعتراضاتهم تأثير.
إن من يذق طعم النجاح لابد أن يتمناه لنفسه وللآخرين وتقل لديه شهوة التصارع علي الانفراد بسلطة أو منصب أو جاه، ويحس بالدفء بين ناجحين مثله، ويسعي لزيادة أعدادهم، باعتبارهم فصيلا مميزا يجسد الأمل في مستقبل أفضل لنفسه ولبلده، لذلك يحزنني كثيرا أن البعض منا لا يطيق نجاح الآخرين ويستحضر طاقاته في محاربتهم وتشويه

صورتهم وإظهارهم بمظهر الفاشلين ويتمادي في ذلك فتتجاوز كراهيته لهم حدود الوطن، تحركهم نظرة ضيقة لمصالح شخصية ومزايا يحصلون عليها فتعميهم عن مصلحة عليا تعود علي الوطن كله في نهضة حقيقية يمكن أن يصبحوا جزءا منها بالمشاركة الجادة وباقتراح الحلول، وليس باختلاق المشاكل وتضخيمها مثلما يحدث حاليا لمشروع «زويل» الذي لو استوعب من يحركون الطلاب المساكين وأهليهم لكي يعطلوا مشروعا تفخر أي دولة في العالم باستضافته لو قرر صاحب المشروع أن يبدأه في أي مكان في العالم.. وحتي لو كانت جامعة النيل بأساتذتها وطلابها أصحاب حق في المبني المتنازع عليه فما نوع الضرر الذي يقع عليهم لكي يصبحوا جزءا من مشروع النهضة العلمية التي تنقل مصر من تخلفها وفقرها وجهلها، ولماذا الإصرار علي الانفصال والاستقلال التام أو الموت الزؤام، والتطاول علي قامة علمية عالمية كـ«زويل» الذي لا يحتاج لمجد جديد يحققه سوي فضل الريادة والسبق والقدوة والمثل في العطاء لوطن يحمل له كل الولاء والحب ويعترف في كل مناسبة بفضل أساتذته الأوائل الذين تعلم علي أيديهم قبل أن تبدأ رحلته للمجد العلمي الذي حققه باكتساح.
الفرق الجوهري بيننا وبين الدول التي تقدمت بفضل العلم والأخلاق والالتزام بالسلوك الاجتماعي النبيل الذي يميز الإنسان عن الحيوان أنهم هناك يفرحون بكل نجاح، ويكرمون أصحاب المواهب والعلماء ويحيطونهم بالرعاية ويوفرون لهم سبل الاستمرار في تحقيق المزيد من النجاح ويستفيدون بخبرتهم وعلمهم ويستثمرونها، أما عندنا فإننا للأسف «نترصد» للناجحين ونخطط لإفشالهم ونضع العراقيل في طريقهم، ونري في سطوع مواهبهم إظلاما لصورتنا التي رسمناها لأنفسنا ولا نستريح حتي يصبحوا طيورا مهاجرة يرحلوا بعيدا عنا الي أرض ترعي مواهبهم وتحتضن طموحهم ولا نكتفي بذلك بل ننشر «خيالات المآتة» في كل مكان لطردهم إذا فكروا في العودة حتي لا يهددوا أمننا واطمئنانا الي ما وصلنا اليه ولكي يظل الحال علي ما هو عليه.. أمراض اجتماعية تحتاج لثورة في التعليم والثقافة العامة للمجتمع قبل أن نبدأ في أي مشروع قومي بحجم مشروع زويل العلمي أو مشروع ممر التنمية لفاروق الباز.