عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الثورة.. وتشقق منظومة القيم!

ثورة 25 يناير التي أشكر الله أن عشتها وشاركت فيها مع أسرتي ولازلنا ندافع عن أهدافها ونفرح لانتصاراتها ونحزن علي انتكاساتها كانت بركانا ألقي بحمم ظلت تغلي لسنوات طوال في بطن جيل الغضب

الذي وحد المصريين جميعها علي هدف واحد نجحوا حين اتحدوا علي تحقيقه فتخلصت مصر من عصابة جثمت علي أنفاسها ثلاثة عقود تسرق وتنهب وتظلم وتروع وتذل وتنفذ مخططا ممنهجا لكي يظل المصريون جهلاء فقراء بؤساء لا أمل لهم في الحياة سوي ملء البطون بما يجود به السادة عليهم.. ارتفعت لغة الحوار بين الفرقاء المختلفين في العقائد والملل والأيديولوجيات في مبارزات بالأقلام وليس بالسنج وسمت الأنفس وترفعت عن الفوارق الطبقية وعنجهية المراكز والجاه وتوحدت الرؤى وكأننا كنا في حلم أركبنا آلة الزمن وعاد بنا إلي عصر زعماء مصر العظام ومفكريها وقادة الرأي فيها حين اجتمعت الأمة كلها خلفت سعداً ومن بعده النحاس تذود عن كرامتها وتشحذ هممها وتوحد قواها لتقف في وجه ظلم الحاكم وطغيان المستعمر.
كانت لغة الخطاب السياسي رفيعة مترفعة تخلو من أي ألفاظ سوقية أو تعبيرات أو إيحاءات مسفة علي الرغم من قوتها وشراستها في «تشريح» الخصوم السياسيين وفضح أخطائهم وخطاياهم، وكان آدب الحوار اسما علي مسمي يعكس وعيا وثقافة وعلما ولا ينشر ثقافة الفحش والفجر التي انتشرت في الخطاب السياسي هذه الأيام.. لم يكن هناك سوي الراديو وصحف قليلة مصادر للأخبار ونافذة نطل منها علي أعمال الرموز الثقافية من كتاب وشعراء وفنانين ولم تكن أبدا منبرا للشتامين أصحاب قواميس البذاءة ومفردات السوقة والرعاع لأن من كان يجاز لكي يكون مذيعاً أو صحفياً كان يمر باختبارات عديدة في الكتابة وسلامة اللغة والثقافة العامة ويجلس أمام لجان من كبار المتخصصين وأصحاب المدارس في الإلقاء أو الأدب قبل أن يسمح له بأن يقول «هنا القاهرة» أو يكتب كلمة واحدة في صحيفة يقرأها أيامها عشرات الألوف من الناس وتدخل بيوتهم.. كان هناك حرمة للشارع والبيت ولم يكن فحش القول وفجر السلوك قد تفشي بين الناس كما تفشي تلك الأيام، من فعل الخطأ يفعله في السر ويخفيه خوفا وخجلا من اللوم أو الحساب ولا يجاهر به متباهيا كما يحدث الآن، وكان هناك مصلحة عليا واحدة هي مصر، وقيمة رفيعة واحدة هي الوطنية وعدو واحد هو الاستعمار سواء من حاكم يريد أن يظل حاكما مطلق النفوذ إلي أبد الأبدين، أو محتل اغتصب الأرض والحقوق دفاعا عن أمنه ونهبا للخيرات علي حساب لم يكن له ناقة ولا جمل في الحروب التي دارت رحاها بين الدول الكبري تقسيما لكعكة بحجم الأرضية دون تفكير حتي في ترك الفتات للدول الصغيرة.
ما الذي تغير الآن لكي تتغير لغة الخطاب ويصبح الناس - كل الناس - يفضلون شتامين تلوث ألسنتهم ألفاظاً وتعبيرات تعلق بتلك الألسنة وتصبح جزءا من نسيجها فلا تعود تنطبق بغيره.. وتحولت أجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعددت وأصبحت في متناول معظم الناس إلي «بيوت» تحاكي ما يمارسه أصحاب أقدم مهنة في التاريخ، وأصبح الخلاف - أقل خلاف - مبررا لهجوم كاسح بأسلوب وضيع أو إشاعات حقيرة تشوه السمعة وتخدش الحياء.. ما الذي تغير في مصر والمصريين لكي يحدث لنا ذلك بعد أجمل ثورة وأنبلها في التاريخ المعاصر بل ربما في التاريخ كله حتي الآن؟ ما الذي جعل المصريين أعداء لبعضهم البعض بدلا من توحدهم أمام أعداء يتربصون بهم، وما الذي أدي لهذا الانفلات الأخلاقي العفن الذي أصبح يغرق كل شوارع مصر وبيوتها ويحول الناس فيها

إلي مخلوقات عجيبة الشكل والسلوك لا يمتون لأجدادهم بأي صلة؟ هل هو تدني التعليم الذي تم بفعل فاعل لكي يخرج جهلاء يحملون درجات علمية وتفصيل مناهجة لكي تسهل علي أبناء المسئولين ومن بعدهم من استفاد من هذا الفساد أن يجتازوا الامتحانات ويقبلوا علي جهلهم وتأخرهم في أحسن الكليات؟ أم أن الفقر والأمية التي حافظ عليهما من حكم مصر لثلاثة عقود لكي يسهل له - وهو صاحب الذكاء المحدود والثقافة الضحلة - أن يبقي حاكما حتي الموت ثم يرثها أبناؤه من بعده؟ أم أنها خطة لإفقار شعب مصر كله بلا استثناء ثقافيا واجتماعيا بعدأن أفقروه اقتصاديا فينشغل بحروب الفصائل والقوي والأحزاب التي هي ليست أحزابا وإنما غرف اجتماعات يفرغ المجتمعون فيها طاقاتهم المخزونة من الغل والحقد والكراهية لباقي الأحزاب والفصائل، ويحلمون لبعض الوقت أنهم قادرون علي تغيير الواقع علي هواهم وأنهم قادمون لحكم مصر علي الرغم من أنهم لا يملكون أي مشروع ثم ينصرفون انتظاراً للاجتماع التالي.
أصبح هناك كتائب لدي كل فصيل من مصر يطلقها علي مواقع التواصل الاجتماعي تجرح وتجرس بسبب وبغير سبب الخصوم السياسيين أو حتي من يختلف في الرأي معهم، وأصبح هناك محطات فضائية لا هم لها سوي نشر الإشاعات والأكاذيب وفبركة الصور والأخبار خدمة لمن يمول تلك المحطات، وأصبح التطاول بالقول والإشارة والاجتراء علي الحقيقة مؤهلات لمن يديرون تلك المحطات وبعضها فيه مذيع واحد أو اثنان وبعضها لا يوجد بها سوي صاحبها أو الواجهة لصاحبها يفتح المحطة صباحا ويظل يهذي طوال النهار حتي يغلقها آخر الليل دون أن يكنسها من القاذورات التي تساقطت أثناء وصلات «الردح».. متي يفيق المصريون ويقبلوا واقعاً أن مصر أصبح لها رئيساً مدنياً منتخباً وأنه مهما كانت درجة الخلاف معه - وهذا حق لمن يختلف - فهو يمثل مصر حتي يتم تغييره من خلال صندوق الانتخابات وليس المؤامرات وتخطيط الانقلابات علي الشرعية، وأن السماح بإهانته والتطاول عليه يمس كرامة البلد الذي أتي به رئيسا؟ ومتي يسأل من يفعلون ذلك ويصرون عليه لو أن الرئيس كان قد أتي من بين صفوفهم فهل كانوا يقبلون من باقي الأحزاب أو الفصائل أن يتعرض لما يتعرض له الرئيس الحالي الذي لم أنتخبه شخصيا ولكني أرفض تماما أن يكون هدفا يجتمع عليه من يعلقون اعترافهم بصندوق الانتخابات علي نجاح مرشحهم.