رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«كباريهات» السياسة التي أفسدت حياتنا (3)

أنا من الذين يرفضون تماما أن السياسة لا تعترف بقواعد الأخلاق، وأنها «لعبة قذرة» تقوم علي انتهاز الفرص لتحقيق المصالح، وتستخدم كل الوسائل المتاحة للوصول للغايات.. في الوقت الذي ينشر فيه هذا المقال تكون نتيجة الجولة الأولي من انتخابات الرئاسة

علي وشك أن تعلن إما بفوز رئيس مصر القادم بثقة أغلبية الناخبين أو بالإعادة بين مرشحين يختار الشعب أحدهما منتصف الشهر القادم، وإن كنت قد ذكرت ثلاثة من مؤسسي «الوفد» فلأني أتذكرهم دائما كلما أردت أن أدلل علي أن السياسة يمكن أن تكون «نظيفة» وأخلاقية بل إن المسلك السياسي إن لم يكن كذلك فلا يمكن أن يأتي للبلاد برئيس نثق فيه ونسير وراءه ونساند برامجه وندافع عن مقامه، ونكون قد ولينا علينا أفاكا مخدعا يؤمن بأن الغايات تبرر الوسائل واستبدلنا مبارك وعصابته «بمستر إكس وعصابته» ويجد من يشاء مبررا لثورة شعبية «تكميلية» تعدل المسار وتصحح التلاعب بإرادة الناخبين لو حدث.
لم يسجل التاريخ أن سعدا قد عقد تحالفات أو صفقات أو أن أحدا استطاع أن يغريه بمنصب أو جاه، ولم يثبت أن النحاس قد «قايض» علي مطالب الأمة بمنفعة شخصية أو «هادن» لكي يحقق مكسبا ذاتيا، وحتي حين أراد أعداء الوفد أن يدفعوا إسفينا بين مكرم والنحاس، وأن يشعلوا فتيل الخلاف بينهما باءت محاولاتهم بالفشل فقد كان الخلاف بين هؤلاء خلافا نبيلا بين الكبار ينطلق من الدفاع عن مصالح الشعب التي كانوا أحرص الناس عليها.. كانوا جميعا «وكلاء» عن الأمة يقفون أمام الملك والإنجليز بمطالبها ومعهم تفويض شعبي يجعل أصواتهم تهز أركان العرش وتزلزل جبروته وتخضعه لإرادة الأمة، ولم يكونوا أبدا أداة في يد أحد ولا طرفا في النزاع علي السلطة أو محركا لإقصاء أو استقطاب.. لم ينحازوا سوي للناس ولم يشغلهم سوي مطالبهم، وكانوا «يثبتون» علي المبادئ ويمثلون صوت الحق، يحركهم الواجب ويشكل وجدانهم القيم التي تربوا عليها ومبادئ الأخلاق التي تجعل قاماتهم تعلوا علي أي قامة يسندها منصب أو جاه وتلجأ إلي النفاق والكذب وتذبذب المواقف والفساد السياسي منهجا تحكم به ضعاف النفوس والمتسلقين والطامعين في كرم السلطان وعطاياه مستمتعين بدور العبيد المسخرين لخدمته.. الأمة التي فوضت سعد علي بياض للمطالبة بالاستقلال كان فيها طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ ومصطفي مشرفة وشوقي وحافظ إبراهيم والبارودي ولطفي السيد ومحمود مختار ومحمد عبدالمقصود النادي وعمداء عائلات مصر العريقة من الإسكندرية إلي أسوان ممن وقعوا علي وثيقة نصها «نحن الموقعين علي هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول و.. في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل».
لم يكن في مصر «كباريهات» سياسية تعمل في جنح الظلام وتحاك داخلها الصفقات المريبة، ولا هيئات منتفعين من بيع كرامة مصر ومستقبلها واستقلالها وأمنها، ولا «متآمرون» علي الثورة يتحالفون ضدها ويخططون لإجهاضها، وكان هناك برلمان يشرع ويحاسب من يجلس علي كرسي العرش ويخضعه للحساب باسم الشعب.. وبعد أن تختار مصر رئيسها بإرادة حرة وشفافية ونزاهة سوف تسقط

كل الأقنعة التي أختفت خلفها وجوه شائهة دميمة لعصر كانت مغاراته التي تحوي ثروات مصر المنهوبة يحرسها خفافيش الظلام والضباع والغربان بعد أن تحولت مصر في عهد مبارك إلي «خرابة».. المفروض أن تسقط كل التحالفات وأن يتواري أنهم يملأون كراسي من ذكرتهم من قادة وزعماء مصر بعمليات تجميل تطيل قاماتهم وترمم الندوب الغائرة في وجوههم بما في ذلك البهوات والباشاوات من مدعي البطولات الزائفة وقادة المعارضة في الغرف المغلقة وحجرات الاجتماعات لزوم التصوير والتلميع الإعلامي والنصب السياسي.
مصر بكل أبنائها تحتاج إلي الالتفاف حول رئيس المفروض انهم اختاروه علي برنامج معلن بأهداف محددة تلبي مطالب واضحة وتكمل مسيرة أعظم ثورة في تاريخ مصر الحديثة، وإلي بدء مشوار تطهير مؤسسات مصر وهيئاتها ممن لا يزالون يحتلونها من مرتزقة نظام مبارك، وأن يتخلي الشيوخ ممن أفنوا حياتهم في خدمة مصر بإخلاص وتجرد ولم يشاركوا في فساد عن مناصبهم لكي يفسحوا المجال لشباب لكي يقود مصر إلي حيث أرادت الثورة.. أما الأحزاب الموجودة علي الساحة والكبيرة منها علي وجه الخصوص فنحتاج إلي ثورة حقيقية تحولها إلي منصات ديمقراطية تعبر عن نبض الشارع المصري بفئاته المختلفة وتمثل مع المجتمع المدني عين الأمة علي أداء الرئيس المنتخب وسلطات الدولة المختلفة وتراقب أداء الحكومة وترصد أي انحراف وتنبه إليه حتي لا يستشري وحتي يتم الحساب أولا بأول .. الأحزاب المحترمة في رأيي هي التي تكتشف مواهب كوادرها وتنميها وتستثمرها في التواصل مع القواعد الشعبية، وهي التي يتولي الشباب فيها معظم المناصب القيادية، والتي يكون لها استراتيجية واضحة معلنة ملزمة، والتي تنتهج الشفافية أسلوبا يحترم رأي الناس، وتعتمد علي العمل المؤسسي في اتخاذ قراراتها.. الأحزاب المحترمة لا يحرك قياداتها أحد بالريموت كنترول، ولا يغريها أحد بمال أو سلطان أو مناصب لكي تغير ثوابتها التي وضعها الجدود المؤسسون ممن كتبوا بدمائهم تاريخ مصر جيلا بعد جيل، وتعترف بأخطائها وتطور أداءها باستمرار، وتمكن كوادرها فعلا لا قولا من المشاركة في بناء مصر الثورة.