رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صقور وحمائم الدبلوماسية المصرية

المعارك التى خاضتها الدبلوماسية المصرية خلال تاريخها الطويل لا تقل ضراوة عن المعارك التى خاضها جيش مصر العظيم فى الحروب المتعددة التى استهدفت أمن مصر واستقرارها منذ عام 48، وسوف تظل العسكرية المصرية درعاً تحمى مصر وتصد عنها غزوات التتار الجدد الذين يريدون كسر إرادتها وإحكام سيطرتهم عليها، وسوف تظل الخارجية المصرية تمارس حروباً من نوع آخر أسلحتها فيها «فن الممكن»

وذخيرتها فيها الحجة والمنطق والتفاوض وحشد التأييد والضغط الدولى.. وحين نتحدث عن الخارجية المصرية لابد أن تبرز أسماء رواد ارتبطت أسماؤهم بتاريخ مصر الحديث مثل محمود فوزى وعصمت عبدالمجيد ومحمود رياض من شيوخ الخارجية وتلاميذهم إسماعيل فهمى وبطرس غالى ونبيل العربى وأسامة الباز وعمرو موسي.. مدارس متعاقبة لذوى القبضات الحديدية التى تختفى خلف قفازات مخملية تحقق بها انتصارات متوالية على المستويين الإقليمى والدولي.. الحمائم فى الدبلوماسية لهم دور، وقد لا يظهرون فى الأزمات أو على موائد التفاوض ولكنهم يعملون فى المطبخ السياسى يراجعون القوانين ويقومون بالبحوث ويقارنون ويحللون ويعدون أوراق العمل.. إذن الصقور يقودون ويوجهون ويحددون البوصلة والحمائم ينفذون ويساعدون ويلعبون أدواراً خفية بالغة الأهمية قد لا تظهر فى العلن.. نعم، ظلت الخارجية المصرية محتفظة بقيمها وأسلوب عملها وتوجهها حتى اتسعت دائرة فساد الحكم لتشملها وتلعب فى هياكلها التنظيمية وتفرض عليها عناصر ترى مكافآتها على ولائها للنظام وامتلأت المؤسسة بالمتقاعدين وطالبى الشهرة ومحبى السفر وحاصدى الألقاب والمزايا، ووصل بعض هؤلاء بحكم الأقدمية إلى مناصب السفراء وهنا مكمن الخطورة.
أكتب ذلك بمناسبة القبض على ناشط سياسى مصرى بالسعودية والتهم التى وجهت إليه، والتى أدى تصاعدها إلى أزمة أسيء تعامل الخارجية معها إلى حد تخريب العلاقة بين مصر والسعودية لمدة سوف تطول حتى بعد أن تعود العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها.. ولا أريد استباق الأحداث أو التعليق على حكم لم يصدر بعد، ولكنى بالقطع أستعمل حقى فى التفكير وفى إبداء رأيى فى الموقف وفى الأداء الدبلوماسى المعيب للتعامل مع الحدث الذى تحول لغرابته وملابساته إلى قضية رأى عام مصرى يرى أن يفتح ملف المصريين فى الخارج وبالذات - وأقول ذلك وكلى ألم - فى الدول العربية حيث لا يحظون بأى رعاية ويعاملون معاملة العبيد من قبل كفلائهم ويخضعون لظلم مطلق تحميه قوانين تلك البلاد التى تعطى الكفيل سلطات مطلقة فى أكل حقوق العاملين لديهم وترحيلهم إلى بلادهم أو الزج بهم فى السجون لو أراد.. يحدث ذلك فى ظل شكوى دائمة من جموع المصريين العاملين بالدول العربية - والسعودية بالذات - من غياب الرعاية الواجبة من بعثاتنا الدبلوماسية وتقصيرها فى مساندة أصحاب الحق والوقوف بجانبهم عند تعرضهم لمشكلة قانونية، وهو أمر ضد الأعراف والقوانين الدولية وتأخذه الدول الأخرى المصدرة للعمالة مأخذ الجد فتقف إلى جوار مواطنيها تضمن لهم جميع حقوقهم القانونية والإنسانية فيعاقب من تثبت عليه التهمة وتخلى ساحة البرىء.
سارع سفير مصر فى السعودية والذى كان على سفر وبعد أسبوع كامل من القبض على المتهم المصرى بالظهور فى الفضائيات، ودون انتظار لتحقيق، لكى يقول بلغة شبه مؤكدة إن المواطن قد ضبط يحاول تهريب مواد مخدرة

وانه قد اعترف كتابة بذلك، ولعلها المرة الأولى فى التاريخ التى ينضم سفير دولة إلى جهات الضبط فيؤكد التهم المنسوبة إلى أحد مواطنى دولته قبل أن ينتهى التحقيق بالإدانة ويصبح الحكم باتاً بعد استنفاد درجات التقاضى.. وحتى حين تدخلت القنصلية بعد أسبوع كامل من القبض على المواطن لم يكلف القنصل نفسه بالذهاب لمقابلة المتهم بل أرسل مساعده - طبقاً لما جاء بوسائل الإعلام المختلفة فى أكثر من رواية - لأن تلك المهمة على ما يبدو لا ترقى إلى مستوى مهام سيادته، فماذا نسمى ذلك؟
أما ملابسات القبض على المواطن فهى لا ترقى إلى مستوى توجيه الاتهام أصلاً، كم هائل من المضبوطات لو صح عددها لاحتاج أكثر من شنطة سفر ولدفع عنها وزناً زائداً لم تثبته سلطات مطار القاهرة.. ومتهم ضمن فوج يقبض عليه وحده دون زوجته التى سافرت معه لأداء العمرة وطبيعى أنهما يشتركان فى شنط السفر التى سافرا بها معاً.. وإعلان تكرر على امتداد أيام بأن المضبوطات كانت فى علب لبن أطفال - أى مجفف - وحين عرضت صور المضبوطات كانت داخل علب حليب «جهينة» وليس علب لبن مجفف.. ومتهم يقبض عليه وتدعى السلطات المسئولة أن سفارة بلده وقنصليتها قد أخطرت فور القبض عليه ومع ذلك لا يزوره أو يحضر  التحقيق معه أى مسئول قبل تسرب خبر القبض عليه من زوجته وأخته بعد أسبوع كامل من واقعة الضبط وتوجيه الاتهام.. وأخيراً مواطن يتم القبض عليه فى منطقة الجوازات قبل استلامه لشنط سفره المفروض أن بها المضبوطات.. وأخيراً، لم يصدر تصريح واحد من الخارجية المصرية يوضح ما حدث واكتفى الوزير بالظهور فى الفضائيات لكى يؤكد أن المواطن «يلقى كل الرعاية وأن حالته الجسدية والنفسية فى أحسن حال» وفاته على ما يبدو أن يضيف بأنه يرفض الإفراج عنه.. طبيعى أن تخرج المظاهرات تنادى بالعدل وتطالب بتدخل السلطات المصرية للإفراج عن المصرى المعتقل، ولكن لا أحد يوافق على أن يتصاعد الغضب ويخرج عن السيطرة فيتحول إلى تخريب يهدد العلاقات بين الدول.. وتلك قصة أخرى!