رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشعب يريد..... الحسم السريع

كانت أحداث مساء الثلاثاء 28 يونيو أمام مسرح البالون وفي ميدان التحرير دليلاً جديداً على خطورة التباطؤ في التخلص من نظام مبارك وإتاحة الفرصة لاستمرار عناصر ذلك النظام مطلقي السراح يحاولون بكل الطرق تبديد طاقة الثوار وإنهاك قواهم وصرف الثورة عن المضي في تحقيق اهدافها.

إن مطالب الثورة بالقضاء على نظام مبارك لم يتحقق منها سوى تنحيه عن منصبه وحبس مجموعة من اقطاب نظامه في سجن طره على ذمة التحقيقات بتهم التربح واهدار المال العام، ولا يعلم أحد متى تنتهي تلك التحقيقات ولا ما سيترتب عليها، في ذات الوقت الذي تتردد الشائعات عن المعاملة المميزة التي يلقاها هؤلاء المحبوسون والميزات التي يتمتعون بها على خلاف باقي السجناء من عباد الله المغلوبين على أمرهم. أما محاكمات من أحيلوا من هؤلاء إلى محكمة الجنايات، خاصة وزير الداخلية الأسبق العادلي، فإن مطلب الثوار وأسر الشهداء هو تحقيق العدالة الناجزة ليتحقق القصاص العادل والسريع.

وقد سبق أن كتبت عدة مقالات أطالب بضرورة أن تعلن الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة عن برنامج واضح ومحدد المعالم للخلاص من نظام مبارك نهائياً ومنع عناصره وفلوله من أن تعاود التسلل إلى الحياة السياسية وممارسة دورها المفسد لتعكير صفو الثورة وتلويث مسيرتها بأعمال البلطجة واستخدام المال لاستثمار مشكلات المواطنين ومتاعبهم المعيشية ودفعهم للتظاهر والاعتصام وغير ذلك من ألوان الاحتجاج التي قد تصل، مع غياب الضبط الأمني، إلى حالات من الفوضى لا يحمد عقباها.

إلا أن الواضح ، حتى الآن، أن الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يرغبان في التصريح بمثل ذلك البرنامج، ولولا أن تقدم مواطنون بقضايا إلى محاكم القضاء الإداري ما كان الحزب الوطني الديمقراطي المفسد قد صدر قراراً بحله وما كانت المجالس المحلية الشعبية قد انحلت هي الأخرى. لقد بحت أصوات الشعب والأحزاب والقوى السياسية في المطالبة بحل ذلك الحزب وتلك المجالس المفسدة التي كانت أداته في تنفيذ مخططاته لنهب موارد الوطن وتمكين زبانية النظام الساقط من تحقيق غاياتهم وخدمة مصالحهم على حساب المواطنين، فضلاً عن السعي للتمكين لمشروع توريث الابن حكم البلاد، فتردت الخدمات وساءت الأحوال المعيشية لغالبية الناس. وطوال الفترة منذ تشكيل الحكومة الحالية حتى يوم صدور حكم المحكمة الإدارية العليا يوم الحادي والعشرين من يونيو لم نكن نسمع من وزير التنمية المحلية سوى تبريرات لعدم حل المجالس المحلية الشعبية المفسدة بحجة أن قانون الإدارة المحلية يمنع الحل الشامل لجميع المجالس دفعة واحدة، بينما سيادته يعلم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يملك سلطة التشريع وبمقدوره إصدار مرسوم بقانون لتعديل مواد قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 المتعلقة بحل المجالس المحلية بما يتيح تحقيق رغبة الشعب الثائر ضده.

ويتساءل المواطنون هل اصبح اللجوء إلى القضاء الإداري هو السبيل الوحيد لتحقيق أهداف الثورة وما دور الحكومة إذن؟ فهم يطالبون بتطبيق العزل السياسي على كل من أفسد الحياة السياسية وشارك في تزوير الانتخابات التشريعية ووافق على إصدار قوانين تكرس مصالح رجال أعمال النظام الساقط كما حدث في تمرير التعديل الذي قدمه أحمد عز للمادة رقم 26 من قانون منع الممارسات الاحتكارية وحماية المنافسة والذي قضى بفرض غرامة على من يبلغ عن أعمال احتكارية وذلك بعد يوم واحد من إقرار صياغة أخرى لنفس المادة كانت تعفي المبلغين من الغرامة والتي تصل إلى 150 مليون جنيه.

كما يتساءل الناس في مصر متى يحاكم أعضاء مجلس الشعب ممثلي الحزب الحاكم المنحل الذين لم يسمحوا بفرصة عادلة لمناقشة الاستجوابات التي كان النواب المعارضون يتقدمون بها في مجلس الشعب على مدى سنوات حكم الطاغية وكانوا دائماً جاهزين بطلب الانتقال إلى جدول الأعمال لسد الطريق على أي مساءلة حقيقية لوزير أو لرئيس الوزراء؟ وهل لا بد أن يتقدم مواطن بدعوى إلى محكمة القضاء الإداري ضد هؤلاء ويصدر فيها حكم مماثل لحكم حل الحزب الحاكم والمجالس المحلية الشعبية قبل أن تتصرف حكومة «الثورة» وتقرر تطبيق العزل السياسي على كل من أفسد الحياة السياسية على مدى الثلاثين عاماً الماضية؟ ويعجب الناس كيف يمكن أن تجرى الانتخابات التشريعية في سبتمبر القادم وكل عناصر النظام السابق، ونسبة بالغة من أعضاء جهاز أمن الدولة المنحل، وأعداء الثورة المتربصين بها مطلقو السراح ولا يوجد ما يمنعهم من إعادة الكرة والتسلل إلى مجلسي الشعب والشورى القادمين ليعيدوا إلى المشهد السياسي في مصر 25 يناير مأساة مجلسي 2010 وما قبلهما من مجالس دخلوها بالتزوير واستخدام الرشاوى المالية والبلطجة لترويع الناخبين والمرشحين الشرفاء من المعارضة على السواء.

يتساءل الناس في بلدي، مصر الثورة، كيف تكون هناك ثورة وكيف يمكن الاطمئنان إلى حمايتها من أعدائها ومجال الإعلام لا يزال يعج بكل عناصر النظام الساقط في التليفزيون الرسمي والصحف المسماة بالقومية وقد غيروا اتجاههم في الظاهر بعد الثورة وإن لم يستطيعوا تغيير ولائهم للنظام الساقط ورئيسه وقادته. ويقرأ الناس ويسمعون ويشاهدون الكثير من أقوال تبدو حقاً ولكن يراد بها الباطل. أقوال تشكك الناس في مسيرة الثورة. بل الناس في بلدي لم يعودوا يسمعون أو يقرأون كلمة «الثورة» وعادت فلول النظام الساقط في وسائل الإعلام إلى استخدام كلمة « الأحداث» للإشارة إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير الرائعة التي لم يشهد العالم مثيلاً لها في سرعة إنجازها ولا في سرعة خفوت صوتها؟ ويتساءل الناس لماذا لم يتم تطهير الساحة الإعلامية من كل المتعاونين مع النظام السابق وساعده في فرض قبضته على الشعب ومصادرة حرياته وسلب موارده؟

يريد الشعب التخلص من الإعلاميين الذين رددوا أكاذيب النظام الساقط وأضاليله ومجدوا رموزه وصنعوا منهم أبطالاً ، ووصفوا كل مراحله البائسة بـ«التاريخية»، ومسخوا مطالب الشعب والمعارضة وشوهوا نضال الشرفاء من المصريين، وكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، فلم يكتبوا عن آلاف المعتقلين ولم يدافعوا عن حقوق المظلومين، ووصفوا الشهيد خالد سعيد بأوصاف اختلقها جهاز أمن الدولة الفاسق ليتنصل من جريمة قتله، واعتبروا الخصخصة وبيع موارد الوطن « إدارة أصول الدولة»، ولم يكتبوا عن انهيار الزراعة المصرية وما آل إليه حال الفلاحين من بؤس، ولم يصارحوا الشعب بانهيار صناعاته وضياع أسواقها وسيطرة المتعاملين مع إسرائيل وأصحاب «الكويز» على مقدراتها لصالحهم!!!

يتساءل ثوار 25 يناير، وهم الشعب كله، لماذا يستمر وزراء في حكومة « الثورة» وهم من أساطين لجنة السياسات في الحزب الحاكم المنحل؟ ولماذا يعين محافظون ليس من بينهم واحد رفع صوته ضد النظام البائد أو ضبط متلبساً برفض سياسة أو قرار أو توجه للرئيس المنخلع؟ ويعجب ثوار 25 يناير، وهم الشعب كله، كيف يستمر اتحاد نقابات عمال مصر الذي كان أداة طيعة للنظام السابق لتنفيذ مآربه في تفتيت الحركة النقابية وإضعافها، إلا من رحم ربي، ولا يذكر له موقف معارض لممارسات النظام ضد حقوق العمال الذين تم تشريدهم ببيع شركات قطاع الأعمال العام بأبخس الأثمان، وضيعت حقوقهم لدى المستثمرين الذين مكنتهم حكومات العهد البائد من مخالفة شروط عقود شراء شركات مصر فباعوا الأراضي وتخلصوا من العمال الذين لم يجدوا أمامهم سوى الاعتصام والاحتجاج، ولم يساندهم اتحاد نقاباتهم بالوقوف ضد جرائم الخصخصة والمعاش المبكر؟! لم يجد العاملون من يدافع عن سلب الدولة البائدة لمدخراتهم المتمثلة في فوائض التأمينات الاجتماعية، ولم يجدوا من يدافع عن حقوقهم

في نظام تأمين صحي عادل! ورغم المطالب الشعبية بحل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر فهو لا يزال مستمراً في نهجه لمقاومة رغبات عمال مصر الشرفاء لتكوين نقابات مستقلة تدافع عن حقوقهم التي تهاون الاتحاد في الدفاع عنها.

و يعجب الشعب ، وهو الذي واجه الطاغية بكل حسم في ميادين التحرير في كل مدن مصر! كيف تعجز حكومته «الثورية» حتى الآن في منع فلول نظام الطاغية المخلوع من تدبير المؤامرات وتنظيم الاعتداءات من دون حسم؟ أليس عجيباً أن نقرأ أن متحدثين باسم الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يعلنون أن ما حدث يوم الثلاثاء الماضي في ميدان التحرير هو عملية مخططة ومرتبة، ثم لا يدلنا أحد كيف تم هذا التخطيط والترتيب من دون أن ترصده أجهزة الأمن «المطورة» وتمنع وقوعه؟ أليس عجيباً أن تتوجه اتهامات كثيرة إلى أعوان العادلي وهم لا يزالون يشغلون مواقع قيادية في وزارة الداخلية، ثم لا نسمع عن إجراء اتخذه وزير الداخلية الحالي للتحقق من صحة هذه الاتهامات وإعلان الحقيقة للناس؟! أليس عجيباً أن يظل تبرير ما يقع من أحداث ضد الثورة هو نفس ما كان يردده أقطاب النظام المخلوع من أن ايادى أجنبية تحرك ما كان يوجه إليه من معارضة واحتجاج، فيكون تفسير ما حدث في ميدان التحرير الأسبوع الماضي على نفس النسق؟!

إن ما يشعر به الناس في بلدي، وأنا منهم ومعهم، من أسى، يكاد يقترب من القنوط، هو أن معنى الثورة ومضمونها لم يصل إلى أغلب قطاعات ومستويات الحكم والإدارة في الوطن، وأن وتيرة العمل في إدارة شئون البلاد لا تزال تحكمها مفاهيم وأساليب وتوجهات النظام البائد! إن المواطن في مصر الثورة لا يكاد يسمع وزيراً أو مسئولاً يتحدث عن « الثورة» أو يتذكر أنه وزير في حكومة ثورة أزاحت أكثر طغاة العصر جبروتاً واستبدادا. ويرى المصريون مؤسسات الدولة، المفترض أن تكون فاعلة بقوة وحسم لتحقيق أهداف الثورة، تبدو بعيدة تماماً عن كل ما يتصل بالثورة حتى اسمها لا يتردد في تلك المؤسسات ولا يكاد يتذكرها قادتها، المستمرون من عهد مبارك البائد، أو يذكرونها في أحاديثهم إلا إذا اضطروا لذلك في لقاء تليفزيوني أو حوار صحفي وتشعر أن الكلمات تخرج من أفواههم باردة من دون مشاعر حقيقية، وأنهم يرددون شعارات الثورة من غير إيمان بها أو استعداد للعمل من أجلها.

لقد سبق أن كتبت مطالباً بأننا في حاجة إلى ثورة من أجل تحقيق أهداف الثورة! وأؤكد اليوم أن ما جرى في مصر عبر الشهور الخمسة الماضية كان استهلاكًا سلبيًا للوقت وتبديدًا لطاقة الثوار وإجهاضًا لروح الثورة أصاب الناس بالإحباط والاكتئاب ونزع منهم فرحة النصر بإزاحة الطاغية يوم 11 فبراير وأدخلهم في حالة من الضياع لا يرون منها مخرجا، وأتاح لأفكار التطرف والتشدد أن تظهر وتسود قطاعات متزايدة من الشعب، في الوقت الذي توارت فيه شعارات وفعاليات الثوار الذين أصابهم هم أيضاً داء التشتت والتشرذم، ودبت بينهم الخلافات ونسى الجميع أن « الشعب يريد إسقاط النظام»!!!

وفي ظني أن الفرصة لا تزال سانحة أمام الشعب والحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة لاسترداد الطاقة الثورية وإنجاز أهداف الثورة والانتقال بمصر إلى دولة الديمقراطية والعدل والحرية، دولة المواطنة وسيادة القانون والأمن والعدالة الاجتماعية. والخطوة الأولى في الانطلاقة الثورية الجديدة يجب أن تكون القضاء على نظام مبارك بسرعة إنجاز محاكمات سياسية وجنائية لمبارك وأعوانه بتشكيل دوائر خاصة لإنهاء هذه المهمة على وجه السرعة من دون إخلال بضمانات العدالة للمتهمين. لقد أنجزت الثورة التونسية محاكمة رئيس تونس الهارب زين العابدين بن علي في جلسة واحدة وتم الحكم عليه وزوجته غيابيا بالسجن لمدة 35 عاما، بقضية واحدة، وتأجيل النظر بقضية ثانية. وأوضح قاضي الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة أن هذا الحكم يتضمن أيضا حكما آخر يقضي بتغريم بن علي وزوجته بدفع 91 مليون دينار تونسي أي ما يقرب من 68 مليون دولار، وأشار إلى أن الحكمين يخصان القضية الأولى والتي وجه فيها القضاء التونسي عدة تهم لبن علي وزوجته تتعلق خاصة بالاستيلاء على المال العام والاختلاس. ولا يزال بن علي وزوجته ينتظران أحكاماً في قضايا أخرى. وسواء اعتبر البعض تلك الأحكام متسرعة وأن الأجدى محاكمة بن علي بتهمة الخيانة العظمى وليس مجرد الاستيلاء على المال العام، فإننا في مصر نريد إجراءات حاسمةً تضع نهاية لقصة الطاغية وتقطع الشك باليقين في مسألة محاكمته وهل تتم في القاهرة أم شرم الشيخ، وهل حالته الصحية تسمح بمحاكمته أم لا. إن الثالث من أغسطس يقترب وينتظر الشعب ألا تطول المحاكمة بل يجب أن يتم تسريع الإجراءات حتى تنتهي هذه الفقرة من خطة إنهاء النظام البائد والانتقال إلى باقي الخطوات وهو ما سوف نتناوله بالتفصيل في مقال الأسبوع القادم.

حمى الله الثورة وسدد خطى الثوار لتحقيق أهدافها.