عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مطالب ثورية.. تأخر حسمها كثيراً

منذ اليوم الأول لقيام ثورة 25 يناير طالب الشعب بإجراءات محددة للتمكين من اقتلاع جذور نظام مبارك الفاسد، التهيئة لبناء نظام جديد اسسه الديمقراطية والحيرية والعدالة، ورغم مرور ما يقرب من خمسة اشهر علي نجاح الثورة، فإن عدداً مهما من القضايا المحورية الواجب التصدي لها بكل الحسم يبدو وقد تواري في ظلال النسيان، ويكاد المصريون اليوم يجدون صعوبة في ادراك ان روح الثورة لاتزال مشتعلة وان القائمين علي ادارة شئون البلاد لا يزالون علي العهد الذي قطعوه علي انفسهم بجامعة الثورة وضمان تحقيق اهدافها!

- المطلب الثوري الأول خارطة طريق لإدارة المرحلة الانتقالية.

منذ اليوم الأول للثورة تبلور المطلب العبقري لشعب مصر في "الشعب يريد اسقاط النظام"، لم يكن الثوار في جميع أنحاء مصر يريدون مجرد التخلص من مبارك، برغم انه كان هدفاً صعب المنال وبعيداً عن خيال اكثر المتفائلين بإمكان حدوث التغيير في مصر، ولكن كان المصريون واعين بضرورة التخلص من كل عناصر واركان وسياسات ومؤسسات النظام البائد حتي ينطلقوا في بناء مصر الجديدة علي أسس الديمقراطية والحرية والعدالة.

وما كان لمطالب الثورة هذا ان يتحقق الا بوضع خارطة طريق واضحة المعالم محددة الأهداف والتوقيتات للخروج من نظام مبارك والتهيئة للانتقال السلمي أي مرحلة الديمقراطية، وقد استمرت مراوغة مبارك علي مدي ثمانية عشر يوماً في محاولة للالتفاف علي مطالب الثورة والتمسك بالحكم، حتي اضطر الي التخلي عن منصبه يوم 11 فبراير 2011 وربط تخليه عن منصبه بتكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بادارة شئون البلاد، ورغم صدور الاعلان الدستوري الاول في 13 فبراير ثم الاعلان الدستوري الثاني في 30 مارس، وبرغم تشكيل ثلاث وزارات منذ التاسع والعشرين من يناير حتي الآن، فلم تعلن أي من الوزارات الثلاث برنامج عمل واضحاً محدد الأولويات، بل  تصارع كل وزارة الاحداث وتعمل بشكل كبير تحت ضغط الاوضاع والمطالب الشعبية من دون توضيح خارطة الطريق للوصول الي تحقيق أهداف الثورة.

- المطلب الثوري الثاني: المحاسبة علي إفساد الحياة السياسية

وكان من اوائل مطالب الثوار، وهم كل الشعب، محاسبة أركان نظام الفساد والاستبداد الذين عاثوا في مصر فساداً ونشروا قيم الانتهازية والتزوير والتضليل، كان الثوار، ولايزالون، مصرين علي ضرورة محاكمة أقطاب النظام الساقط وفي مقدمتهم رئيسهم الطاغية ورؤساء وزاراته ووزرائه، وقيادات حزبه المنحل، ومن شايعهم من المحافظين وقيادات الحكم المحلي، وأهل الصحافة والاعلام، كل من ساندهم واستجاب لمطالبهم غير المشروعة من قيادات الجهاز الاداري للدولة، والمسئولين في اجهزة الرقابة الذين تغاضوا عما رصدوه من فساد أهل الحكم ولم تأتهم الشجاعة للافصاح عنها الا بعد نجاح الثورة، كان الثوار، ولا يزالون، يطالبون بمحاكمة اقطاب النظام الفاسد ليس فقط علي تهم الفساد المالي والتربح والكسب غير المشروع، ولكن وبالدرجة الأولي ينبغي محاسبتهم علي كل ما اقترفوه في حق الشعب من تضليل وتزوير ومساندة للطاغية ومشاركة في التهيئة لتوريث ابنه حكم البلاد.

إن الثوار، وهم كل الشعب، يطالبون بمحاكمات حاسمة لكل من أفسد الحياة السياسية عبر ثلاثين عاماً سيطر خلالها الطاغية وأسرته واعوانه وافراد عصابته علي حكم مصر، لقد تم تزوير الانتخابات جميعها وضرب بعرض الحائط ارادة الشعب، وصاغ ترزية القوانين ما شاء لهم من تشريعات تحقق مصالح الحاكم وأعوانه وعصابة رجال الاعمال الذين تحلقوا حول ابنه ولجنة سياساته بغض النظر عما يسببه ذلك من اضرار للشعب والوطن، لقد تم تمرير تعديلات علي مواد الدستور كان هدفها احكام سيطرة الطاغية علي مقدرات البلاد من دون حساب او مساءلة، لقد مرروا تمديد العمل بقانون الطوارئ مرات عديدة حتي أصبح جزءا من حياة المصريين ان يعيشوا علي مدي ثلاثين عاماً تحت رحمة ذلك القانون، وسمحوا للطاغية بإصدار قرارات لها قوة القانون في كل ما يتعلق بأمور تسليح القوات المسلحة بحجة السرية وتأمين المعلومات من دون أن يعلم أحد كيف استخدم الطاغية هذه الصلاحية ولم يسأله احد عنها أبداً، لقد أفرغوا القوانين من مضامينها وتدخلوا في شئون القضاء وتلاعبوا باستقلاله وحاربوا شيوخه واستوزروا من أهل القضاء من ساعدهم علي تنفيذ مخططاتهم للتنكيل بشرفاء القضاة.

ويطالب الشعب بتفعيل قانون الغدر رقم 344 لسنة 1952 والمعدل بالقانون 173 لسنة 1953 والذي أكدت لجنة النظام الانتخابي في مؤتمر الوفاق القومي ان مواده لاتزال سارية ولم يصدر ما يفيد الغاؤه، وتستجيب توصية اللجنة للمطلب الثوري بمعاقبة كل من عمل عملاً من شأنه افساد الحكم والحياة السياسية او استغل النفوذ للحصول علي فائدة او ميزة ذاتية لنفسه او لغيره من أي سلطة عامة أو هيئة او شركة، كما يطالب الشعب بتطبيق قانون محكمة الغدر علي من استغل نفوذه من عناصر النظام الساقط للحصول علي وظيفة في الدولة أو منصب أو قام باجراء من شأنه التأثير في اثمان البضائع والعقارات وأسعار الأوراق المالية أو مارس نشاطا بغرض التأثير في القضاء أو تدخل بشكل ضار في المصلة العامة، وطبقاً لقانون الغدر فإن العقوبة علي من ارتكب الافعال السابقة تكون بالعزل من الوظيفة والحرمان من حق الانتخاب أو الترشيح لأي مجلس نيابي، ومن تولي الوظائف العامة لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم، وإذا كان البعض يرفضون فكرة تطبيق قانون الغدر باعتباره من القوانين الاستثنائية، فهناك من أهل القانون من يري ان قانون العقوبات يكفي لمحاكمة مبارك وأعوانه، وأياً كانت الاداة القانونية فان ما يهم الشعب هو أن تتم محاكمة عادلة وسريعة للقصاص ممن أفسدوا عليهم وطنهم وحياتهم، وإنا لمنتظرون!

المطلب الثوري الثالث: حل المجالس الشعبية المحلية

يجمع المصريون علي أن المجالس الشعبية المحلية كانت اداة طيعة في يد النظام البائد لنشر الفساد والتزوير في ارجاء البلاد تحقيقاً لمطامع الحكم واعوانهم، وفي المقابل يحصل اعضاء تلك المجالس علي مقابل خدماتهم، ويعلم الجميع ان تلك المجالس وإن كانت تشكل بما يسمي انتخابات محلية، الا أنها كانت عملية تعيين حقيقية حيث كان الحزب المنحل يختار الأعضاء حتي من الأحزاب المعارضة وتجري انتخابات صورية تتشكل منها مجالس لا حول لها ولا قوة الا تنفيذ مآرب الحكام وممثليهم من المحافظين وقيادات الوحدات المحلية، وكان قد نشر في اوائل ابريل الماضي خبر نسب الي اللواء محسن النعماني وزير التنمية المحلية مفاده أنه من المقرر ان يناقش مجلس الوزراء الاجراءات القانونية لحل المجالس الشعبية المحلية، وأن اللجنة المشكلة من قبل المجلس لمناقشة الوضع القانوني لحلها مازالت تبحث ايجاد بديل قانوني حال تم ذلك، خاصة أن المادة 144 من القانون 43 لسنة 79 لا تسمح بحل هذه المجالس حتي لو شابها بعض الشوائب، وإذا تم حلها فلابد من اجراء الانتخابات خلال 60 يوماً، مبينا ان تلك الفترة لا تسمح باجراء اي انتخابات، وهذا التصريح الذي يقطع بعدم مناسبة الظروف لاجراء  انتخابات المجالس الشعبية المحلية، يبدو متناقضاً بوضوح مع الاصرار علي اجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المعلن اوائل سبتمبر، كما صدر تصريح منذ ما يقرب من اسبوعين للواء ممدوح شاهين عضو المجلس الاعلي للقوات المسلحة يبشر بأن موضوع حل المجالس الشعبية المحلية سيتم البت فيه خلال أيام، ومع ذلك لم نسمع شيئا عن قرار المجلس في هذا الخصوص حتي الآن.

وإذا رجعنا الي المادة المشار اليها في قانون

رقم 43 لسنة 1979 بشأن نظام الادارة المحلية نجدها كانت تنص علي ما يلي: "لا يجوز حل المجالس الشعبية المحلية باجراء شامل كما لا يجوز أن يحل المجلس الشعبي المحلي مرتين بسبب واحد، ولا يجوز حل المجلس الشعبي المحلي الا في حالة الضرورة أو بسبب الاخلال الجسيم بواجباته او المخالفة الجسيمة للقانون"، ولكن تم تعديل تلك المادة بالقانون رقم 145 لسنة 1988 الذي ألغي الفقرة الثانية منها لتصبح علي النحو الحالي الذي اشار اليه الوزير النعماني والذي لا يجيز حل المجالس الشعبية المحلية بإجراء شامل، اذن الطريق الي حل المجالس الشعبية المحلية ميسور اذا دنا بالمادة 144 من قانون الادارة  المحلية الي اصلها بموجب مرسوم بقانون يصدره المجلس الاعلي للقوات المسلحة لتصبح علي النحو التالي "لا يجوز حل المجالس الشعبية المحلية باجراء شامل كما لا يجوز ان يحل المجلس الشعبي المحلي مرتين بسبب واحد، ومع ذلك يجوز حل المجالس الشعبية المحلية باجراء شامل بموجب قرار من مجلس الوزراء اذا اقتضت حالة الضرورة ذلك او بسبب اخلال المجالس الشعبية المحلية بواجباتها او المخالفة الجسيمة للقانون".

وفي ظن المصريين جميعاً أن قيام الثورة وحتمية تطهير البلاد من كافة عناصر وفلول النظام البائد تمثل حالة ضرورة تحتم علي حل تلك المجالس، كما ان شيوع الفساد وانهيار اوضاع المحليات وتردي مستوي الخدمات في كافة المحافظات الوحدات المحلية دليل قاطع علي اخلال المجالس بواجباتها، فضلاً عن انتشار الفساد في كافة قطاعات العمل بالمحليات هو دليل علي المخالفة الجسيمة لقانون الادارة المحلية.

وفي حالة حل المجالس الشعية المحلية يمكن الاستعاضة عنها بتشكيل لجان شعبية علي مستوي كل وحدة محلية "المحافظة - المركز - المدينة - الحي - القرية" يصدر بتشكيلها ونظام عملها ومسئوليات اعضاءها قرار من رئيس مجلس الوزراء، وتختص تلك اللجان الشعبية بالرقابة علي أعمال الإدارات التنفيذية علي كل مستوي وذلك لفترة سنة علي الاقل حتي تستقر اوضاع البلاد بعد اعداد الدستور الجديد وانتخاب رئيس الجمهورية فضلاً عن تشكيل البرلمان الجديد، وفي خلال تلك السنة يتم اعداد قانون جديد يؤسس لنظام ديمقراطي للحكم المحلي يكرس اللامركزية ويتيح للوحدات المحلية حرية الحركة في إدارة شئون المحليات خاصة مسئوليات التنمية المحلية والنهوض بالخدمات العامة ويعالج كل سلبيات القانون الحالي للإدارة المحلية، كما يؤسس لانتخاب المحافظين والقيادات المحلية بدلاً علي اسلوب التعيين.

- المطلب الثوري الرابع: تطوير نظام الادارة الجامعية

كلنا يعرف كيف كان النظام السابق يختار رؤساء الجامعات ونوابهم وعمداء الكليات، وكلنا يعلم تماما دور جهاز مباحث أمن الدولة المنحل في الدفع بعناصر لتولي تلك المناصب الجامعية الرفيعة وهم لا يملكون المؤهلات الفكرية والقدرات القيادية اللازمة لتحمل تبعات مناصبهم، بل كل ما كان يؤهلهم هو الولاء للنظام والتبعية لقيادات الحزب الحاكم المنحل، والخضوع التام لسياسات والعمليات النظام الساقط وجهازه الأمني في منع الممارسة السياسية في الجامعات والتنكيل بالطلاب واعضاء هيئة التدريس المعارضين للنظام، لذا كان المطلب الثوري الذي توقع المصريون تحققه بمجرد نجاح الثورة هو تطهير الجامعات من قياداتها المرتبطة بروابط المصالح والولاء للنظام الساقط واستبدال قيادات جديدة تنتمي الي الشعب وثورته وتعبر عن قيم الدميقراطية والحيرة والعدالة بهم، ولكن للأسف لا تزال حكومة الثورة مترددة في تحقيق مطلب الشعب، وبرغم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية في كثير من الجامعات ومنها اعتصامات طلاب وبعض اعضاء هيئة التدريس بكلية الاعلام في جامعة القاهرة مطالبين بعزل عميدها، وهو أحد أعمدة لجنة السياسات في الحزب المنحل، من دون ان تستجيب الجامعة او الحكومة لمطالبهم.

إن العام الجامعي قد أوشك فعلاً علي الانتهاء، ويصبح من الضروري ان تسارع الحكومة بإجراء تعديل في قانون تنظيم الجامعات يحدد الانتخاب اسلوباً لاختيار رؤساء الجامعات ونوابهم وعمداء الكليات، علي أن تجري تلك الانتخابات خلال الفترة "يونيو - يوليو" حتي تتسلم القيادات الجامعية الجديدة المنتخبة ديمقراطيا مسئولياتها قبل فترة كافية من بداية العام الجامعي الجديد، ومن ثم يتسني لهم الاعداد الجيد لبداية ديمقراطية في جامعاتهم، وقد طرحت أفكار مختلفة لأسلوب اجراء انتخابات القيادات الجامعية، كما تشكلت لجنة لإعداد مشروع بهذا الصدد من المنتظر ان تنهي عملها خلال أيام، والمهم ان تلتزم الحكومة بتنفيذ ما يتوافق عليه ممثلو اعضاء هيئات التدريس في مجالس كلياتهم ونواديهم، مع ضرورة الاسراع بإنجاز هذا التغيير قبل نهاية يوليو حتي لا نفاجأ بحلول العام الجامعي الجديد والقيادات القديمة راسخة في اماكنها.

وأخيراً، أتوجه بنداء الي المجلس الاعلي للقوات المسلحة وحكومة الثورة برئاسة دكتور عصام شرف، ان الاستجابة الي مطالب الثورة ضمان لحماية الوطن وتأمين لانتقاله الي ما يصبو إليه المصريون من مجتمع الحرية والعدالة والديمقراطية الذي دفعوا ثمناً غالياً في سبيل الوصول إليه.

وإلي اللقاء في مقال الاسبوع القادم مع مزيد من المطالب الثورية التي تأخر حسمها كثيراً!