رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدستور أولاً...... الطريق الصحيح للتحول الديمقراطي

تمر الأيام ومصر الثورة لا تتقدم بالقدر الكافي وبالسرعة المأمولة نحو تحقيق أهدافها في الديمقراطية والحرية والعدالة من خلال إدارة عملية التحول الديمقراطي وإنهاء المرحلة الانتقالية بتسليم الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة ديمقراطياً.

وتتمركز القضية الجوهرية الآن في الخلاف بين فريقين من المصريين، الفريق الأول يستمسك بكل قوته بما أسفر عنه الاستفتاء علي تعديلات بعض مواد دستور 1971 المعطل وما انتهي إليه من تقرير إجراء الانتخابات التشريعية في غضون ستة أشهر من تاريخ الاستفتاء الذي أجري في التاسع عشر من مارس 2011 يلي ذلك أن يجتمع الأعضاء المنتخبون في مجلسي الشعب والشوري بدعوة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة، خلال ستة أشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو، تتولي إعداد دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ثم يتم الاستفتاء عليه بعد خمسة عشر يوماً من إعداده. ويؤكد المناصرون لهذا الرأي، وهم يتمثلون بالدرجة الأولي في جماعة الإخوان المسلمين وجماعات السلفيين والأحزاب ذات المرجعية الدينية وعناصر الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، أن الإسراع بإجراء الانتخابات التشريعية علي النحو السابق هو أمر ضروري لاستعادة الاستقرار للوطن وإيجاد حكومة منتخبة تستطيع إدارة شئون البلاد تكون قادرة علي اتخاذ قرارات مهمة ومحورية لا تملك الحكومة الانتقالية الحالية القدرة علي اتخاذها.

وعلي الجانب الآخر تحتشد الأحزاب ذات التوجه الليبرالي وأغلب ائتلافات واتحادات شباب الثورة للمطالبة بحتمية إعداد الدستور الجديد للبلاد أولاً ثم إجراء الانتخابات الرئاسية يليها الانتخابات التشريعية باعتبار ذلك هو المنطق الدستوري والقانوني والسياسي الصحيح الذي يؤسس لدولة ديمقراطية حديثة، ويتجنب سيطرة فصيل معين له أغلبية في مجلسي الشعب والشوري في وضع دستور لا يعبر عن إجماع وطني وتوافق كل طوائف الشعب. وقد أيد هذا الرأي أغلب المشاركين في اجتماعات الحوار الوطني ومؤتمر الوفاق القومي، كما عبر عن تأييده لهذا التوجه عناصر مهمة في الحكومة الحالية، وكان أصرحهم في إبداء هذا الرأي الدكتور جودة عبد الخالق وزير التضامن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية الذي ألقي كلمة واضحة في الاجتماع الثاني لمؤتمر الوفاق القومي مؤكداً أن إجراء الانتخابات التشريعية قبل إعداد الدستور هو قلب للأوضاع الطبيعية يماثل " وضع العربة أمام الحصان".

ويساند المجلس الأعلي للقوات المسلحة الرأي الأول حيث أكد اللواء ممدوح شاهين أكثر من مرة أن الانتخابات التشريعية ستجري في موعدها المقرر في سبتمبر القادم، ويستند في ذلك إلي ما سبق أن أعلنه المجلس من رغبته في ألا تطول الفترة الانتقالية عن ستة أشهر. وقد بدأت تلك الفترة فور تخلي الرئيس السابق عن منصبه وتكليفه المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد الذي أصدر الإعلان الدستوري الأول في 13 فبراير الماضي ونص فيه علي أن يتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر أو انتهاء انتخابات مجلسي الشعب والشوري ورئاسة الجمهورية، ،الأمر الذي كان من المفترض معه أن تنتهي الفترة الانتقالية في العاشر من يوليو القادم. كما تضمن ذلك الإعلان الدستوري الأول تشكيل لجنة لتعديل بعض مواد بالدستور تم الاستفتاء عليها يوم 19 مارس 2011. ثم عاد المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليصدر الإعلان الدستوري الثاني في 30 مارس متضمناً 63 مادة جاء بالمادة 41 منه أن " تبدأ إجراءات انتخاب مجلسي الشعب والشوري خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا الإعلان"، كما جاءت المادة 61 من الإعلان الدستوري لتنص علي أن " يستمر المجلس الأعلي للقوات المسلحة في مباشرة الاختصاصات المحددة في هذا الإعلان وذلك لحين تولي كل من مجلسي الشعب والشوري لاختصاصاتهما، وحتي انتخاب رئيس الجمهورية ومباشرته مهام منصبه كل في حينه". وبذلك فقد امتدت الفترة الانتقالية عملياً لأجل غير محدد ، حيث لم يحدد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما يخالف ما كان المجلس قد ألزم نفسه به في إعلانه الدستوري الأول.

ويري كثير من فقهاء الدستور وأساتذة القانون أن الدستور هو التعبير الأصيل عن المبادئ والقيم والأسس التي يقوم عليها المجتمع وتتحدد وفقاً له مؤسسات الدولة وسلطاتها وطبيعة العلاقات بينها والذي يجب أن تتم الانتخابات التشريعية وفقاً له. ومن القضايا التي تثار في شأن أفضلية وضع الدستور الجديد أولاً،  قضية نظام الحكم الذي سيرتضيه الشعب في الدستور الجديد وهل سيكون نظاماً برلمانياً أم رئاسياً أو مزيجاً من النظامين؟ وهل سيتكون البرلمان الجديد من مجلس واحد أم مجلسين؟ وفي حالة استمرار مجلس الشوري في تركيبة البرلمان حسب الدستور الجديد، هل سيتم تعيين ثلث الأعضاء بواسطة رئيس الجمهورية أم ستتغير تلك النسبة؟ وهل سيستمر تعيين رئيس الجمهورية لعشرة أعضاء بمجلس الشعب؟ وهل سيتضمن الدستور الجديد نصاً بتخصيص نسبة للعمال والفلاحين في عضوية المجالس التشريعية والمجالس الشعبية المحلية أم سيتم العدول عنها؟ ويتساءل الكثيرون ماذا لو ألغي الدستور الجديد نسبة العمال والفلاحين وماذا سيكون عليه موقف البرلمان المنتخب في هذه الحالة؟

وفضلاً عن الإشكاليات الدستورية والقانونية، فإن اعتبارات عملية لا بد أن تؤخذ في الحسبان حين تقرير موعد الانتخابات التشريعية القادمة أهمها أن الاستعداد لتلك الانتخابات غير مكتمل، فلم يتم مباشرة اللجنة العليا للانتخابات لاختصاصاتها التي نص عليها قانون مباشرة الحقوق السياسية، ولم يتم إصدار قرار رئيس المجلس الأعلي  للقوات المسلحة بتشكيل الأمانة الفنية للجنة العليا، ولم تعلن قاعدة

بيانات الناخبين وفق قاعدة بيانات الرقم القومي، ولم تحسم قضية طريقة تصويت المصريين في الخارج في الانتخابات. كذلك لم تتم مناقشة آراء الأحزاب والقوي السياسية في شأن مشروع تعديل بعض مواد قانون مجلس الشعب فيما يتصل بطبيعة النظام الانتخابي الذي ستجري علي أساسه الانتخابات القادمة، ولم يتم تعديل قانون مجلس الشوري لتحديد طريقة انتخاب أعضائه. والثابت أيضاً أن قانون الدوائر الانتخابية سيكون في حاجة أكيدة للتعديل في ضوء النظام الانتخابي الجديد الذي سيتم إقراره في قانوني مجلسي الشعب والشوري، وأيضاً نتيجة لإلغاء محافظتي 6 أكتوبر وحلوان!

ولا أريد أن أفيض في سرد المشكلات العملية التي تجعل إجراء الانتخابات التشريعية في سبتمبر القادم أمراً محفوفاً بالمخاطر، بل أريد التركيز علي ضرورة التمسك بالمنطق الدستوري السليم والذي يقضي بأولوية وضع الدستور ثم إجراء الانتخابات بعد ذلك. وهنا لنا وقفة مع من يتهمون دعاة وضع الدستور أولاً بالالتفاف علي نتيجة الاستفتاء، ونقول ان الإعلان الدستوري في 30 مارس خالف ما تم استفتاء الشعب عليه إذ أسقط الفقرة الأخيرة المضافة إلي المادة 189 من دستور 1971 والتي تم موافقة الشعب عليها في الاستفتاء وكانت تنص علي " ولكل من رئيس الجمهورية، وبعد موافقة مجلس الوزراء، ولنصف أعضاء مجلسي الشعب والشوري طلب إصدار دستور جديد، وتتولي جمعية تأسيسية من مائة عضو، ينتخبهم أغلبية أعضاء المجلسين من غير المعينين في اجتماع مشترك، إعداد مشروع الدستور  في موعد غايته ستة اشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض رئيس الجمهورية المشروع، خلال خمسة عشر يوماً من إعداده، علي الشعب لاستفتائه في شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء

كذلك خالفت المادة رقم 60 في الإعلان الدستوري نص المادة 189 مكرراً التي تم استفتاء الشعب عليها في 19 مارس حين جعلت المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الذي يدعو الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشوري لاجتماع المشترك لانتخاب الجمعية التأسيسية التي ستتولي وضع الدستور، بينما كان النص الذي تم الاستفتاء عليه يحيل إلي الفقرة الأخيرة من المادة 189 التي أسقطها الإعلان الدستوري. والفارق الأساسي بين ما تم الاستفتاء عليه وما جاء به الإعلان الدستوري، أن مواد الاستفتاء كانت تفترض وجود رئيس للجمهورية قبل وضع الدستور، بينما جاء الإعلان الدستوري ليحل المجلس الأعلي للقوات المسلحة محل رئيس الجمهورية الذي سيجري انتخابه بعد وضع الدستور! كما أسندت المادة رقم 40 من الإعلان الدستوري اختصاص الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلسي الشعب والشوري إلي محكمة النقض بدلاً من المحكمة الدستورية العليا كما جاء في التعديل الذي وافق عليه الشعب للمادة 93 من الدستور.

خلاصة القول، ان الواقع العملي والمصلحة العامة للبلاد فرضا علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة التحلل من بعض ما تم الاستفتاء عليه من تعديلات لمواد دستور 1971،وبنفس المنطق يجب علي المجلس الأعلي النظر إعادة ترتيب خطوات التحول الديمقراطي والخروج من الفترة الانتقالية مراعاة للمصلحة العامة وذلك بتقديم وضع الدستور الجديد علي إجراء الانتخابات التشريعية. وفي جميع الأحوال، فلن تمتد الفترة الانتقالية لأبعد مما يرغبه المجلس إلا لبضع أسابيع أو شهور قليلة قد لا تجاوز ثلاثة أو أربعة أشهر!

لقد ساند المجلس الأعلي للقوات المسلحة ثورة الشعب وتعهد بحمايتها وضمان تحقيق أهدافها، والأمل في أن يتقبل المجلس دعوة طوائف متزايدة من الشعب المصري لإقرار المنطق الدستوري الصحيح ووضع البلاد علي طريق آمن ومضمون للتحول الديمقراطي السليم، وبذلك يكون قد أوفي بالوعد وحقق للوطن انتقالاً آمناً إلي مرحلة الديمقراطية .