رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر التي في خاطري

 

علي مدي ثمانية عشر يوماً وقف أبناء مصر صفاً واحداً في ميادينها الكبري ينادون بإسقاط النظام.. فسقط. وعلي مدي تلك الأيام الثمانية عشر المجيدة كان قرار المصريين في ميدان التحرير بالقاهرة وميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية وميادين السويس والمنصورة وبورسعيد وجميع المدن المصرية أنه لا حوار قبل رحيل الطاغية.. فتحقق لهم ما أرادوا ورحل إلي منفاه ثم محبسه في شرم الشيخ. وثار المصريون ووقفوا جبهة واحدة متراصة ليسقطوا حكومة أحمد شفيق.. وكان لهم ما أرادوا. وأعلن المصريون أن الشعب والجيش يد واحدة.. فوقف الجيش إلي جانب ثورتهم وقدم لها ولهم الحماية ضارباً بعرض الحائط رغبة رأس النظام الساقط في ضرب الثائرين، وكان قرار قوات الشعب المسلحة " لن نطلق النار علي مصري.. ولن نكون بديلاً للشرعية الثورية"!

تلك الثورة الرائعة التي بهرت العالم لم يحدث خلال أيامها الثمانية عشر حادث واحد من جانب الثوار، ولم يشهد أي من ميادين التحرير المصرية اعتداء علي أحد أو تحرشاً بفتاة أو سيدة. كان المصريون من جميع الفئات والأعمار يحتشدون في الميادين ليل نهار من دون وقوع حادثة واحدة تعكر نقاء ثورتهم أو تسئ إلي روعة الصورة التي تابعها العالم بإعجاب وانبهار. وحتي حينما تعرض الثوار في ميدان تحرير القاهرة إلي هجمة البلطجية من فلول النظام الساقط، تمكنوا بفضل الله من مواجهتهم وحماية الثورة بما ظهر من تماسكهم وصمودهم وإيمانهم بأهداف ثورتهم وتماسكهم علي اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم السياسية.

وبرغم خيانة النظام السابق ووزير داخليته والجرائم التي ارتكبها ضد الثوار من قتل متعمد بالرصاص الحي والدهس بسيارات الأمن المصفحة وإطلاق الغازات المسيلة للدموع وإطلاق الرصاص المطاطي وكل ما تمكنوا من حشده من قوات الأمن المركزي والقوات الخاصة، فقد التف الثوار حول هدفهم الأسمي وساندهم الشعب ثم الجيش ، وصمدوا جميعاً في وجه قوي البغي والعدوان، ونجحوا في إصابة رأس النظام وقياداته بالذعر والانهيار.. فسقط النظام ونجحت الثورة.

نجحت الثورة لسبب رئيسي هو وحدة الثوار واحتشاد الشعب حول هدف إسقاط النظام وتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة. في تلك الأيام المجيدة من 25 يناير حتي 11 فبراير لم يسمع العالم ثائراً يقول »أنا« بل كان الجميع يتصايحون " نحن " وكانت الصيحة التي تدوي في كافة الأرجاء " الشعب يريد...". لم نشهد خلال أيام الثورة المجيدة من حاول من شبابها أن ينسب الفضل لنفسه، أو يتحدث عما قام به من عمل أو بطولة، بل كان الكل في واحد، والواحد في الكل. انصهر المصريون جميعاً في كتلة صلبة رائعة من الإيمان بالوطن والتصميم علي التغيير والتحرير. نجح المصريون في ثورتهم وقاوموا الانفلات الأمني الذي خطط له النظام الساقط بوحدتهم ووقوفهم صفاً واحداً. كانت ملحمة اللجان الشعبية نموذجاً رائعاً في تصدي الشعب بكل فئاته ومن كل الأعمار لحماية الوطن والممتلكات والضرب بيد من حديد علي كل من يريد إفساد جمال الثورة وتشويه إنجازها الرائع بإسقاط رأس النظام الذي جثم علي صدور المصريين ثلاثين عاماً نشر خلالها الفساد والاستبداد وأهدر موارد الوطن واستباح حرماته وأسلم قياده للصهاينة والأمريكان.

واليوم.. نري صورة مغايرة تثير الألم والخوف علي مستقبل الوطن ومسيرة الثورة. انقسم شباب الثورة إلي فرق بلغت ما يزيد علي المائة والخمسين، وتعددت ائتلافات الثورة واتحاداتها ، برغم أن الائتلاف والاتحاد هي مسميات تعني الوحدة وليس التشتت. شهدنا منازعات تنشأ بين فرق الثوار ومظاهر " الأنا "  تعلو المشهد الثوري. ورأينا عناصر الثوار يختلفون في مواقفهم ويتفرقون حيث يجب أن يجتمعوا علي كلمة سواء. وراحت قوي ما قبل الثورة تركب موجتها وتستقطب شبابها في أحزاب وفرق متنازعة ومتصارعة، ونسي الكثيرون هدفهم الأسمي وهو " إسقاط النظام" وليس مجرد رئيسه وقياداته الظاهرة.

إن تحرير مصر وتحديثها والارتفاع بها إلي مصاف الدول المتقدمة ينبغي أن يكون هو الغاية والثورة هي الوسيلة. يا شباب مصر وشعبها دعونا نعد مرة أخري، وقبل فوات الأوان، إلي روح ميدان التحرير، دعونا نقرأ المشهد الحالي في ضوء أهداف الثورة لنكتشف كم بعدنا عن المسار الصحيح، ولكي نقرر وبكل الشجاعة أن نعود إلي التوحد والتماسك ونسيان الذات وإعلاء كلمة مصر.

والخطوة الأولي في طريق مراجعة الموقف والعودة إلي التلاحم الثوري هي الاتفاق علي الأهداف والصورة التي نريدها لمصر التي في خاطرنا. وأتصور أننا جميعاً نتفق، أو يمكن أن نتوافق، علي صورة مصر التي نحلم بها كما يلي: دولة مدنية، جمهورية ديمقراطية، السيادة فيها للشعب،

دولة الحرية وسيادة القانون، دولة المواطنة، دولة العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، دولة استقلال القرار الوطني. وكل تلك الأمنيات يتضمنها دستور حديث يوضع بإرادة كل الشعب وليس مجرد طائفة أو حزب.

إننا يمكن أن نحقق صورة مصر التي نريدها، والتي من أجلها سالت دماء الشهداء من أبنائها وأصيب وفقد الآلاف منهم، بالاتحاد وليس التفرق، بالاحتشاد وليس التحزب، بإعلاء كلمة الوطن وأهدافه والتجرد من الأهداف والرغبات الشخصية والفئوية أو الحزبية.

إن ثورتنا تواجه تحديات هائلة داخلية وخارجية، ويتربص بها أعداؤها من عناصر النظام الساقط وأعوانهم في الخارج الذين ضربت الثورة مصالحهم. ولكن التحديات الداخلية والنابعة من تفرق كلمة الثوار واختلافاتهم هي الخطر الأكبر علي الثورة ومسيرتها. إن الشعب المصري كله مدعو للوقوف بقوة وحسم لتجاوز الخلافات والعودة للالتفاف حول أهداف الثورة وتأمين وصولها إلي غايتها ببناء مصر أفضل لنا جميعاً. إننا مطالبون بالتوحد والعمل المشترك للعمل علي توحيد الأمة في كيان منسجم ومتعاون ومتصالح مع نفسه، حيث يدرك الجميع أنهم في قارب واحد ومصيرهم مرتبط معا، يعيشون في تناغم وشراكه كاملة، وأن نعمل سوياً علي خلق وتدعيم مجتمع ديموقراطي متطور.

إننا مطالبون بتطوير منظومة وطنية متكاملة للبحث العلمي والتطوير التقني تستثمر المتاح من عقول وقدرات العلماء والباحثين المصريين في الداخل والخارج لإرساء التنمية الوطنية الشاملة علي أسس صحيحة ومستدامة، وإقامة مجتمع يستند إلي العلم والمعرفة، يتميز بالابتكار والنظرة المستقبلية، لا يركن فقط لأن يكون مستهلكا للتقنية المستوردة، بل تكون له مساهماته في تطوير وتنمية الحضارة العلمية والتقنية للمستقبل.

إن الانتقال الآمن والسريع لمستقبل مصري أفضل يتطلب تحقيق نهضة شاملة في منظومة التعليم المصرية علي كافة المستويات تتوفر فيها معايير الجودة ومتطلبات الاعتماد الدولية، وترقي إلي مصاف المنظومات التعليمية العالمية. إن تطوير وتحديث مصر يحتم تطوير أنماط من النظم والتقنيات والهياكل الإدارية المتطورة وفق معايير الجودة والتميز، تلتزم بمنهجيات إدارية تقوم علي التخطيط الاستراتيجي والتقويم الموضوعي للإنجازات والآثار المترتبة عليها، والقضاء علي فرص ومصادر الفساد المؤسسي. ويتكامل مع هذه الغاية الاستثمار في إعداد وتنمية أجيال من القادة المتمرسين في علوم الإدارة واستراتيجياتها فضلاً عن التعمق في مجالات التخصص العلمية والمهنية المختلفة، وإيجاد نظم فعالة وموضوعية لاختيار هؤلاء القادة وإسناد مهام ومسئوليات الإدارة إليهم في كافة مؤسسات الدولة المركزية والمحلية.

ولن يتحقق لمصر الأمن والأمان إلا بإنجاز طفرة اقتصادية شاملة ونهضة في الإنتاج الزراعي والصناعي تؤمن كل احتياجات المواطنين ويجعل قرار مصر مستقلاً بعيداً عن شروط المانحين والمقرضين.

إن المصريين حكاماً ومحكومين مطالبون باستعادة هوية مصر الأصيلة وتأكيد انتمائها العربي والإفريقي، وتحقيق الالتحام بالدوائر العربية والإفريقية والإسلامية باعتبارها المحيط الطبيعي لحركة مصر وتفاعلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإعادة التوازن والندية إلي علاقاتها مع الدوائر الأوروبية والآسيوية والأمريكية بشمالها وجنوبها، وأستراليا وكندا.

يا شباب الثورة وشعبها، إن أمامنا عملاً كبيراً، فلا تهدروا الوقت والطاقات في خلافات وتحيزات لأفكار أو مصالح فردية أو فئوية، واجتمعوا علي كلمة واحدة ... مصر.