رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دعوة للبناء علي إيجابيات الثورة.. وهزيمة أعدائها

 

لم يكن أكثر المتفائلين في مصر وخارجها يتوقع أن تتحول مظاهرة تطالب بالتغيير إلي ثورة تنجح في إسقاط نظام حكم مبارك الاستبدادي الذي جثم علي صدور المصريين ثلاثين عاماً، وحين أعلن بعض شباب مصر عزمهم علي تسيير مظاهرة  يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت أكثر التوقعات تفاؤلاً أن ينضم إليها بضع مئات أو آلاف علي الأكثر، ولم يمر بخاطر أحد أن يحتشد ملايين المصريين في ميدان التحرير، وكل ميادين مصر، ثمانية عشر يوماً تنتهي بتخلي رأس النظام الساقط عن منصبه يوم 11 فبراير لترتفع صيحات الفرح والتهليل بسقوط الديكتاتور وبزوغ فجر الحرية والعدالة والديمقراطية.

وكما نعلم جميعاً فقد تعرض شباب مصر وشعبها لأقسي محاولات القهر يوم جمعة الغضب 28 يناير، حيث شن النظام الساقط جيوش أمنه للتعامل بكل القسوة والجبروت لإجهاض الثورة والمحافظة علي عرش مالك النظام، فتم قتل ما يكاد يصل إلي الألف شهيد وإصابة ما يقرب من عشرة آلاف مواطن شريف وفقد مئات أو آلاف لا يعلم عددهم إلا الله وذووهم المكلومون بفقدهم. ثم كانت الخيانة الكبري لقادة النظام البائد حين أمروا قوات الشرطة بالانسحاب وترك أقسام الشرطة للمخربين يحرقونها ويستولون علي ما بها من أسلحة ،وفتح السجون وإطلاق السجناء ليعيثوا في الأرض فساداً وترويعاً للآمنين ونهباً للممتلكات، كل ذلك بهدف توجيه ضربة قاسمة للثورة وإتاحة الفرصة للنظام المتهاوي أن يسترد أنفاسه ويستعيد سيطرته علي الموقف.

وقد فشلت تلك الخيانة في إحداث أثرها بفضل رعاية الله وتدخل القوات المسلحة ويقظة الشعب المصري الذي سارع رجاله ونساؤه ، شبابه وشيوخه في تشكيل اللجان الشعبية التي ملأت الفراغ الأمني الذي أحدثته خيانة قيادات الشرطة وقامت بعمل بطولي رائع في حماية الممتلكات والمساكن وتنظيم الحركة في الشوارع بما فوَّت الفرصة علي المتآمرين. ولم يفقد المتآمرون الأمل في إجهاض الثورة فكانت موقعة الجمل الشهيرة يومي 2 و3 فبراير والتي تم إفشالها بصمود شباب التحرير ومساندة الشعب لهم.

وقد قصدت بالإشارة إلي هذه الأحداث التذكير بقيمة وعظمة ما تحقق خلال أربعة اشهر مما كان يعتبر ضرباً من الخيال قبل 25 يناير، وللتأكيد علي أن ما تمر به البلاد الآن من استمرار الانفلات الأمني وعدم استعادة الشرطة كفاءتها في ضبط الأمن وتأمين المواطنين، وعودة أعمال البلطجة وأحداث الفتنة الطائفية، مع اشتداد الضائقة الاقتصادية، لا يجب أن يجعلنا ننسي ما حققناه علي الأرض وهو كثير وعظيم. لو تأملنا حال مصر الآن وقارناها بما كانت عليه قبل مائة وعشرين يوماً فقط لهالنا حجم الفرق الرهيب بين الحالين. حتي صباح الخامس والعشرين من يناير 2011 كان مبارك يتربع علي عرش مصر يتحكم في مصير البلاد والعباد لا معقب لقوله ولا راد لقراره. كانت السيدة سوزان مبارك تدير شئون البلاد وتواصل التخطيط والسعي لتنفيذ حلمها الكبير بتوريث الحكم لابنها جمال. وكان الحزب الوطني الديمقراطي يقود البلاد إلي الهاوية بتزوير الانتخابات ونشر الفساد وتمكين الانتهازيين واللصوص من نهب موارد الوطن وتبديد قدراته. كانت حكومة الفساد برئاسة أحمد نظيف توالي تبديد ثروة مصر من الغاز الطبيعي وتصدره إلي إسرائيل وغيرها لقاء أبخس الأسعار، وكانت شئون مصر وسياساتها ومقدراتها يعبث بها الوريث المنتظر وحفنة من المتسلقين والانتهازيين من أكاديميين ورجال أعمال وفاسدين من كل نوع، يدمرون فرص النمو ويشيعون الفقر والبطالة وحياة العشوائيات بين ملايين المصريين، وكان إعلام النظام الساقط يواصل تضليل الناس ليل نهار، وكان كتبة النظام في الصحف المسماة بالقومية وجهاز التليفزيون الرسمي يجاهرون بمنافقة الرئيس الفاسد وزوجته وابنيه والطغمة المحيطة بهم، يزينون قراراتهم، ويهللون لتحركاتهم، وقد وصل بهم النفاق أن نسبوا مصر العظيمة إلي مبارك فصار اسمها عندهم " مصر مبارك"، وغالوا في النفاق والكذب فهللوا له وزعموا أن مصر قد ولدت من جديد يوم ميلاده!

وحتي صباح الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت سياسات مصر تملي علي الرئيس الساقط وعصابته من واشنطن وتل أبيب، وكانوا يتبعون الأوامر والتعليمات تأتي من نتنياهو وكل من سبقه من رؤساء وزراء الكيان الصهيوني، فتحاصر غزة وتدمر أنفاق الحياة التي تسهم في تزويد أهلها بالاحتياجات الضرورية التي كانوا يشترونها من مصر، ويشيد الجدار العازل بين مصر وغزة ليسد شريان الحياة عنها، ويغلق معبر رفح أمام أهلنا في فلسطين انصياعاً لتعليمات سادة النظام الأمريكيين والإسرائيليين بزعم أنها شروط اتفاقية دولية لتنظيم عمل المعابر لم تكن مصر طرفاً فيها!

وحتي صباح الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت مصر في أدني درجاتها وأسوأ حالاتها في المحيط الدولي، فقد انحازت سياستها الخارجية تلهث وراء كل ما تمليه واشنطن من توجيهات سواء جاءت عبر السفير الأمريكي بالقاهرة أو حملتها الشمطاء كونداليزا رايس أو هيلاري كلينتون. وفقدت مصر تأثيرها العربي والإقليمي وراحت تركيا - علي سبيل المثال - تمارس دوراً إيجابياً في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين وترسل سفن " أسطول الحرية" حاملة المؤن والدعم لأهل غزة، بينما نظام مبارك الفاسد يصادر شحنات الغذاء والمعونات التي يتبرع بها المصريون وغيرهم من مواطني الدول الشقيقة والمساندين للحق الفلسطيني ويمنع وصولها إلي غزة، ويلاحقون الناشط السياسي الإنجليزي جورج جالاوي ويطردونه من مصر ويمنعونه من العودة إليها عقاباً له علي تجرؤه بنقد إسرائيل وممارساتها الاستعمارية ضد أهل غزة.

وحتي الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت القطيعة بين مصر والسودان بادية واضحة، والخلافات بين مصر وقطر تثير التساؤل عن اسبابها، والقطيعة مع إيران والتي استمرت قرابة الثلاثين عاماً هي فترة حكم الرئيس المخلوع لا تجد من يستطيع تفسيرها، وفي نفس الوقت كان الارتماء في أحضان الدولة الصهيونية والعمل علي تمرير كل المشاريع والمحاولات الهادفة إلي تيسير اختراقها للصف العربي وفرض التطبيع مع مصر والدول العربية كما حدث حين سارع الرئيس المخلوع لمساندة مبادرة الرئيس الفرنسي ساركوزي لإنشاء ما

أطلق عليه " الاتحاد من أجل المتوسط" والذي كانت غايته الرئيسة إدماج إسرائيل - وهي ليست من دول حوض البحر الأبيض المتوسط ذ في المنطقة وإحياء مشروعها الحلم " الشرق الأوسط الكبير"!

وحتي الخامس والعشرين من يناير 2011 كان مجلس الشعب المزوَّر ورئيسه القابع في مقعده لأكثر من عشرين عاماً يمارس تمرير القوانين لحماية الاحتكار والمحتكرين ويسهم في استلاب ثروات الشعب وتضليله بمعارك تليفزيونية بين وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالي ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وكان مجلس الشوري ورئيسه يواصل استكمال الديكور الديمقراطي الذي ابتدعه الرئيس الأسبق السادات، وكان جهاز مباحث أمن الدولة يحكم قبضته علي كل شيء في الوطن ويتدخل في إدارة الجامعات والوزارات والهيئات ومنظمات المجتمع المدني ويخترق الأحزاب ويصطنع المضللين والانتهازيين ويضع رجاله وأعوانه في كل مكان يتنصتون علي المواطنين ويلفقون القضايا للمعارضين الشرفاء، ويملؤون السجون والمعتقلات بالشرفاء، ويغتالون شباب الشهيد خالد سعيد ويفجرون كنيسة القديسين وينشرون الشائعات لزرع وتفجير الفتنة الطائفية.

ثم كان يوم الحادي عشر من فبراير 2011 يوم اضطر الطاغية إلي التخلي عن منصبه تحت ضغط وإصرار شباب التحرير الشرفاء وزملائهم في كل ميادين مصر من الإسكندرية إلي أسوان. ثمانية عشرة يوماً رائعة عاشها المصريون بكل نبضات قلوبهم وكل حواسهم متابعين تطورات الموقف ومدافعين عن ثورتهم بأرواحهم. واليوم، ورغم كل ما يشاهده المصريون من أحداث لا يتمني أحد استمرارها، فإن المشهد قد تغير تماماً وتحقق لمصر انعتاقها من أسر الطغيان والديكتاتورية. اليوم يملك الشعب قراره وحقه في الاختيار وتقرير مصيره، اليوم يستطيع المصريون أن يقولوا " لا" بعد أن كسروا حاجز الصمت ونزعوا حواجز الخوف من نفوسهم. اليوم يملك المصريون حقهم في الاختيار ويستطيعون الاعتراض علي قرارات الحكومة التي لا ترضيهم. اليوم استعادت مصر موقعها علي الخريطة الدولية والإقليمية وعاد الناس في كل مكان يتحدثون عن ثورة مصر وعظمة الدور المصري الذي افتقدوه كثيراً أيام النظام البائد. بعد أسابيع قليلة من 25 يناير نجحت مصر الثورة في تحقيق مصالحة تاريخية بين جميع الفصائل الفلسطينية لتسهم بذلك في وضع الشعب الفلسطيني الشقيق علي بداية الطريق الصحيح لقيام دولته المستقلة. واليوم نري أبناء مصر في داخل الوطن وخارجه يلتفون حول هدف واحد هو بناء مصر الديمقراطية ، دولة العدالة والحرية والقانون، وإن اختلفت الطرق التي يعتقدون أنها الأفضل للوصول إليه، إلا أنهم في خلافهم هذا يلتزمون النهج الديمقراطي ويخضعون لحكم الأغلبية كما شاهدنا يوم الاستفتاء علي تعديل بعض مواد دستور 1971.

لا أريد بقولي هذا التهوين من خطورة وصعوبة الموقف الاقتصادي وضرورة استعادة الأمن وتأكيد الوحدة الوطنية، ولكني أريد التأكيد علي أهمية وحتمية التوافق الوطني وضرورة تماسك الوحدة الوطنية وحشد كل الجهود من أجل اجتياز هذه المرحلة الصعبة، وهي من طبائع الأمور في حياة الشعوب الناهضة بعد ثوراتهم الناجحة.

أريد أن يري المصريون الجانب المشرق من إنجازات ثورتهم الرائعة التي أثارت إعجاب العالم وقدمت نموذجاً غير مسبوق في التغيير الديمقراطي. وأريد أن يتعاون المصريون في التغلب علي المصاعب التي تمر بها البلاد الآن، وهي للحق ليست بفعل الثورة ولا الثوار، ولكنها محصلة سياسات وممارسات نظام فاشل استمر ثلاثين عاماً وكان من الطبيعي أن تتفجر بعد سقوطه وإتاحة الفرصة للمواطنين أن يعبروا عما كانوا يعانونه من مشكلات. أريد أن ينظر المصريون إلي مستقبل الأيام وما يمكنهم تحقيقه لمصر بتماسكهم ووحدتهم وحرصهم علي ألا يتركوا أي فرصة يتسلل منها أعداء الثورة والوطن من الداخل أو الخارج ليضربوا ثورتهم ويفرقوا جمعهم.

أيها المصريون انظروا إلي نصف الكوب الملآن ولا تتوقفوا عند نصفه الفارغ، انظروا إلي شعوب كنتم اسبق منها في العلم والتقدم وعليكم ليس فقط اللحاق بهم، بل السبق إلي مستقبل يقوم علي الديمقراطية والمواطنة وسيادة القانون.

وأخيراً فإن للثورة رب يحميها.... وشعب بدمائه يفديها.. حمي الله مصر وشعبها.