حتي يكون الحوار الوطني مجدياً
تابعت وغيري من المصريين الجلسة "التشاورية" التي انعقدت الأربعاء الماضي لبحث أسس إدارة الحوار الوطني ومعايير اختيار المشاركين فيه. وسوف أبدأ بالإشارة إلي بضع نقاط أثارها بعض المدعوين لتلك الجلسة الأولي منها؛ علي أي أساس تم اختيارهم للمشاركة في تلك الجلسة، وسبب عدم إرسال جدول الأعمال مع الدعوة للاجتماع بحيث حضروا جميعاً وهم غير عارفين بما سوف يدور حوله الحوار، وكون بعضهم دعي إلي الاجتماع قبل موعده بساعات قليلة، فضلاً عن كبر العدد نسبياً فلم يتسع الوقت إلا بضع دقائق لكل من أراد التحدث!
وأشارك معظم المتحدثين تخوفهم - وهم محقون في هذا التخوف - من أن تتكرر تجارب سابقة في العهد البائد لما أطلق عليه " الحوار الوطني أو القومي" أداره المفسدون من قيادات الحزب الوطني المرفوض شعبياً بين أحزاب اختاروها بأنفسهم وجري في غرف مغلقة لمناقشة موضوعات لم يعلم بها أحد، ثم انتهت ليعلنوا علي الناس أن الحوار قد حقق أهدافه وأن المتحاورين قد اتفقوا علي ما تحاوروا بشأنه، وانتهي الأمر كأن لم يكن.
وحيث وصفت جلسة الأربعاء الماضي بأنها " تشاورية" وأن الحوار لم يبدأ بعد، كما أنه اتضح أن النية تتجه إلي أن يمتد هذا الحوار لثلاثة أشهر علي الأقل، وحيث أبدي كثير من المشاركين أهمية هذا الحوار وأنه قد تأخر عن موعده، يصبح محتماً وضع قواعد ومعايير واضحة لتحديد طبيعة الحوار والهدف منه والنتائج المتوقعة في نهايته، فضلاً عن اختيار آليات مبتكرة تضمن أن يكون حواراً وطنياً بالمعني الدقيق للعبارة، حتي يكون هذا الحوار مجدياً.
وفي رأيي أن الاتفاق علي غاية هذا الحوار هي القضية المحورية التي يجب البدء منها حتي لا يضل المتحاورون السبيل وتختلط الأوراق كما حدث بدرجة واضحة في تلك الجلسة التشاورية وذلك مع الاعتراف بأهمية وقيمة كل المداخلات التي تمت، ولكنها لم تكن تصب في مجري محدد فيما عدا بعض المتحدثين الذين التزموا بهدف الاجتماع وهو الاتفاق علي أسس الحوار ومعايير اختيار المشاركين! وأعتقد أن الهدف الأهم لحوار وطني يجري في مرحلة انتقالية بين عهدين لا بد وأن يكون بحث سبل التخلص من كافة عناصر ومقومات وسياسات وممثلي النظام السابق والتوصل إلي توافق وطني حول ملامح النظام الديمقراطي المستهدف الذي تكون السيادة فيه للشعب فعلاً لا قولاً ، وسبل تهيئة البنية الوطنية دستورياً وتشريعياً وسياسياً للانتقال الآمن إلي النظام الجديد.
إن قيمة الحوار الوطني تتناسب طردياً مع حيوية وخطورة القضايا التي يتناولها في ضوء اللحظة التاريخية التي يتم فيها. وليس من شك أن القضية الوطنية الأولي في مصر الآن هي ضرورة وسرعة الخروج من نظام مبارك الاستبدادي اللاديمقراطي الذي كرَّس ديكتاتورية الحاكم الفرد ونجح في إقصاء كافة القوي الوطنية ونشر الفساد السياسي وأقام حكمه علي تزوير إرادة الشعب واصطناع هيئات ومؤسسات سياسية وإعلامية تروّج لمقولاته وأفعاله، واستوزر رجال أعمال أتاح لهم فرص نهب الوطن وإهدار موارده وثرواته. ويكون الوجه الآخر لتلك القضية الوطنية الأولي هو صياغة النظام الجديد علي أسس مغايرة تماماً تكرس الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وتضع الحاكم في موضعه الصحيح كونه منتخباً من الشعب لينفذ إرادة الشعب ويقوم علي خدمته وهو موضع المساءلة والمحاسبة البرلمانية والسياسية والشعبية في كل وقت. ومقتضي قبول هذا الطرح كغاية للحوار الوطني أن يوضح المتحاورون المحاور الأساسية للقضية والتي يمكن أن تشمل أولاً تحديد عناصر ومقومات وسياسات وممثلي النظام السابق الواجب إسقاطهم، وثانياً تحديد عناصر ومقومات وملامح النظام الديمقراطي الجديد المستهدف، وثالثاً أولويات وأساليب وتوقيت إسقاط عناصر النظام السابق، ورابعاً خارطة الطريق لبناء عناصر النظام الجديد وتهيئة البنية المجتمعية لاستقباله والتفاعل معه.
كذلك فإن نجاح الحوار الوطني يتوقف علي دقة تحديد محاوره فضلاً عن غايته، ومن ثم يكون مفيداً أن يركز الحوار علي المحاور الرئيسة لقضيته المحورية والمبادئ العامة المحققة لها من دون الغوص في تفاصيل إجرائية يمكن أن تكون موضوعات لحوارات تفصيلية تالية حال التوصل إلي التوافق المجتمعي حول المحاور المفصلية للقضية الوطنية الأولي.
إن أي حوار لا يتعامل مع هذه القضية المحورية يصبح إهداراً للوقت وتمييعاً للقضايا وصرفاً للانتباه عن مخاطر "الثورة المضادة الممنهجة" التي يشاهد المصريون نماذجها يومياً، والتي حذر منها رئيس الوزراء دكتور عصام شرف بعد أن استقبلته في أول أيام رئاسته للوزراء بحرائق مقار جهاز أمن الدولة في مختلف المحافظات وإشاعة الفوضي في ميدان التحرير وهدم كنيسة أطفيح واعتصامات آلاف المصريين المسيحيين أمام مبني التليفزيون في ماسبيرو!
فإذا اتفقنا علي غاية الحوار الوطني يصبح مهماً الاتفاق علي معايير اختيار المشاركين فيه وآليات إدارة الحوار. وفي ظني أن
وتكون مهمة "أمانة الحوار الوطني" تلقي تلك الأوراق من كل من يتقدم بها - حتي من أفراد الشعب - ومتابعة الحوار المجتمعي عبر الفضائيات والموقع الإلكتروني للحوار وغيره من المواقع والمدونات الشخصية للناشطين من شباب الثورة، وتحليل ما يطرح من آراء واستخراج القواسم المشتركة بينها وإعداد تقارير أولية بأوجه الاتفاق ومناطق الاختلاف في تلك الرؤي لتطرح علي الرأي العام بمختلف الوسائل المسموعة والمقروءة والمشاهدة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة علي شبكة الإنترنت.
وبعد انتهاء فترة الحوار المجتمعي تعقد جلسات الحوار التي يتم نقلها عبر الفضائيات يومياً لإتاحة الفرص لممثلي الجهات أصحاب الأوراق الرئيسية لعرض خلاصات أوراقهم وبيان النقاط المحورية فيها. كما تعرض في نهاية تلك الجلسات تقارير أمانة الحوار الوطني عن النتائج العامة للحوار.
وفي النهاية تخصص عدة جلسات مغلقة تضم ممثلين لأطراف الحوار للتوصل إلي صيغة نهائية لنتائج الحوار تتضمن نقاط الاتفاق مع رصد نقاط الاختلاف أو البدائل المطروحة للوصل إلي غاية الحوار. ويتم نشر تلك الصيغة النهائية علي المواطنين مع التزام الحكومة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة باتباع الطريق الذي اختارته الأغلبية للتحول الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة.