عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كشف الحساب طويل‮.. ‬والرصيد صفر كبير‮!‬

 

حين كتبت مقال الأسبوع الماضي طالبت الحزب الحاكم منذ ثمانية وخمسين عاماً أن يقدم للشعب كشف حساب وليس برنامجًا آخر يكرر فيه ذات الوعود التي لم يعد المصريون يجدون فيها أي جديد، بل علي العكس فإن الواقع الذي يعيشونه يشهد نقيض تلك الوعود والشعارات التي يجتهد الحزب الحاكم مع كل مناسبة انتخابات أو مؤتمر في محاولة إطلاق شعار جديد حتي أصبحت شعاراته تنافس ابتكارات الفنان القدير المرحوم محمد أحمد المصري الشهير بأبو لمعة.

وقد افتتح الحزب الحاكم برنامجه الجديد بمقدمة استغرقت خمس صفحات جعل لها عنواناً مثيراً هو " انطلاقة جديدة إلي المستقبل" - كأنما كانت هناك انطلاقات سابقة -  احتوت علي قدر هائل من الأوهام التي يعجز صاحبنا أبو لمعة عن مجاراتها. فالحزب يفخر بما تحقق من تغيير في السنوات الخمس الماضية، وكاتب البرنامج يري مصر تقف علي أعتاب مستقبل واعد "سيشهد انطلاقها إلي آفاق أرحب من النمو والتقدم الاقتصادي وتحسين مستوي المعيشة والعدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية". ويقرر برنامج الحزب الحاكم أن مصر ستنتقل إلي مقدمة صفوف الدول البازغة اقتصادياً من دون أن يسمي تلك الدول، ومن دون بيان الآليات التي سيتم استخدامها لتحقيق هذا الانتقال. وإذا كان الحزب الحاكم جاداً في هذا الوعد فهل هو علي استعداد لتكرار التجربة الديمقراطية في تركيا بكل ما حققته من تطور اقتصادي ونمو مجتمعي مشهود؟ وهل قيادات الحزب الحاكم علي استعداد لمحاكاة تجربة لويز لولا دا سيلفا رئيس البرازيل السابق الذي رفض تعديل الدستور ليحصل علي فترة رئاسية ثالثة وأجري انتخابات رئاسية فازت بها نائبته بعد أن خاضت معركة الإعادة مع زعيم المعارضة؟

والغريب أن برنامج الحزب الحاكم يباهي بأن الحزب يمتلك "رؤية شاملة ومترابطة الأركان.. وضعت أسس انطلاقة اقتصادية تعتمد علي إعادة صياغة دور الدولة ليكون المنظم للنشاط الاقتصادي ويتولي مراقبته.." وذلك علي الرغم مما يثبته الواقع الاقتصادي والاجتماعي من أن الدولة لم تعد المنظم للنشاط الاقتصادي بعد تخليها عن مفاهيم التخطيط الاقتصادي وإلغائها لوزارة التخطيط وتركها المجال علي مصراعيه لمجموعات رجال الأعمال المرتبطين بالحزب ليمارسوا أنشطتهم الساعية إلي امتلاك الثروة والسيطرة علي موارد البلاد وكثير منهم يتعاون في ذلك مع العدو الإسرائيلي من خلال اتفاقية الكويز. ويشهد علي غياب تلك الرؤية المتكاملة العديد من قضايا الاحتكار- كما في حالة شركات الأسمنت ذ وقضايا الفساد وتضارب المصالح لكثير من الوزراء من رجال الأعمال، وافتقاد الاستقرار في الأسواق والمضاربات العنيفة في سوق الأوراق المالية وما يحققه الكبار من أرباح هائلة معفاة من الضرائب علي حساب صغار المستثمرين وبفضل غياب الشفافية.

ويدعي كتبة برنامج الحزب الحاكم لانتخابات 2010، أنه يتوجه بالأساس ويعمل علي دعم الفئات الأكثر احتياجاً وتمكينها للخروج من دائرة الفقر وتحسين الخدمات العامة، ولكن البرنامج لا يتعرض لتحليل أسباب انتشار الفقر ووقوع ما يقرب من نصف عدد السكان تحت خط الفقر، كما لا يبين البرنامج أسباب تراجع وتدني مستوي الخدمات العامة، والعجيب أن كتبة برنامج الحزب الحاكم يتغافلون عن حقيقة أن حزبهم مسيطر علي الحكم طوال ما يزيد علي نصف قرن من الزمان كان التراجع في مستوي الأداء الوطني في جميع المجالات هو السمة البارزة خلال تلك الحقبة الطويلة والمستمرة حتي الآن، في ذات الوقت الذي بزغت فيه دول كانت مصر تسبقها بمراحل ولكنها استطاعت تطوير اقتصاداتها ونظمها السياسية وحققت درجات عالية من المشاركة الشعبية وطبقت قواعد اللعبة الديمقراطية وفي مقدمتها التعددية الحزبية الصحيحة وتداول السلطة!

لقد أغفل كتبة برنامج الحزب الحاكم أو تغافلوا عن العديد من مشكلات الوطن التي أنتجتها سياسات وحكومات حزبهم علي مدار سنوات عجاف قاربت الستين عاماً، ولكننا نذكرهم ببعضها لعلهم يأخذونها في الاعتبار وهم يصكون شعارات حزبهم ويصيغون برامجه للانتخابات الرئاسية القادمة بعد شهور قليلة.

وفي البدء لا بد من أن يعترف الحزب الحاكم أن مصر تعاني مشكلات اقتصادية واجتماعية وتقنية تبلورت في تراجع مستمر في مستوي جودة الحياة Quality of Life  لقطاع كبير من المصريين. فقد ارتفعت نسبة المصريين تحت خط الفقر الأدني .. ما يعادل دولارًا أمريكيا واحدًا في اليوم.. إلي ما لا يقل عن 22٪ من السكان، كما ارتفع عدد القري الأكثر فقراً إلي ألف قرية من بين ما يقرب من خمسة آلاف قرية في مصر. وبات من الواضح أن المرافق العامة للدولة قد تآكلت لدرجة الانهيار خلال الثلاثين عاما الماضية في أهم مجالات التنمية البشرية وهي التعليم والصحة، والخدمات ذات التأثير علي جودة مناخ الأعمال وأهمها النقل والأمن والعدالة، بحيث يمكن القول بأن الدولة أصبحت غير قادرة علي الوفاء بالتزاماتها الدستورية بتيسير وتوفير الخدمات العامة للمواطنين بدرجة مقبولة من الجودة وفق المعايير العالمية.

من جانب آخر ففد تفاقمت حدة الفساد علي كافة المستويات وفي جميع مجالات الحياة، وتعددت حالات الفساد بين كبار المسئولين في الدولة وأعضاء من مجلس الشعب بل وطالت عدداً من أعضاء هيئات لها كل الاحترام والتوقير في نفوس المصريين. وزادت عمليات اغتصاب أراضي الدولة وتبديد الموارد الوطنية غير المتجددة وفي مقدمتها الغاز الطبيعي، والتخلص من معظم شركات قطاع الأعمال العام بأسعار متدنية بالقياس إلي إمكانيات واحتمالات تطويرها.

ورغم ما يدعيه كاتبوا برنامج الحزب الحاكم من امتلاكه رؤية مترابطة فقد كانت السمة الرئيسية لأداء حكوماته المتعاقبة هي تقليدية التشخيص الرسمي للمشكلات الوطنية، وانحصار الحلول الحكومية في إجراءات قصيرة الأجل تتعامل مع ظواهر المشكلات أكثر مما تهاجم أسبابها الجذرية، كما وضح انحصار الفكر الحكومي ومشروعات التنمية المبنية عليها في حدود الفترة القصيرة وغياب الدراسات المستقبلية وعدم وضوح سيناريوهات بديلة للوصول إلي مستقبل مخطط ومستهدف. ويبرز غياب الرؤية المتكاملة ذات التوجه المستقبلي من تصرفات حكومات الحزب الحاكم في استنزاف الموارد الوطنية الظاهرة أو المتاحة وبأساليب تقليدية لا تراعي متطلبات الحفاظ عليها وتوظيفها في أحسن المجالات ذات القيمة المضافة الأعلي ذ وفي مقدمتها البترول والغاز الطبيعي - ، والقصور في البحث عن مصادر جديدة ومتجددة للموارد الوطنية، والتقصير في الكشف عن الفرص المتاحة للتنمية المستدامة، وكذا التقصير في استثمار ما يتضح من تلك الفرص.

ولعل أكبر خطايا الحزب الحاكم وحكوماته - وبرغم شعاراته البراقة وبرامجه الانتخابية والرئاسية - هو أسلوب التعامل غير العلمي وغير العقلاني مع الثروة المحورية للوطن وهي الثروة البشرية وإهدار فرص تنميتها وتوظيفها وإطلاق طاقاتها الخلاقة، إذ ينحصر تفكير الحزب الحاكم في اتهام الثروة البشرية بأنها قوة استهلاك وإغفال طاقاتها الابتكارية الخلاقة وإمكانيات استثمارها لتعظيم فرص التنمية المستدامة بالفكر والعلم.

ومما يؤكد فشل برامج وسياسات الحزب الحاكم إغفاله دور العلم والبحث العلمي في رسم السياسات واتخاذ القرارات وغلبة العشوائية ومنطق التجربة والخطأ حتي في أكبر المشروعات التنموية مثل مشروع توشكي وفوسفات أبو طرطور وفحم المغارة. أليس من العجيب أن يكون لمصر الآلاف من العلماء الأفذاذ في جميع فروع العلم دون أن يكون لهم رأي في صياغة سياسات وبرامج التنمية ودون أن تلجأ إليهم حكومات الحزب الحاكم لطلب مشورتهم وخبراتهم في إيجاد حلول لمشكلات تعثر مشروعات التنمية وتراجع معدلاتها؟ ألا يشعر قادة الحزب الحاكم بالخجل إذ يعجزون عن إتاحة الفرصة لمشروع أحمد زويل لإقامة جامعة بحوث عصرية بينما تستفيد دولة قطر من فكره وعلمه؟ ألا يشعر قادة الحزب الوطني

بالندم إذ يتغافلون عن خبرات عالم مصري مثل فاروق الباز له رؤية غير تقليدية في تخطيط مسارات التنمية في البلاد ولا يجد مسئولاً يناقشه في أفكاره؟ والغريب أنه حين لجأ إليه وزير التربية والتعليم للمساعدة في تطوير برامج تعليم العلوم جاء ذلك في غير تخصص الرجل الذي كان صريحاً في بيان أنه غير متخصص في الأمور التربوية ولكنه صاحب رؤية علمية وقدرات مشهود بها في مجال تخصصه وهو ما لم يطلبه منه أحد.. أليس غريباً عدم الاستفادة من خبرات العالم المصري هاني النقراشي الخبير العالمي في مجال الطاقة الشمسية في الوقت الذي تمتلك فيه مصر قدراً من الطاقة الشمسية يمكن تحويلها إلي طاقة كهربائية تكفي العالم كله؟

ومن أهم مظاهر فشل برامج الحزب الحاكم وسياسات حكوماته تفاقم مشكلات الشباب - وهم النسبة الأكبر من السكان -  وانتشار البطالة بينهم بسبب بيع شركات قطاع الأعمال وتطبيق نظام المعاش المبكر وتراجع معدلات خلق وظائف جديدة نتيجة تراخي المستثمرين الجدد في ضخ الاستثمارات في الشركات التي اشتروها ذ وما قصة عمر افندي ببعيدة ذ وكذا انسحاب الدولة من الاستثمار في قطاعات الإنتاج بزعم تركها للقطاع الخاص الذي لا تكفي إمكانياته لضخ القدر الكافي من الاستثمارات تسمح بخلق ملايين فرص العمل التي يعد بها الحزب منذ البرنامج الرئاسي في 2005. كما تسهم في زيادة نسبة البطالة عودة كثير من المصريين العاملين في الخارج نتيجة الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها علي منطقة الخليج وغيرها من الدول العربية التي كانت تستوعب أعداداً كبيرة من المصريين.

ورغم الشعارات التي يرفعها الحزب الوطني في برامجه، فالحقيقة تشهد بتدني مستوي العمالة الحرفية والمهنية وغياب منظومة متكاملة لتدريب ورفع كفاءة العامل المصري، وانهيار كفاءة التعليم الفني وانصراف الطلاب عن الالتحاق به، وعدم وضوح الجدوي من مئات مراكز التدريب المهني.

ومن الغريب أن برنامج الحزب الوطني الديمقراطي، وبرغم كل التفاصيل التي أغرقنا فيها والتعهدات التي ألزم نفسه بها، قد أغفل أمرين أساسيين؛ الأمر الأول قضية تعمير وتنمية سيناء التي لم يأت ذكرها في البرنامج ولو علي سبيل التذكار وهو الأمر الذي يعد إخلالاً جسيماً بتعهد الحزب بضمان الأمن القومي، وكذا إهداراً لفرص الخروج من الوادي الضيق إلي الآفاق الرحبة. والأمر الثاني الذي تجاهله برنامج الحزب الحاكم هو القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي المتواصل علي الشعب الفلسطيني والتهديد الإسرائيلي لمصر والذي لا يتصور إغفاله في برنامج يتعهد كاتبوه بنقل مصر إلي المستقبل.

مما سبق يبدو رصيد حساب حكم الحزب الوطني الديمقراطي ذ بمسمياته المختلفة ذ عبر ما يقرب من ستين عاماً هو صفر كبير! ومن ثم تتضح نتائج ثلاث لابد أن تكون محل اعتبار المصريين وهم يتوجهون إلي صناديق الانتخابات يوم الأحد المقبل الثامن والعشرين من نوفمبر 2010.

* إنه من غير الممكن ولا المقبول استمرار الأحوال علي ما هي عليه بكل ما تحمله من مخاطر التردي والتدهور الوطني وتفاقم درجة عدم الرضا والسخط بين أغلبية المواطنين الذين لا يحصلون علي نصيبهم العادل من ثروة الوطن والدخل الناتج عن استثمارها.

* إنه من الضروري البحث عن سبيل جديد ومنطلق أفضل لتطوير الحالة المصرية لتحقيق التنمية المستدامة القائمة علي العلم واكتشاف الموارد واستثمار الفرص وإقامة العدالة الاجتماعية وضمان الأمن والسلم الاجتماعيين.

* إن بمصر موارد ومتاح لها فرص لم يكشف عنها ولم تستثمر أو توظف بالقدر الذي يسهم في حل مشكلات الوطن وتأمين نموه وتقدمه من دون الالتجاء إلي طلب المنح والمعونات من الدول الأجنبية والاعتماد علي الاستيراد لسد احتياجات الاستهلاك المحلي من منتجات يمكن إنتاجها محلياً لو تغير أسلوب "إدارة الوطن".

* إنه من الضروري أن يتذكر الحزب الحاكم أننا لن نأخذ تعهداته في برنامجه الانتخابي باعتبارها خطابًا موسميا ينتهي مفعوله باقتناص الحزب للمقاعد التي يريدها في مجلس الشعب كما فعل ذلك من قبل علي مدار الانتخابات السابقة جميعها، ولكننا سنلزمه أن تكون تعهداته حسب المنطق القانوني هي " التزام بنتيجة "وليس  »التزامًا بعناية" كما جاء في كثير من بنود البرنامج، وسوف نحاسبه شعباً وأحزاباً وقوي سياسية إذا تكرر فشله في تحقيق تلك التعهدات.

من أجل هذا ندعو المصريين جميعاً إلي تأمل أحوالهم وأحوال أبنائهم، ندعوهم للنظر في البيوت التي يسكنونها والشوارع التي يعبرونها ووسائل المواصلات العامة التي ينحشرون فيها. ندعوهم لتذكر كيف يلاقون الأهوال في سبيل تدبير معاشهم وتوفير القليل الضروري من احتياجات أسرهم. ندعوهم لمراجعة كيف يحصلون علي خدمات العلاج في مستشفيات الدولة وما يلاقونه من هوان. ندعوهم لتذكر كيف تتم معاملتهم في الأجهزة الحكومية وما يصادفهم من معوقات. كما أدعو المصريين جميعاً لقراءة البرنامج الانتخابي للحزب الحاكم ليكتشفوا مدي احترام ذلك الحزب لذكائهم وقدراتهم الذهنية!

وبعد كل ذلك علي كل مصري أن يعطي صوته لمن يتأكد من صدقه ونبل أهدافه وتاريخه في الدفاع عن حقوقه.