عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السيد والفرفور


مازالت أضواء المسرح المصري  خافتة ومازالت قاعات العرض شبه خاوية لأن العلاقة بين المواطن ووزارة الثقافة من جانب وبين الوزارة والابداع والاعلام من جانب آخر هي علاقة شبه مقطوعة أو منعدمة لأسباب لا مجال لذكرها أو لتفصيلها وتحليلها هنا،

بعد أن قتلت بحثاً وهماً وكمداً من قبل العديد من الكتاب والمهتمين بالعمل الثقافي، ولكن أهم ما يميز الفترة القادمة في تاريخ الثقافة والابداع هو أن ما تعانيه مصر من مشكلات خاصة بالجهل والفقر والعشوائية والقبح والفوضي والارهاب لن يتم حلها والقضاء عليها أمنياً ولا قضائيا ولا إعلاميا ولا اقتصاديا ولكن  السبيل الوحيد والأوحد هو الثقافة والفكر والإبداع مع الإعلام الذي ينشر الثقافة والابتكار والتغيير بعد أن نعبر حدود الاقصاء والجمود الفكري والديني ونبدأ في خلق حالة جديدة ومتجددة، مثل الطاقة المتجددة  داخل المجتمع المصري ليس في العاصمة  ولا في المحافظات وانما في القري والعشوائيات، وبالرغم من حالة الانفصال الثقافي والاعلامي الذي نعيش  تداعياتها في مصر إلا إن المسرح المصري يحاول في  ظروف بالغة الصعوبة من حيث الامكانات المادية والبشرية في أن يظل علي قيد الحياة، وذلك بجهود شباب المسرح والعاملين  بقطاعه بوزارة الثقافة والذين يجاهدون هذا التيار وصعوبة الأجواء والأحوال ونقص الأفكار والنصوص وعدم قناعة المسئولين بأهمية ودور  المسرح في تغيير الشعوب والنهوض بالمجتمع وتحقيق التوافق، ولهذا فإن مسرح الغد بالعجوزة بجوار مسرح البالون يقدم أو يعيد تقديم مسرحية يوسف ادريس الشهيرة الفرافير 1964 والتي أخرجها كرم مطاوع، بطولة المبدع عبدالسلام محمد في دور الفرفور  والسيد الذي قدمه توفيق الدقن.. إعادة المسرحية باخراج جديد ومؤثر تحت عنوان  «هي كده» من اخراج محمد سليم وبطولة شريف صبحي في دور السيد وسامية عاطف في دور الفرنورة أو العبدة وعصام شكري في دور المؤلف.. في رؤية مسرحية حديثة وجديدة باشعار محمد الشاعر وموسيقي عطية محمود.. هذا العمل أو العرض الحديث الذي  استلهم روح ادريس وقضية حكم الفرد أو العالم وناموس المجتمع الهرمي في الشكل والمعني والمضمون، حيث العالم قد يبني علي أساس الطبقات وعلي أساس السيادة والرئاسة ووجود فرد أو مجموعة تملك السلطة والمكانة لتسوق وتسود الآخرين ليس لفضل أو لفكر أو لمال وإنما لأن تلك هي الحياة كما صورها ادريس، وكما حاول العمل والعرض المسرحي أن يبررها باعتبار أن المؤلف أو المبدع أو الخالق هو الذي يقرر من يحكم من؟ ومن يكون الأفضل ومن يكون السيد ومن هو العامل  العبد الذي لا يملك إرادة أو قدرة علي  الاختيار والتغيير لحياته ولمصيره ولظروفه..
نص يوسف ادريس فلسفي ولكنه أيضاً اشتراكي لأنه يرفض التقسيم الطبقي للأفراد ويرفض فكرة الخضوع والخنوع ويخترع شخصية الفرفور الذي هو فأر صغير يخاف ويفعل كل ما يطلب منه  وإن كان أيضاً متمرداً وقادراً علي  الثورة والمناورة والمراوغة بطبيعته.. لكن العرض الحديث حاول أن يختصر  مدة العمل في ساعة ونصف الساعة تقريبا ويستخدم أدوات عرض غنائية استعراضية للجذب وللترفيه ولتخفيف حدة المسرح والحوار الفكري الفلسفي الأسود في معناه ومضمونه، بعد أن سادت تيمة الموت والقبور علي الصراع، واستطاع المخرج أن يغير في الشخصية الفرفورية  فيجعلها امرأة وهو هنا يضاعف من مفهوم العبودية والجندرة، ذلك أن العبد الرجل أو الخادم الرجل أفضل من الأنثي في مجتمعات تظلم المرأة وتستعبدها ثقافيا واقتصاديا

ومن هنا كان  مدلول استبدال الشخصية بالمرأة يحمل التناقض بين الجذب الجماهيري وتعميق وترسيخ مفهوم النوع والعبودية واستعباد الآخر في المجتمعات التي تعاني البطالة والجهل وعدم  توفر فرص العمل، وأيضاً المجتمعات التي لا تريد التغيير والتطور ونبذ الأفكار القديمة التي تعوق حركة الانسان في اكتشاف ذاته وتحقيق آماله وأحلامه، لأن الانسان يتعود علي ما ألفه وعلي ما وجد الكون من حوله يدفعه اليه فيرضى بما هو موجود ويتقبل العرف ولا يحاول تغيير المصير لأنه دائماً يخشي المجهول ويخاف من المستقبل  ومن أي لحظة تغيير وثورة، البيت الفني للمسرح هو احدى مؤسسات زارة الثقافة والتي تحولت إلي بيوت وقصور ودور وقطاعات وتعددت الهياكل الادارية ونفذ رصيد الوزارة من المالية في أجور العاملين ومن عروض وإصدارات وندوات معظمها لا يلقي الإقبال الجماهيري ولا يحقق الربحية، وذلك لأن الثقافة احدي أدوات الدولة التي تسهم في  بناء الشخصية ودورا الدولة هو دعم الثقافة والكتاب والمسرح والسينما لكن أيضاً هناك دور يلقي علي عاتق الاعلام الذي لا يساعد علي نشر الوعي الثقافي ولا يعلن عن الأعمال الثقافية التابعة للدولة وهو جهاز اعلامي تابع أيضاً للدولة مما يؤثر سلبا علي الحركة الثقافية وعلي تعريف المشاهد بأحدث  العروض والاصدارات والأعمال والندوات التي تنتجها وزارة الثقافة فهذا الحبل السري المنقطع بين مؤسسات الدولة الثقافة والاعلام هو أحد الاسباب الرئيسية في تراجع الثقافة والمسرح والسينما والكتاب مقابل صعود الفن الهابط والثقافة  السطحية الضحلة التي  تروج للارهاب والتطرف أو الشعوذة أو الاباحية والاسفاف والفوضي والعشوائية وتمزق أوصال الوطن الواحد وتشتت أبنائه.. إذا كانت وزارة الثقافة تعاني من الاهمال ومن الترهل الاداري وعدم قناعة المسئولين بأهميتها ودورها المحوري والاستراتيجي وضرورة الربط بين الثقافة والاعلام الذي يتبع الدولة  وهويتها وتاريخها وحضارتها، فإن المستقبل في المبدعين وشباب المثقفين الذين مازالوا يعملون من أجل أن تبقي قاعات العرض وضاءة وأن تظل الكراسي مليئة بالمتفرجين  وألا تصمت يوما خشبة المسرح لأن الثقافة والفن هما السلاح الناعم القوي في بناء وطن جديد بلا أسياد أو عبيد وانما بأفراد تعمل وتنتج بلا خوف وبلا قهر وحرية ارادة واختيار، لا فرفور  ولا فرفورة وانما مواطن مصري حر...