رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اطلع وانزل.. الشجرة

 

الشجرة.. رمز الغواية والخطيئة التى أنزلت آدم وحواء والبنى آدمين إلى الأرض وحرمتهم وحرمتنا نعيم الجنة والفردوس الأعلى، لأن آدم أبانا وأمنا الست حوا أكلا من الشجرة التى حرمها الله وعصيا أمره فكان أن دفعنا جميعًا ثمن هذا العصيان

، وهو ثانى الكبائر بعد الكبر والغرور الذى كان من نصيب أبليس الرجيم.. والشجرة التى كتب عنها توفيق الحكيم مسرحيته العبثية الفلسفية الشهيرة «يا طالع الشجرة» عن أغنية الطفولة «يا طالع الشجرة هاتلى معاك بقرة تحلب وتروينى بالمعلقة الصينى».. جزء من تراثنا الشعبى الخيالى المبدع عن اللا معقول والمستحيل والعبثى لأن الشجرة والبقرة ما هما إلا رموز دينية وشعبية تعيش فى الوجدان والخيال، كل منهما ترمز وتشير إلى مفهوم مختلف عن الوجود والخطأ وعن الاستمرار وعن الثمار وعن الخصب والنماء والرزق، ولكن حياتنا اليوم صارت عبثية طالعين نازلين من شجرة الخطيئة ولا معنا بقر ولا معنا ثمار، ولكن جدلاً مستمرًا وعصيانًا دائمًا وخيالاً بكل أسف أفقدنا الصواب والبوصلة والبصيرة.
القضية المثارة إعلاميًا وليس علميًا أو فكريًا أو حتى فقهيًا عن «إسلام بحيرى» وصراعه مع الأزهر باعتبار أن الأزهر هو الجهة الوحيدة فى العالم والوجود التى عليها أن تحمى الدين الإسلامى والتراث الدينى من الشرور والآثام ومن المفكرين الذين يتطاولون على التراث وعلى الدين، ذلك إذا أخذنا فى الحسبان أن إسلام بحيرى هو الخطر الأول والأكيد على الإسلام والمسلمين، وأن مناهج الأزهر وكتبه وأساتذته لا يحتاجون إلى إعادة تقييم لذواتهم ولمنتجهم الفكرى.. الإعلام لعب دور الشيطان الأرقم، الذى سلط على الجميع ليأكلوا من الشجرة المحرمة ويعصوا الأمر الإلهى الذى أمرنا به جميعًا الا وهو القراءة.. والتفكير والتدبير واعمال العقل.. لأن ما يطرحه إسلام بحيرى هو إلقاء حجر فى مياه راكدة آسنة من التبعية والعنعنة والتى رفضها من قبل الأديب والمفكر العربى د. طه حسين فى كتابه الشهيرة فى الشعر الجاهلى، والذى كتبه عام 1926 وأثار جدلاً وثورة داخل الأزهر ومصر والوطن العربى، واعتبره الكثيرون من العلماء والمشايخ خروجًا على النص، وعلى التراث ونوعًا من الزندقة وهدم التراث، وكان طه حسين من أوائل الكتاب الذين حاولوا اهمال العقل ومراجعة الماضى وتبعه نجيب محفوظ حين كتب رواية أولاد حارتنا ونشرت فى سلسلة مقالات بالأهرام عام 1959 حتى منعت من قبل الأزهر والمشيخة وتمت طباعتها فى لبنان خارج الوطن إلى أن سمحت إدارة الأزهر بمقدمة من د. أحمد كمال أبوالمجد أن تطبع فى القاهرة كنوع من الترضية لمحفوظ بعد محاولة قتله من قبل بعض المتطرفين الإرهابيين فى التسعينيات.. ولم يكن فرج فودة ولا نصر حامد أبوزيد إلا بعضًا ممن تعرضوا للمحاكمات الفكرية وصلت إلى قتل فرج فودة واقامة حد الحسبة والتفرقة بين أبوزيد وزوجته لخروجه على الملة كما ادعى هؤلاء المتشددون ووجدوا من يساندهم فى القضاء والإعلام.. الدستور المصرى الذى دفعنا فيه دماء كثيرة وأهدرنا الوقت والمال والاقتصاد والاستقرار والجهد طيلة السنوات الأربع المسابقة حتى استفتينا عليه فى 2014 ونص ذلك الدستور على أن حرية التعبير حق مكفول للجميع.. ومن هنا فأن الاتفاق أو الاختلاف مع إسلام بحيرى فيما يطرحه أو فيما يعرضه وقد يكره أسلوب العرض وطريقة الحوار والألفاظ الصادمة لا تروق ولا ترقى لمستوى ما يقدمه، لا يعنى ذلك أن يقف الأزهر الشريف بكل علمائه وكل مستشاريه فى موقف

الهجوم والصراع العلنى والإعلامى والقضائى من إسلام بحيرى لدرجة أن يصدر قرارًا بمنع برنامجه من قبل هيئة الاستثمار.. أو أن يهدر دمه من طرف بعض المتشددين.. أو أن يعلن الأزهر صراحة أن إسلام بحيرى وبرنامجه هو سبب الالحاد والتشيع الذى بدأ يظهر بين الشباب فى مصر، وكأن ذلك الرجل وبرنامجه قد صارا أشد خطورة وفتكًا على الأمة العربية والإسلامية من «داعش» و«الحوثيين» و«أنصار بيت المقدس» و«القاعدة» التى لم يخرج علينا شيخ الأزهر حتى هذه اللحظة ليدمها وليهاجمها ويوقف رجالاتها من المتشددين الذين يستعملون بعض المشايخ وبعض الدعاة للترويج لأفكارهم ولتطرفهم تحت مسميات وغطاءات دعوية سلفية تستدعى أن تغير بعض الاعلاميات خطابهن الإعلامى الذى كان ضد الإخوان والسلفيين قبيل تغيير المواقف وموت الملك عبدالله، فإذا بالإعلامية الشهيرة تقول عن «السلفيين» دول اخوتنا!! وهل أنكر أحد أخوة الإخوان أو السلفيين للمصريين؟!.. ولكننا ننكر الفكر المتشدد المعوج الذى يدعى زورًا وبهتانًا أن من حق الرجل الفحل أن يتزوج وينكح الطفلة الصغيرة.. أو أن الإمام على بن أبى طالب قد أباح حرق المرتد.. أو أن رضاعة الكبير حديث نبوى.. أو أن اليهود والنصارى كافرون يباح دمهم ولحمهم وعرضهم.. والعديد من القضايا التى أثارها إسلام بحيرى وغير، وقبله العديد من المشايخ والعلماء والفقهاء فى مصر والوطن العربى، وردوا بها على المستشرقين وكل من يهاجم الدين الحنيف من مدخل العنف والتطرف والدماء.
المنهج الذى اتبعه إسلام قد يكون منهجًا غير سليم بل متجاوزًا فى اللفظ والقول، ولكن أيضًا المنهج الذى اتبعه الأزهر والدولة متمثلة فى هيئة الاستثمار منهج يرفع من أسهم إسلام بحيرى وفكره ويروج له أكثر مما يحاجيه، ويدحضه ويفنده ويظهر للشباب وللناس عامة سماحة الدين ووسطية الأزهر وثورة على الحوار والتحاور والحجة بالحجة، وأن الأزهر مؤسسة علمية فكرية دينية تمثل الدولة والمصريين وتحترم الدستور والقانون وتؤمن بالحريات وبالعلم وبمنهجية التفكير.
يا طالع الشجرة المحرمة.. لا تأتى لنا بالبقر ولا تأتى لنا بالعنف ولا تأتى لنا بالمنع والإرهاب، ولكن انزل من الشجرة وأقطف ثمارها الحلال بالحجة والمنطق والعقل والحرية التى هى أساس المجتمعات البشرية ونعمة المولى للإنسان حين منحه حرية الاختيار وعاقبه على أفعاله.. إنما علينا البلاغ وعليه صاحب الأمر.. الحساب.