رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الثقافة.. وعودة الحياة

في عرض جديد للمخرج خالد جلال «بعد الليل» علي مسرح مركز الإبداع الفني وبدعم من صندوق التنمية الثقافية قدم ستوديو مركز الإبداع تجربة جديدة لمجموعة من الشباب الواعد والموهوب من صياغة واخراج الفنان المتميز دوماً خالد جلال..

التجربة تستحق المتابعة والمشاهدة لأنها استكمال لذات فكرة قهوة سادة والتي قدمت من قبل علي ذات المسرح وبذات المخرج وإن كانت التجربة المسرحية الجديدة تجمع بين الاسكتش المسرحي أو مسرح المقاطع المنفصلة المتصلة، كما القصة القصيرة أو المسلسل الدرامي ذي الحلقات المنفصلة والتي تقدم في كل مقطع أو مشهد تجربة إنسانية وبشرية منفصلة بذاتها وبكل تجاربها ومقوماتها البشرية والنفسية ولكن ما يجمع شتات تلك المشاهد وهؤلاء الأبطال والشخوص هو تيمة الصراع الأزلي بين الإنسان ورغباته المتعددة والتي تدفعه إلي الهاوية وإلي السقوط «من انت» هكذا يبدأ العرض بمجموعة من الموتي الأحياء أي شخوص في زي الكفن وفي المدافن وهم يتساءلون عن كينونتهم وعن الدوافع التي أدت بهم إلي السقوط وفي الخلفية تلهو الرذيلة الشيطانية أو أبليسة العمل في صورة مسخ كما الحية الرقطاء التي أخرجت آدم وحواء من جنة الخلد والفردوس، تلك المسخ تمسك بيديها عروسة علي شكل إنسان تفعل به ما تريد إلي أن تقضي عليه تماماً.. مجموعة المشاهد المسرحية عن التفكك الأسري وعلاقة الآباء بالأبناء وعن الخطيئة والفقر وعن الحب السريع الذي أفقدته التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي كل المشاعر والمعاني النبيلة والراقية... وتتوالي المشاهد والصراع المستمر بين الضمير الإنساني وتلك الحية التي تسببت في كل هذه التشوه الذي أصاب المجتمع المصري والإنسان البسيط حتي أدي به إلي الرشوة والسرقة والرذيلة وعقوق الآباء والجشع والانحلال الخلقي وغياب القدوة والتعليم وفساد الثقافة والفن.. وجميعها تيمات تم عرضها من قبل في العرض السابق لمسرحية «قهوة سادة»... تلك النوستالجيا أو الحنين الدائم إلي الماضي الجميل وتصوير الواقع بصورة بشعة وسيئة وسوداوية المزاج والإيقاع حتي وصل الحال إلي أن أصبح الضحك علي الذات وعلي النفس وعلي الحال المتردي في كل أوجه الحياة وكل مقاصد المجتمع ووصل إلي قمة السخرية في الإعلام والتعليم والفن... فكرة ستوديو الممثل والأداء المتميز للشباب الذين يحلمون بالفن والنجومية ويدفعون حتي يتعلموا ويتمكنوا ويصقلوا الموهبة أمر جيد كان من الممكن أن يتم من خلال أكاديمية الفنون وأقسامها المختلفة وذلك بأن يتم فتح مسارات تعليمية بنظام الساعات المعتمدة أي بمصروفات دراسية أو أن تفتح معاهد علمية معتمدة من وزارة التعليم العالي بالاشتراك مع وزارة الثقافة علي غرار الكليات والمعاهد الخاصة وذلك بالمصروفات والدراسة الحرة لكل راغب في الفنون سواء البصرية أو الإخراجية أو الأداء والتأليف والسيناريو والتمثيل وكل أدوات المسرح أو السينما أو الغناء أو حتي الإيقاع والرقص الشعبي والكلاسيكي وذلك بعيداً عن ميزانية وزارة الثقافة وما نعانيه من تدهور أحوال في كل المجالات.
هل من مهمة صندوق التنمية الثقافية أن يعرض عملا لاستوديو الممثل أو المسرح ويدعم فنانين دفعوا ليتعلموا؟! أم أن من مهمة ذلك صندوق هو أن يدعم الفرق المسرحية والشعبية في محافظات وقري مصر كما كان مقرراً لذلك حين إنشائها في عهد ثروت عكاشة؟!.. وهل من مهمة الثقافة الجماهيرية أن تطبع وتنشر كتباً وأعمالاً لا تقرأ لموظفين في الوزارة أو أصدقاء ومعارف للمسئولين؟ وهل من الأجدر بنا أن

نبني مسارح جديدة في أماكن نائية وفي محافظات تعاني من الإرهاب والتطرف والإهمال أم أن ننفق ملايين الجنيهات لثالث مرة لإعادة تجديد المسرح القومي في العتبة حيث التلوث السمعي والبصري والمروري والباعة الجائلين والكثافة العددية والسكانية في حالة ارتباك فكري وثقافي يفتقر إلي أي رؤية أو استراتيجية لوزارة من أهم مقومات بناء الإنسان المصري الجديد.
إن ما تعانيه وزارة الثقافة قد انعكس علي الحالة المجتمعية بعد أن عادت ريما إلي عادتها القديمة وتحولت الوزارة مرة أخري إلي مجموعة من الموظفين الذين يديرون العملية الثقافية في دوائر مغلقة لثقافة الشللية والنخبوية والاقتراب من السلطة بالوزارة ولم تبدأ بعد عملية إعادة الهيكلة للوزارة وفتح ملفات الفساد الإداري والمالي بداية من جوائز الدولة التي تمنح للموظفين وللعاملين بالوزارة إلي النشر والترجمة وإلي صندوق التنمية وإلي المهرجانات الدولية التي تنفق الملايين ولا نجني من ثمارها إلا الحنظل وإعادة تدوير الماضي بكل مفاسده ولم نسمع حتي يومنا هذا من وزير الثقافة وهو أستاذ وعالم د.جابر عصفور.. لم نسمع منه خطة الوزارة لإعادة الحياة إلي شريان الثقافة الجماهيرية وفتح القصور المغلقة وترتيب المسارح ودور العرض والمتاحف المهملة والاستفادة من كنوز التراث الفكري لهيئة الكتاب ودار الكتب وحركة النشر الجديدة وتشكيل مختلف للمجلس الأعلي للثقافة والاهتمام بالطفل سواء في الكتاب أو المسرح أو السينما أو الموسيقي والفنون ولم نر أو نتابع كواليس أكاديمية الفنون وأقسامها ومعاهدها ومعايير الوظائف والترقي وعدد المسارح التي أغلقت وأطفأت أنوارها وعدد الموظفين بدرجة ممثلين في الوزارة وكذلك الفنانين والرسامين والمطربين وراقصي الفنون والباليه والعروض التي تنتج وتنفق ملايين مهدرة للباليه والأوركسترا وهي لا تجني آلاف أو مئات من الجنيهات من تذاكر العرض... عرض خالد جلال كان يجبر أن يشمل جزءاً من مأساة الوزارة وقطاعاتها المتعددة لأن حالها هو حال شخوص وأبطال عرضه المسرحي الذي لخص الصراع الإنساني بين الضمير والمسخ الشيطاني في جملة من أنت وكيف أصبحت هكذا ميتا من الداخل في صورتك.. الثقافة ترتدي الكفن كما المومياء وتدعي الوجود والحياة وهي بحاجة إلي صحوة فكر وتخطيط وإعادة بناء... ثقافة مصر مومياء محنطة روحها معلقة في وجدان المصريين.. فمن يعيدها للحياة.