رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أمريكا.. عيونها زرقاء

في بداية السبعينيات كتبت تويني موريسون الكاتبة الزنجية الامريكية رواية أسمتها «عيون أكثر زرقة» تحكي عن مأساة المرأة السوداء في أمريكا أوهايو.. حيث فتاة صغيرة لأب سكير وعربيد وفقير تعاني من القبح وسواد البشرة والحياة الاسرية الصعبة وتنتهي حياتها بأن تحمل سفاحاً من والدها وكل ما تتمناه أن تنجب طفلاً أو طفلة ذا بشرة بيضاء وعيون زرقاء كتلك العيون التي تزين وجه زميلة الفصل البيضاء ذات الأصل والحسب والنسب والمال والجاه..

عيون زرقاء هي أمل ومراد كل الشعوب والبلدان التي مازالت تري في أمريكا بلاد التفوق والسطوة والحريات والديمقراطية وهي عقدة جديدة تملكتنا كشعوب من العالم الثالث، ومن إفريقيا ومن الوطن العربي بعد أن تصور الشباب والصغار أن بلاد العم سام هي بلاد منزهة عن الخطأ والخطيئة وأنها بلاد الجمال والحريات فإذا بالمجتمع الدولي والمدني والمحلي يغض الطرف ويصمت ويسكت عن كافة جرائم تلك البلاد بل ويبرر ويحلل ما تقوم به من حروب وتجسس وانتهاك للمواثيق الدولية وحقوق الانسان تحت دعاوي الشفافية والمصارحة في جوانتانامو وافغانستان والعراق وسوريا وفلسطين..
وفي إطار مجموعة العيون الزرقاء التي نحلم بها ونتمناها نجد العديد من الكتاب والسياسيين المصريين يعزفون اليوم علي مصطلح العدالة الانتقالية باعتبار أن في مصر بعد ثورة 30 يونية وزارة تحمل هذا المسمي وتلك الوظيفة التي بكل تأكيد هي وارد الخارج.. العدالة الانتقالية بدأت من خلال منظمات مجتمع مدني ممولة تعرض عدة تدابير يجب علي الدول التي تمر بمراحل تغيير أو تحول أو ثورات أو حروب داخلية أن تبدأ تلك البلاد في تطبيق هذه الاجراءات الهامة حتي يسود السلام المجتمع وتتم المصالحة الوطنية بين أفراد المجتمع مثلما حدث في جنوب إفريقيا مع اختلاف المعني والمغزي والمضمون.. لأن جنوب افريقيا بلد مستعمر من البيض وهم الاقلية ومع هذا يملكون ويحكمون ويتحكمون في تلك البقعة الجنوبية من القارة السوداء.. الحروب التي اندلعت في افريقيا في الستينيات بعد حركات التحرر التي بدأها عبدالناصر لمجموعة عدم الانحياز وخروج الاستعمار القديم من افريقيا وآسيا ودخول الاستعمار الجديد الامريكي.. كل هذا مختلف تماماً عما تنادي به العدالة الانتقالية في مصر.. وزارة العدالة الانتقالية كانت من مطالب القوي الثورية بقيادة البرادعي فكان أمين المهدي أول وزير في يوليو 2013 ثم المستشار إبراهيم الهنيدي من يونية 2014 وحتي الان ومازالت تلك الوزارة حتي الآن لم تعلن عن نفسها وعن هيكلها الإداري والتنظيمي والاختصاصي حتي نعرف ماهية وأهمية تلك الوزارة ومع هذا نجد البعض ينادي بأن تبدأ العدالة الانتقالية من خلال الاصلاح المؤسسي للشرطة والاعلام والقضاء علي فرض أن الاصلاح لهذه المؤسسات سوف يحدث العدالة في المجتمع مع العلم أن الاعلام لم يعد إعلام دولة حيث لا توجد وزارة للإعلام ومعظم الصحف والفضائيات مملوكة لرجال المال والاعمال وبعض الاحزاب، هذا غير السماوات المفتوحة علي العالم شرقاً وغرباً ومن ثم فإن فكرة الاعلام الرسمي الذي يوجهه الرأي العام نحو فئة أو فصيل أو مجموعة من البشر والمواطنين ولا يساوي بين الناس أي المصريين ولهذا فإن اصلاح الاعلام لن يحقق العدالة الانتقالية لكونه مؤسسة حرة وغير رسمية في الوقت الراهن.. أما فيما يتعلق بالقضاء فإن أي تدخل من قبل الدولة أو نظام الحكم المتمثل في رئيس الجمهورية أو وزير العدل يعد انتهاكاً للدستور وعدم تحقيق لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ومن ثم فإن علينا أن ننتظر حتي يتم انتخاب برلمان مصري جدي يستطيع أن يغير من المؤسس القضائية وفق حزمة من القوانين التي لا تتعارض مع الدستور

المعدل إلا إذا تم طرح دستور آخر له صلاحيات أخري وبنود ومواد أخري .. أي أن فكرة اصلاح مؤسسة القضاء حالياً لتحقيق العدالة الانتقالية يعد خرقاً للدستور والقانون ومنح السلطة حقوقاً ليست مكفولة لها أو مخولة لها من نصوص الدستور.
أما إصلاح المؤسسة الامنية فهو أمر مرهون مرة أخري بالمجتمع ككل وبحالة الارهاب الذي تعيشه مصر والاختراق الامني من قبل دول غربية واستعمارية تمول جماعات ارهابية وكذلك مواطنون مصريون مستغلة الفقر أو الجهل أو التعصب ومن ثم فإن الجهاز الأمني بالرغم من التحفظات المتعددة عليه إلا أنه يبذل أقصي ما لديه حالياً بانتظار أن يلتفت إلي اصلاح هيكله ومناهج التعليم في اكاديمية الشرطة وكذلك فكرة او مشروع الضبطية القضائية لساقطي الاعدادية؟! لأنها فكرة تحتاج إلي دراسة وكان من الافضل ان يتم تدريب خريجي كليات الحقوق كنوع من الاحلال والتبديل لامناء الشرطة الذين طال الكثير منهم فساد النظام السابق وأصبحوا لا يطبقون القانون..
أخيراً من تدابير العدالة الانتقالية لجان تقصي الحقائق وبرامج التعويض وهنا نجد أن المصريين يتقصون عن حقائق داخل نسيج مجتمع واحد وليس مجتمع بيض وسود أو مسلم ومسيحي أو سني وشيعي أو كردي وعراقي أو درزي وماروني.. المصريون مازالوا واحدا.. حتي وإن اختلفوا سياسياً وفكرياً فإن هذا الإنقسام وتلك الفرقة لن تدوم طويلا لأنها مستوردة ودخيلة ولن تكون أبداً جزءاً من ذلك المجتمع الحضاري الذي نشأ علي ضفاف النيل وعاش آلاف السنين ولم يفقد تماسكه وصلابته ووحدته بالرغم من كل الذي مر به علي جدران العصور وصفحات التاريخ العدالة الانتقالية للعيون الزرق والسمرة والبشرة السوداء والاخري البيضاء لكنها ليست عدالة انتقالية لأهل وبيت واحد.. نعم هناك أخطاء وهناك ضحايا وهناك شهداء ولكن من قتل من؟ ومن جرح من؟ والثأر ممن؟ والقصاص أيضاً لمن؟
«بيكولا» السوداء القبيحة تمنت عيونا زرقاء ومرت سنوات وصلت فيها لان تحكم امريكا والعالم ولكنها عند أول محك وامتحان سقطت سقوطا مريعاً حين قتل شرطي أبيض سارقا أسود فإذا أمريكا مرة أخري قد ظهرت عنصريتها وفرقتها لانها بلد بلا شعب وبلا تاريخ وبلا مستقبل إلا علي جثث ودماء الاخرين.. زرقة عيون أمريكا ودموعها دماء البشرية التي لا تعرف لونا ولا نوعا ولا جنساً ولا دينا إلا الانسان كما تدعي مواثيق حقوق الانسان إلا إذا كانوا يقصدون الجنس الابيض.. والعيون الزرقاء.