رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

براءة المحكمة.. وإدانة التاريخ


نعم برأت المحكمة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك من تهمة قتل المتظاهرين في يناير 2011 ورفضت القضية الخاصة بالتربح والفساد المالي لاقتضاء المدة القانونية المحددة لرفع الدعوي.. قضية القرن.. وأول رئيس عربي تتم محاكمته محاكمة مدنية وعلنية اثر قيام ثورة بدايتها سلمية ونهايتها دموية إرهابية..

نعم تلك هي أحكام القانون المصري وفق الدستور المصري الذي تمت علي أساسه مجريات الدعوي والاجراءات الجنائية المنصوص عليها من قانون العقوبات المصري أي ان هذه هي دولة القانون وهذا الحكم هو حكم مدني أمام قضاء مدني وليس عسكريا أو ثوريا وحيث ارتضينا أن نكون دولة جديدة وأيضاً دولة عريقة تحترم الدستور والقانون فيجب أن نحترم ذلك الحكم وهذا القضاء ولكن.. ولكن علينا أن ندرك أن التاريخ قد أدان حسني مبارك ونظامه ورجاله خاصة في السنوات العشر التي سبقت تخليه عن الحكم بعد غضبة الشعب وثورة الشباب وخطة التنظيم الدولي للإخوان ومساندة أمريكا وقطر وحماس إذا كانت البراءة هي عنوان حكم القضاء.. فإن الإدانة التاريخية ستظل تلاحق «مبارك» لكل ما فعله من فساد وتدمير من الشخصية المصرية.. وتلك الدولة الموازية الإخوانية التي تمكنت من الوطن ومن المواطن وهي التي أدت بنا إلي المزيد من الفساد والمزيد من الخراب والتطرف والتأخر.. لأن الفسادين المالي والإداري وآلية انغلاق فكري ووجداني وعشوائية في السلوك وفي الفنون التي أصبحت صناعة وتجارة وتدميراً للمواطن بدعوي الحرية والإبداع وواقعية الفن ومرآة المجتمع وجميع المفردات التي كانت مدخلاً لذلك الخلل المجتمعي وهذا الفصام البشري الذي نعاني منه بعد ثورة يناير وكشف الغطاء عن ما آل إليه حال المواطن والشخصية المصرية التي طالتها أيدي الفساد والإرهاب علي حد السواء لم يسلم إلا القليل.
لن تتغير مصر حتي ولو تم اعدام «مبارك» ورجاله و«مرسي» ومرشده وخيرته في ميدان التحرير.. لن نصبح في اليوم التالي فنجد المرور قد تم حله والشوارع فاضية ونظيفة والأحياء منظمة والشقق تعمل إعلانات إيجار جديد والصحف بها أبواب ثابتة عن وظائف شاغرة في مصانع جديدة ومدارس وجامعات ولن نفاجأ بأن مصر قد دخلت تصفيات كأس العالم والدوري الإفريقي وانضمت إلي منظمة التجارة العالمية بعد أن وصل حجم التجارة 100 مليار دولار سنوياً وتجاوز معدل النمو 10٪ سنوياً وانخفض التضخم وأصبح الدولار في قيمة الجنيه المصري ولا أنسي أن تنتهي مشكلة القدس وقطاع غزة وتغلق الأنفاق ويتوقف الإرهاب ويختفي تنظيم «داعش» وتعود ليبيا دولة مستقلة مستقرة وتتحد السودان مرة أخري شمالاً وجنوباً بعد أن يدمر سد النهضة بأثيوبيا ونستصلح الصحراء الغربية والشرقية ونحقق الاكتفاء الذاتي في القمح والكهرباء.. كل هذا لن يحدث لمجرد أن نفرد المشانق أو تنصب المقصلة في ميدان التحرير لنحصل علي القصاص ودم شهداء يناير وكل الشهداء حتي يومنا هذا.
اذهبوا إلي البرلمان أيها الشباب وأيها الغاضبون الثائرون.. اختاروا نواباً يستطيعون أن يقدموا مشاريع قوانين جديدة تضمن عدم تكرار الفساد وتحاسب كل مرتش وكل متربح وكل ساكت عن الحق وكل أخرس وكل إرهابي وكل متطرف بالقانون المدني وليس بالقانون العسكري أو قانون الطوارئ.. ابنوا بلادكم وفق معايير الغد ومعايير الدول وليس بناء علي شعارات لا تغني ولا تسمن من جوع.. التغير من الداخل..

من الأفكار.. والثورة في التوجه والسلوك والرؤية والابتكار والقدرة علي أن نعمل سوياً لاعادة بناء المواطن المصري من الداخل.. من التعليم الحكومي وليس الأجنبي أو الدروس أو المراكز الموازية.. من الجامعة التي تحترم الطالب فينتمي إليها ولا يحرقها.. الجامعة التي تقدم العلم والبحث والأنشطة وتؤهل الطالب لأن يكون ذا مهارات علمية وحرفية وبحثية قادراً علي التنافسية في مجال العمل سواء المحلي أو الدولي.. منتج فكري وثقافي وبشري يقود المجتمع نحو الانتاج والإبداع والتطور.
من الثقافة والفنون التي ترتقي بالإنسان ولا تنحدر بالمواطن إلي المهرجانات والهلوسة والابتذال.. ثقافة التعلم والتذوق للجمال وللخير ورفض كل رخيص سواء في الصورة أو اللغة أو السلوك نبني الإنسان المصري ونحميه ونرعاه صحياً واقتصادياً وأمنياً من خلال القوانين الجديدة التي تنبذ العنف اللفظي والجسدي والفكري وتساوي بين الجميع رجلاً وامرأة، قبطيا ومسلما سيناويا وصعيديا وبحيريا وبدويا.. كل أمام قانون جديد ومجتمع جديد.. يحترم الحرية ويعظم من مؤسساته الوطنية ويرفع علم بلاده ويؤدي فيه الشباب خدمتهم العسكرية وهم مرفوعو الهامة لا يسبون جيشهم ولا يسخرون من قضاتهم ولا يهنون آباءهم ولا أساتذتهم ولا يعتدون علي شرطتهم ولا يكسرون إشارة أو يغشون جماعياً أو يفخرون بالتظاهر وكسر القانون وقذف الدولة بالحجارة والمولوتوف والخرطوش.. إن التاريخ لن يغفر لك يا «مبارك» ما فعلته بالمصريين ولن يغفر للمصريين انهم تركوا أنفسهم بلا إرادة حتي وصلوا إلي ذلك المنحدر.. حتي ولو برأتك المحكمة وحتي ولو كنت أحد أبطال أكتوبر وحتي ولو كنت منحتنا الأمن والأمان والاستقرار علي مدي ثلاثين عاماً وحتي ولو كنت قد بنيت مدناً واقتصاداً وحتي ولو كنت لم تبع أرض الوطن ولم تخن ولم تغادر وفضلت أن تلقي مصيرك وتقبل بحكم قضاة بلدك وأهلك.. حتي ولو كنت في يوم ما بطلاً وزعيماً إلا انك قد كنت معولاً رئيسياً في ذلك الخواء وذلك الفساد الذي أصاب نفوس الكثير من المصريين وأيضاً سبباً في هذا الإرهاب الذي نما وتوحش قادته في ظل حكمك الماضي.. أدانك التاريخ  من أجل هذا.. ومن أجل هذا سيحاكمك المستقبل ولن تحصل يوماً علي البراءة.